طالب عبد العزيز
أن يستقبل أحدُ سفراء العراق ضيوفه بالشحاطة وملابس النوم، وأنْ يكون لنا سفراء في بلدان ليس فيها جالية عراقية، وأن يفاوض في الاقتصاد من لا يملك علماً فيه، وأنْ يتسنم كرسيَّ الوزراة هذه وتلك من لا علاقة له بتلك وهذه، وأنْ يُشاهدُ أبناء الوزير الفلاني والسفير الفلاني وزعيم الحزب الفلاني وهم يتجولون بأحدث موديلات السيارات، وفي الجزر النائية، ويحملون الجوازات الملونة، وما الى ذلك.. قضايا لا يتحدث أحدٌ في تفسيرها، لأننا محكومون تحت شعار (بيتنه ونلعب بيه).
لكنْ، لا يملك المتجول في مدننا إلا أن يقول بانَّ (جهابذة) الساسة الذين تعاقبوا على إدارة البلاد لا يملكون ذرةَ معرفة في جغرافيا البلاد، وهم أجهل ما يكون في تصفح خرائطه، والقوانين والقرارات التي تتحكم في حاضره ومستقبله، وقد تندرنا، نحن العراقيين، طويلاً بحديث أحدهم حين قال بأنَّ نهر الفرات ينبع من مصر، ومثله من قال بأنَّ دجلة ينبع من الصين، وهكذا تتصرف بلديات المدن بالشوارع والساحات والجزرات والمساحات الخدمية، لا على أساس علمي ودراية بما يجب أن يكون، إنما بناء على مقترح موظف بسيط، أو تبعاً لأهواء مسؤول نصف ردن، وهكذا عجزت كل بلديات المدن عن حماية شوارعنا من الشمس المحرقة عبر تصرف أدنى ما يقال عنه أنه غبي.
كان طريق البصرة- ابو الخصيب واحداً من أكثر شوارع العراق ظلالاً، وأجملها لمستعمليه، ومدعاة للقاصدين، الباحثين عن متعة سياقة المركبات في الغابات، وأسهلها للمتبضع، المعني بشراء الطازج والشهي من الرطب والخضار والفاكهة واللبن والبيض والدبس والرهش وحلاوة نهر خوز والنبق وغيرها، لكنْ، وبغبائهاالمعهود ونواياها السيئة، ومطامحها الشخصية والحزبية تم تخريب الطريق، الجميل ذاك، فذهبت الظلال الى غير رجعة، وصارت الشمس تصب حممها على رؤوس الناس، وبات مكشوفاً منزوعاً من صفته التي انشيء عليها، أما سلال الرطب والفاكهة والخضار فقد اختفت بالتمام، بعد أن بيعت الارض وتغيرت وجهتها الزراعية الى بيوت ومحال تجارية وعشوائيات.
في أكثر من مناسبة يناشد المواطن البصري البلدية بالكف عن زراعة النخيل في الشوارع والجزرات الوسطية والاستعاضة عنها بالاشجار المعمرة وارفة الظلال، الرخيصة، مثل البرهام واليوكالبتوس والاثل وسواها إذا ما علمنا بان سعر شجرة النخيل تتجاوز الـ 500 خمسمائة الف دينار فيما لا يتجاوز سعر شجرة البرهام الـ 10.000 عشرة آلاف دينار، وحين يبحث المواطن في الاسباب سيجد بأن يداً خفيةً تكمن وراء إصرار البلدية، قوامها اللامسؤولية والمنفعة أوالغباء، وإلا ما معنى ذلك؟
منذ العام 2004 والى اليوم لم تتمكن الحكومة من إلزام مواطنيها بالكف عن القاء النفايات في المناطق المتروكة أو القطع غير المبنية، وأنَّ الحياة تقتضي نظافة المدن، وظلت تأتي بالشركة هذه وتستبدل بتلك، وتنفق المليارات، ويتهم هذا وذاك بالفساد، لكنَّ النفايات ظلت تتراكم، وتترك وتفوح الروائح الكريهة والمواطن في وداي الجهل، لا تردعه أخلاق ولا يلزمه قانون. ترى إذا كانت الحكومات هذه غير قادرة على القيام بمهام ابسط الخدمات وهي البلدية، كيف يمكننا مطالبتها باسترجاع الارض المسلوبة بغيباء وتهور رأس النظام السابق وتحسين أوضاع السفارات والمصالح الاقتصادية وحماية الحدود وفهم التاريخ والعمل على وفق معادلة الجغرافيا والمتغيرات المناخية فضلاً عن رعاية الجيل الجديد المتفهم والقادر على صناعة المستقبل.