إياد الصالحي
محظوظون بتوفيق من الله ، أن نحتفي مع زملائنا في جريدة المدى - ولو من بعيد - بذكرى عام تأسيسها العشرين بعد مسيرة طويلة قضاها الكاتب في كنفها تمتدُّ من 3 تشرين الثاني عام 2003 ، حافلة بعطاء وفير لمهنة المتاعب والمخاطر والمفاجآت ، وأنتهت بحصيلة مُنجز مهني سيبقى مُدعاة فخرنا وسعادتنا بين أقراننا العاملين في شؤون الرياضة التي عانت كثيراً خلال عقدين من الزمن ولم تُصلِحْ حالها.
مُنذ بدايات العمل في القسم الرياضي أسّسنا نهجاً خاصّاً برياضة المدى برفقة مجموعة طيّبة من الزملاء الذين تآلفوا بمحبّة كبيرة ، وتحدّوا كُل مصاعب التعامل مع الأندية والاتحادات والمؤسّسات القياديّة خاصّة ما بعد انقضاء فترة التحوّل الجديد في نظام الدولة عقب الاحتلال الأمريكي للعراق قبل خمسة أشهر من إصدار أوّل أعداد الجريدة بين عشرات المطبوعات التي لا يُعرف من هُم مموّلوها ، وأخذت بالانحسار الواحدة تلو الأخرى، فيما انطلقت المدى للانتشار في جميع مُدن العراق المُتعطّشة لمعرفة المزيد من الأخبار في ظلّ الأجواء المُرتبكة على مستوى سُلطة الحُكم ووسائل الإعلام غير المُنتظمة بقانون.
عندما تكون أساسات البناء قويّة ، وصاحب البيت واثق من مُعدِّي اللبنة الأولى فيه لن يخشى من أهتزازه في المستقبل ، وهو ما حدث بالفعل طوال سنوات تحرير ما يقرُب من 5500 عدد للمدى ما بعد احتفالها بمرور 20 عاماً ، جابهتْ خلالها ظروفاً معقّدة ، سياسيّة واقتصاديّة وأمنيّة ، وحتى أجتماعيّة، حينما أحرق الاحتقان الطائفي ، وتصارُع الأحزاب ، وتفجيرات الأرهابيين ، وعمليّات الاختطاف والقتل العشوائي ، أحرق كُل مترٍ من شوارع العاصمة بغداد ليُهدِّدَ بناية جريدة المدى تارةً والعاملين فيها تارةً أخرى ، لكن إيماننا في قوّة السلاح الفكري لمواجهة أعداء الحياة أوجبَ علينا الصمودَ ومواصلة العمل اليومي من دون الهروب واللجوء إلى دول الجوار للتأمين على أنفسنا ، فكانت المدى البيت الكبير ، كأنَّ مداد خطابها أُشعرنا بالطمأنينة ونحن نلتحفُ بصفحاتها صباحاً تلو آخر..
إنّ زعزعة الشارع العراقي في مساحة الوطن من شمالهِ إلى جنوبهِ المُتزامنة مع مُناسبات تشكيل السُلطات التنفيذيّة في أعقاب الانتخابات البرلمانيّة كُل أربع سنوات رُبّما أحدثتْ تغييرات إيجابيّة مُتباينة في تحسين ظروف بعض الشرائح من موظفين وطلبة ومواطنين إلى واقع أفضل حسب البرنامج الوزاري ومستوى خدماتهِ ، إلا الرياضة .. لم توثِّق تغطية (المدى الرياضي) عن واقعها المُتزعزع منذ عام 2003 إلى يومنا هذا أي تغيير بشهادة الرياضيين الأبطال الذين استغاثوا بالحكومات في أزمات متفرّقة لم يُحسنوا قبلها أختيار قادتهم عبر صناديق الانتخاب المُتكالَب عليها ، كما لم تُستثمَر الموازنات الماليّة السنويّة التي تجاوزت الـ 500 مليار دينار في صناعة بطل متفائِل وقادر على كسر صمود ستة عقود من الإحباط في تاريخنا الأولمبي!
لهذا ، أصرَّت (المدى الرياضي) على ضرورة البدء بتغيير مَن لم يعُد يصلح للبقاء سيما من أخفق في عهوده ، وظلّ يبحث عن أعذار واهية للبقاء إلى ما لا نهاية ، فكُلّما جاءت فترة اختبار مدى استحقاقهِ لتحمّل المسؤوليّة ، وظهرت نتائج مشاركات بعثاتنا في الدورات العربيّة والآسيويّة بأرقام مُخزية ، لا نرى المسؤول خجلاً من احتلال العراق الترتيب المتأخّر ، لكنّه يشعر بالعار إذا ما فتح أحّد الكُتّاب فوّهَة النقد المؤدّب ضده ، ويُسارع ليُجدِّد بصلافةٍ رغبتهِ في تمديد صنميّته ، ظنّاً بأن قناعاته واجبة التصديق من الجميع باعتباره ( كما يقول خصومه ) ضامِناً لأصواتِ حُلفائهِ في كُلّ مؤتمر متدبّر لكواليسه بالورق .. ومُتصرّفٍ بالذِمم!!
تجربتنا في المدى تستحقُّ التباهي فعلاً ، إذ لم نكن معبراً للمراوغين والفاسدين ، بل كُنّا أشدُّ حرصاً على نجاح ممثلي رياضتنا في الميدان برغم تقهقر استعداداتهم وضراوة الحرب النفسيّة ضدّهم ، وفي الوقت ذاته لم نتردَّد في فضح المُقصّرين تجاههم ، ونفضنا أيدينا عن الملّوحين بالإصلاح الرياضي لأنّنا اكتشفنا زيف ما يدّعون!
أسفنا كثيراً على رضوخ بعض الحائزين على بطاقة الصحافة بالتخنّدق لحساب هذا الاتحاد وذاك النادي ، والدفاع عن الأخطاء لتأكيد الولاء!! عزاؤنا أننا نبّهنا منذ سنين طويلة لما سيؤول اليه مصير المهنة ، ولم تكن هناك أي استجابة مسؤولة!
كلمتنا في النهاية ، لن يقف عطاء المدى على أحّد ، فنهرها الكريم يجري من أعالي كُردستان .. مارَّاً بأبي نؤاس ، ومُنعشاً لضِفاف بابل والغارف من الفرات ، ومُنتفضاً في حماسهِ الجنوبي مع مشاحيف شط العرب .. مانحاً الأمل لكُلّ صبورٍ نذر عُمره للعراق.