طالب عبد العزيز
لا تتسق جملة الحديث الشريف" أولموا لآل جعفر فقد أتاهم ما يشغلهم" مع ما يقوم به(الميسورون) في عراق ما بعد 2003 لقد انحرفت درجة المعاني النبيلة عن مسارها بما لا يصدق، فالصورة التي يتداولها متصفحو الفيسبوك والخاصة بأحد أبطال سرقة القرن المتضمنة صفَّين طويلين من القدور، صفت على امتداد الشارع، في المحلة 306 بمنطقة القادسية، مقابل مجمع الوزراء، المؤدي لجسر الجادرية ومدخل المنطقة الخضراء تخرج عن الوصف وتعبّر عن(كرم حسيني) غير محدود.
كلنا يعرف أبطال الطبخ الكبار. مصادرَ اموالهم ومواقفهم السياسية ومصالحهم خارج وداخل العراق، بل ويعرف ذلك الامريكان ايضاً، لكنهم يعتقدون بأنَّ الله والحسين هما الوحيدان اللذان لا يعرفان ذلك!. كان أهل البصرة الوطنيون قد رفضوا سنة 1916-1917 تمويل قوات الاحتلال البريطانية بالرز المحلي، وهو موقف يحسب لهم، لكنَّ الانجليز وبخبثم التقليدي حمّلوا باخرة بمئات الأطنان من الرز البسمتي، من إحدى مستعمراتهم، وأوقفوها في ميناء المعقل، وحين أرادوا تفريغها اشتغل العشرات من البصريين عتالين في الارصفة، وقاموا بتنزيل الشحنة العظيمة تلك، على مسمع ومرأى من الوطنيين أولئك.
حتى وقت قريب كان أجدادنا وآباؤنا يتناقلون أخبار قائد الجيش البريطاني، الحاكم العام في البصرة، داوسن Dawson بوصفه انساناً طيباً، لأنه كان يوزّع الرز والسمن على المواكب في العاشوراء، وربما فعل الجنرال ستانلي مود ذلك قبله، وهكذا، فعل ويفعل الزعماء(الوطنيون) من الملك فيصل الاول الى صدام حسين. وكنا نشاهد بعض كبار قادة الحزب البعثيين وهم يخوطون القدور ويوزعون الرز باللحم على المعزين الحسينيين، إذن هي ممارسة طقوسية، اجتماعية نفاقية تواتر العمل عليها منذ مئات السنين، إذا ما علمنا بأنَّ الولاة العباسيين والفرس والاتراك والعثمانيين والجلائريين والمغول وسواهم كانوا قد سبقوا زعمائنا الشيعة اليها.
أسس الميسورون الحاليون، أصحاب النفوذ المالي والمسلح ثقافة هي الاسوأ والاخطر على المجتمع اليوم، فقد أحرج هؤلاء جموع البسطاء من الناس، من طبقة الكسبة وصغار الموظفين والعمال الذين يشكلون الطبقة الكبيرة، الذين ينظرون الى أفعال هؤلاء بوصفها تقرباً ونسكاً وتديناً وكرماً بالغ الاجر والثواب، لذا، فعليهم ألا يبخلوا بما بين ايديهم في سبيل أحياء الذكرى والمناسبة الحسينية هذه. وبين الفعلين تتسع الهوة، ويتعمق الجرح الانساني، ليقفز صاحب القدور الكثيرة طبقة عليا، فيما ينحط الفقير المسكين طبقة دنيا. سنستبعد الضرر الاقتصادي لأنَّ الخوض فيه يفتح علينا بوابة جهنم.
غياب الدولة عن المشهد هذا له مردوداته السلبية، بعلم الجميع، ولسنا في وارد تعدادها فهي كثيرة، لكننا، بحاجة الى تنظيم ما، كما تفعل دول مثل الكويت والبحرين وإيران أيضاً. خلال السنوات هذه وفي أيام العاشوراء تحولت المناسبة من التعزية والتأسي الى التفاخر والتنابز بالطعام، وتأسست ثقافة من نوع آخر، هي برأيي امتداد لثقافة الفساد التي سادت، فقد صار العراقي في الوسط والجنوب، المحتاج وغير المحتاج ايضاً يكدِّس المطبوخ من الرز واللحم، ويحشر الصحون والسفريات بالثلاجات.. ورأيت بعيني العشرات والمئات ربما من أصحاب السيارات الحديثة الى جوار اصحاب السيارات البسيطة والستوتات والدراجات والراجلة وهم يصطفون طوابير امام بيت يوزع صاحبه ما أمكنه من طبخه، ولم يتوقف الامر عند ذلك، فقد صار البعض لا يقبل إلا باللحم الكثير والطعام الفاخر، في فعل ظاهره التبرك وباطنه الاستجداء والاستحواذ.