TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > عشرون قنديلاً على طريق المدى

عشرون قنديلاً على طريق المدى

نشر في: 6 أغسطس, 2023: 12:45 ص

طالب عبد العزيز

بودي أن أتحدث عن التقاليد الصحفية أو الثقافية، لأننا، في الحقيقة، لم نؤسس لأِّي نوع من التقاليد، في حياتنا بالعراق، وأعتقد أنَّ جوهر ما نعاني منه هو فقداننا لجملة التقاليد هذه، التي تبنى وتقوم على أسسها المجتمعات، حتى ليبدو لي أننا سبقنا التنظير الذي يقول بأنَّ النظام العالمي الجديد إنما يقوم على تفكيك البنى المجتمعية، ذلك لأنَّه(النظام) يتعارض مع ثوابت القيم والتقاليد، وهي عقبته الكأداء، لكنه ينشأ على هدمها ويقوم على ركامها، وهذا ما تعاني البشرية منه في الازمنة القادمة.

نستطيع أنْ نقول بأنَّ المدى(المؤسسة، دار النشر والمجلة سابقاً، والاذاعة والصحيفة اليوم) عملت منذ إصدار العدد الاول من المجلة بذات العنوان سنة 1984 مروراً بالذكرى العشرين لأصدار الصحيفة(المدى) التي نحتفل بذكراها العشرين اليوم، خاضت صراعاً صعباً لأجل ترسيخ تقاليد ثقافية وصحفية ومهنية، والذي تجلّى في سعى القائمين عليها، لكي تكون أنموذجاً إعلامياً وثقافياً رائداً، يقوم على المهنية والثوابت العامة، وسط أجواء سياسية واقتصادية واجتماعية عاصفة، تبددت فيها الاموال، وخرّبت النفوس، وضاعت القيم.

نعم، يتكفل الزمن بمحو الخطوات الأولى التي يخطها الانسان، وهو حبوٌ على تراب الحياة، لكنه يستطيع استحضارها أمام كلِّ لحظة نجاح وعند كلِّ عثرة، وما الانسان إلا جملة الخطوات والعثرات تلك. اليوم وبعد عشرين عاماً، يطيب لي أنْ استحضرَ صديقي الشاعر عبد الزهرة زكي، أحد الذين ساهموا مع الاستاذ فخري كريم في وضع لبنات الجريدة الأولى، وزيارته البصرة، نهاية ربيع العام 2003 أي قبل إصدار العدد الاول من (المدى) بثلاثة اشهر، واستحضرُ همته وحديثه معي بشأن إيجاد مكتب للجريدة في البصرة، ودعوتي للعمل فيها، حيث توسَّع وأفاض في أهمية وضرورة المشروع. منذ اللحظة تلك أدركتُ أننا أمام مشروع هو أكبر من جريدة ومجلة وراديو وتلفزيون، ولعل سنوات ما قبل الازمة المالية، أي قبل العام 2016 كانت شاهداً على ما أقول، من خلال الملاحق والمهرجانات والمعارض التي تقيمها المدى.

تقول روزا اليوسف(فاطمة) مؤسسة مجلة اليوسف التي صدر عددها الاول في اكتوبر 1926 "إنَّ أبرز خط فى شخصيتى هو الكفاح، والكفاح فى حياتى طريق طويل، لم يغطه أحد بالأسفلت، وقد مشيت الطريق كله، على ساقيَّ حتى كلتا من المسير، وأصيبتا بضيق فى الشرايين" ومعلوم أنَّ خطَّ المجلة كان رائداً في التنوير، وعلامة ثقافية وفنية، دخلت كل بيت، وتتبعها كلُّ ذي عقل متطلع للحياة، ومازالت تصدر الى اليوم ضمن خطها ذاك، على الرغم من تقلب السياسة وتعاقب الانظمة، ومثلها نتحدث عن جريدة ومؤسسة الاهرام، التي أسسها الشقيقان بشارة وسليم تقلا في العام 1875 ومازالت تصدر الى اليوم، ضمن الحدود تلك أيضاً.

إذا كانت هيئات التحرير التي تعاقبت على إدارة المؤسستين(اليوسف والاهرام) -مؤسستان شخصيتان- قد تمكنت من الحفاظ على النهج العام الذي خطته كلُّ واحدة، فهذا لا يعني أنها لم تقع في الحرج والتازم إنجذابا وبعداً عن الوقائع السياسية، التي عصفت بمصر منذ نهاية القرن التاسع عشر الى اليوم. وهنا يكمن دور الحِكمة، وتعظمُ معاني الحِنْكة، وتتجلى فنون الادارة. لا يمكن الحديث عن الهوية الخالصة، والحياد العام، والرفض الكلي، ليس في الامر بطولة. الإبحار في المحيطات العميقة، المضطربة، والغايات الكبرى في الوصول الآمن تستدعي بحّارين حقيقيين. يقول أحمد بهاء الدين عن مؤسسة روز اليوسف إنَّ "فاطمة اليوسف" وجوهرها النادر هو هذه الإرادة، إرادة لا تضعف فى وجه أىِّ شيء، إرادة تستصغر الخطر، وتبتسم للمحنة، وتجعل كل شيء يبدو ممكنًا فى عينها وفى أعين الذين حولها.

ندرك صعوبة الوقوف الواثق والآمن في بلاد مثل العراق، لم تقم فيها يوما تقاليد صحفية بالمعنى المصري أو العالمي، لكننا، نعتقد بامكانية قيامة ذلك، شريطة أنْ نعي أهمية ما نتطلع اليه. تأسيس القيم، أيّ قيمٍ لا يتم بسهولة، ولا بمهاترات وزوابع إعلامية. أهمية المدى(المؤسسة) يكمن في كونها واحدة من المشاريع التي تعمل على ترسيخ القيم المهنية إعلاميا وثقافياًـ، والدفاع عن الثوابت المدنية، والعناية الفائقة بقيم الجمال، وبث الروح الحضرية في المجتمع العراقي، مع الحفاظ على الهوية الوطنية، والانتماء الانساني.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: حدثنا نور زهير!!

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

فشل المشروع الطائفي في العراق

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

 علي حسين إذا افترضا أن لا شيء في السياسة يحدث بالمصادفة، فإنه يفترض أن نوجه تحية كبيرة للذين يقفون وراء كوميديا نور زهير الساخرة ، فبعد أن خرج علينا صاحب سرقة القرن بكامل...
علي حسين

باليت المدى: الرجل الذي جعلني سعيداً

 ستار كاووش كل إبداع يحتاج الى شيء من الجنون، وحين يمتزج هذا الجنون ببعض الخيال فستكون النتيجة مذهلة. كما فعل الفنان جاي برونيه الذي أثبتَ ان الفن الجميل ينبع من روح الانسان، والابداع...
ستار كاووش

كلاكيت: ألان ديلون منحه الطليان شهرته وأهملته هوليوود

 علاء المفرجي في منتصف السبعينيات شاهدت فيلمه (رجلان في مأزق) وهو الاسم التجاري له، في سينما النجوم في بغداد، وكان من إخراج خوسيه جيوفاني، ولا يمكن لي أن انسى المشهد الذي يوقظه فيه فجرا...
علاء المفرجي

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

ثامر الهيمص وقد اراد الله ذلك فاستهل النبي ابراهيم عبادته وهو(الدعاء) الذي يعد (مخ العبادة) فدعا الله بقوله: (رب اجعل هذا البلد امنا) فكانت الاولوية للاوطان وليس للاديان دون تعارض. (رحيم ابو رغيف /...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram