علي عبد السادةبينما كان شرطيان عراقيان يدشنان معاينة الامن في شارع ببغداد الجديدة عبر زجاج عجلتهما غير المحصنة، تربص بهما مسلحون مجهولون، فيما بدأ المارة بالتقاطر للتو. وفي غفلة منهما اخترقت جسديهما رصاصات كواتم المسلحين، واجهزوا عليهما، من ثم، بالوقود والنار. وقبل ان يملأ ضجيج عجلتهم الهاربة المكان كان علم دولة العراق الاسلامية منصوبا قرب جثتهما.
ومنذ ان بدأ الحديث عن اقتراب الانسحاب الامريكي من العراق وطرحت الاسئلة الطويلة العريضة عن جاهزية القوات العراقية، يعلق القادة الامنيون العراقيون على مثل هذه الحوادث بأن الارهابيين يحاولون "على ما يبدو انتهاز فرصة الفراغ السياسي الناجم عن عدم اتفاق التكتلات السياسية بعد على حكومة جديدة في أعقاب الانتخابات البرلمانية التي أجريت في السابع من آذار".في المكان ذاته كان نهار السبت الفائت في بغداد الجديدة طبيعيا، ولا يبدو للمار هناك بان شيئا مخيفا حدث قبل ذلك، حتى ان آثار النيران والدماء غسلتها مياه رجال الاطفاء، لكن شهود العيان وهم يروون لـ(المدى) تفاصيل العملية الارهابية، لا يشعرون بالاطمئنان. وهذه بالضبط رسالة القاعدة عشية الانسحاب.يقول المراقبون والمختصون بالشأن العسكري ان جيلا جديدا من القادة في التنظيم الارهابي لم يسقطوا في فخ الاضواء الاستخبارية العراقية، الخلايا التي يقودونها بعيدة جدا عن الرؤوس الكبيرة التي خسرها التنظيم يوم قتل البغدادي والمصري في مزرعة نائية غرب البلاد.rn"رد وبدل"ان اي مراقبة سريعة لسيل التصريحات العراقية والامريكية حول موضوعة الانسحاب سنشهد خطا بيانيا متناقضا حولها، ما جعل الرأي العام يفشل في الحصول على اجوبة لسؤال الجاهزية."الخلايا مازالت نشطة ولم تتأثر بسوء" يقول قائد القوات الامريكية الخاصة في العراق باتريك هيغينز، وكان يتحدث لصحيفة وشنطن بوست في التاسع من اب الجاري، لكنه حين سئل عن جاهزية القوات العراقية لم يتردد في الجزم بانها "اكثر براعة من اي وقت مضى".وبينما يعلق الامريكون على تصريحات رئيس الاركان العراقي الفريق بابكر زيباري بانهم "مستعدون للتفاوض حول تعديل الاتفاقية" كان القادة العراقيون يصححون فهم الرأي العام: ما قاله زيباري لم يفسر بالطريقة الصحيحة". وربما لا بد من التفكر بالجملة التي نقلتها الواشنطن بوست عن الفريق العراقي:"في هذه المرحلة فان الانسحاب يسير بشكل جيد لانهم ما زالوا هنا. لكن المشكلة ستبدأ بعد 2011 ويجب على الساسة إيجاد سبل أخرى لملء الفراغ بعد 2011".rnالشارع الخائفهنا في المقاهي والدوائر والمحال العامة يبدو النشاط اليومي للعراقيين شبه متوقف، حتى ان بعض التجار يشكون من جمود في حركة السوق".وكثير من المحللين السياسيين يرون ان الفراغ السياسي وحدة التجاذبات وتعطل دوران الاجهزة التنفيذية خلف هذا المشهد القاتم. وعلى ما يبدو فان هذا الفراغ لم يخلف ذلك وحسب، انه يولد ويعزز المخاوف من الانسحاب، بينما يعرف الناشطون الارهابيون كيف ومتى ينفذون عملياتهم، والتي تصاغ اعلاميا بالشكل التالي:"ما دام يحدث هذا في وجودهم .. ماذا لو انسحب الامريكيون".الكثير من العراقيين يخشون ان ينذر الانسحاب الامريكي بتصاعد العنف. هذه المخاوف تساق في الشارع اليوم رغم ارقام منخفضة نسبيا لمعدلات العنف في البلاد منذ بلوغه الذروة عامي 2006 و 2007.بعض المدنيين في العاصمة بغداد تحدثت معهم (المدى) حول انطباعاتهم عن الوضع في العراق بعد الانسحاب، كان الجميع حذرا من ان يوافق على استمرار بقائهم، لكنهم لا يريدون فسح المجال امام المليشيات لان تعمل من جديد من مناطقهم. عدد قليل ممن تحدثت معهم (المدى) كان "متاكدا" من ان ايام العنف ستنشط من جديد.rnاخفاق وفراغعديد من النواب العراقيين ممن تبادلت معهم المدى الاراء حول مستقبل الامن في البلاد لا ينكرون ان اخفاقهم المتكرر منذ 7 آذار الماضي في تشكيل حكومة جديدة جزء اساس في ازمة انعدام الثقة، وهي المشكلة التي يراها خبراء في العلم العسكري تقلص كثيرا فرص نجاعة الخطط الامنية العسكرية.لذا فان المراقبين يجدون ان العمليات الارهابية اقل حجما من الظاهر الذي تسوقه الماكنات الاعلامية، بل انه يأتي مضخما هائلا مع وضع يشبه اللادولة .. اللا حكومة.الرأي العام في العراق يبحث عن اجابة واحدة لسؤال جاهزية القوات العراقية فان الامريكيين سارعوا ليلة امس الاول (السبت) في الاعلان عن احتفاظهم بـ 94 قاعدة عسكرية فقط في العراق، وبقاء ست فرق عسكرية أميركية في العراق بعد مغادرة القوات القتالية الأميركية بحلول نهاية الشهر الجاري، ما يعني ان جدولة الانسحاب تدخل جديا حيز التنفيذ. ويبقى السؤال هنا عن اعلان سياسي عراقي يبشر بحل ازمة الحكومة والالتفات سريعا لمراجعة الخطوط العريضة للقدرات العسكرية العراقية.
حصيلة الانسحاب: أجوبة متناقضة عن "الغد" وسؤال واحد عن الجاهزية
نشر في: 15 أغسطس, 2010: 09:11 م