TOP

جريدة المدى > هلا رمضان > مدفع الإفطار والفوانيس التي غابت في السنوات الأخيرة

مدفع الإفطار والفوانيس التي غابت في السنوات الأخيرة

نشر في: 16 أغسطس, 2010: 06:25 م

جاسم داخلبالرغم من بلوغه من العمر عتيا إلا إن زرزور مهدي (مواليد 1923) يمتلك ذاكرة طرية، فهو شخصية اجتماعية معروفة بـ«زرزور أبو الحب» نسبة إلى بيعه الحب إلى جانب الجرزات (المكسرات) بدكانه في العشار وسط مدينة البصرة جنوب العراق منذ أكثر من نصف قرن، قال : «إن تقاليدنا الطيبة وموروثنا الفولكلوري الجميل والأعراف والقيم الكريمة التي تناقلتها الأجيال،
 إضافة إلى مباهج الجانب العبادي في شهر رمضان الكريم تقف اليوم بصلابة أمام الحداثة السريعة التي دخلت إلينا من دون استئذان،ابتداء من الستلايت وتنوع القنوات الفضائية وألعاب الـ«بليستيشن» وحتى الحاسوب والانترنت والرسائل النصية في الهواتف الجوالة». وأضاف (إن هذه الوسائل المتطورة برغم أهميتها، فإنها عقدت الحياة البسيطة التي كنا نعيشها حيث الإلفة والمحبة واجتماع أفراد العائلة على سفرة واحدة للإفطار، والتنعم بالرزق الحلال والحمد والثناء للرحمن الرحيم(.وأكد على أن «أجمل ما كان في الشهر الفضيل في البصرة أيام زمان هو تبادل أواني الطعام بين الجيران قبيل موعد الإفطار، وخاصة الأطعمة المتميزة التي تتباهى ربات البيوت بإجادة طبخها، مثل البرياني المفعم بروائح المطيبات والبهارات والتوابل الهندية وسمك الزبيدي الطازج والقباب المجفف ولقمة القاضي والهريسة وأنواع من حلويات التمر، إضافة إلى الإطباق التي ترسل بشكل يومي إلى الجوامع ودور العبادة لإفطار الصائمين من الفقراء المتعففين». وأشار إلى أن (البصرة في الثلاثينيات كانت بلا كهرباء وإنما هناك أعمدة تعلق عليها الفوانيس النفطية التي يقوم بإشعالها عامل يدور عليها بدراجته الهوائية، وخاصة في الشوارع الرئيسة المتفرعة من ساحة أم البروم التي تستضيف في أيام رمضان مدفع الإفطار). وأضاف: «إن مسؤول المدفع كان شخصا يسمى محمد حيث يقوم وقت الظهيرة بجمع قصاصات القماش من محال الخياطين ويخلطها مع كمية من البارود ويضعها في مؤخرة سبطانة المدفع الذي كان يتخذ ركنا من حديقة الساحة التي كانت تسمى وقتذاك بحديقة الملك غازي، وعندما يسمع صوت المؤذن يشعل فتيل القماش ويسحب الحبل المثبت بالسبطانة، عند ذاك يطلق مدفع محمد قذيفته القماشية محدثاً دوياً مسموعا إلى مسافات بعيدة، فيسارع الناس إلى تناول إفطارهم".وعلى ذكر مدفع الإفطار، تجمع المصادر على أن مدينة القاهرة بمصر كانت أول مدينة إسلامية أطلقت المدفع عند الغروب، إيذانا بالإفطار في شهر رمضان، وذلك عندما تم إطلاق مدفع الإفطار لأول مرة ـ عن طريق الصدفة ـ عند غروب أول يوم من شهر رمضان عام 859 هـ. وقد حدث ذلك عندما أهدي إلى السلطان المملوكي «خوشقدم» مدفع، فأراد تجربته للتأكد من صلاحيته فصادف إطلاقه وقت المغرب بالضبط من أول يوم في رمضان، ففرح الناس اعتقادا أن هذا إشعار لهم بالإفطار وأن السلطان أطلق المدفع لتنبيههم إلى أن موعد الإفطار قد حان في هذه اللحظة. وذهبوا إلى القاضي في اليوم التالي لينقل شكرهم للسلطان، وعندما علم السلطان بسعادتهم بذلك أمر بالاستمرار في ذلك وزاد على مدفع الإفطار مدفع السحور ومدفع الإمساك، وهكذا انتقل هذا التقليد إلى بقية المدن في العالم الإسلامي. ويستذكر عماد محسن، 54 عاما، جزءا من ألعاب الطفولة في رمضان المشبعة بالمتعة والفرح على حد توصيفه فقال: (بعد الانتهاء من الإفطار مباشرة يتجمع أطفال المحلة في زقاق يتوسط البيوت وقد هيأ كل واحد منهم علبة صغيرة فارغة من بقايا علب المعلبات أو المعجون أو الحليب، وفي داخلها شمعة بعد أن تملأ جوانبها ثقوبا ثم نضع لها ماسكة، ونحملها باعتبارها فوانيس، وتدور مجاميع الأطفال (أولاد وبنات) على أبواب الدور وتصرخ بأصوات طفولية مفعمة بالنشوة بالاندفاع والأمل (ماجينة يا ماجينة، حل الكيس وأعطونا). وما زلت حتى الآن لا اعرف معنى كلمة (الماجينة). وأضاف: (أما اليوم فإن القليل من الأطفال يحملون الفوانيس الصغيرة الملونة المصنوعة من البلاستك التي تعمل بالبطارية التي يطلق عليها تندرا فوانيس العولمة الرمضانية). وأكدت ليلى علوان (معلمة) على أن الظروف الأمنية الصعبة التي نعيشها في هذه الأيام حرمتنا من الكثير من الطقوس الرمضانية الجميلة التي كنا نتلهف شوقا إليها من عام لآخر ومن بعضها اجتماع عائلتين أو أكثر من الأقارب على الإفطار خارج البيت أما على ضفاف شط العرب أو في احد حدائق المتنزهات تتخللها أحاديث السمر والفوازير والألعاب الرمضانية الجميلة). وأشارت سندس فاضل (موظفة) إلى أن مدفع الإفطار، وهو التقليد من الموروث العذب، فقد معناه في السنوات الأخيرة قبل أن تقوم الحكومة بإلغائه حيث اختلط صوته بأصوات انفجارات السيارات الملغومة والعبوات الناسفة التي تنشر الموت والرعب بين العوائل ومصدر خوف وتوتر للأطفال، مشيرة إلى إن ما تبقى من طقوس رمضان التراثية مثل قص الجدات حكايات السمر للأحفاد ومن بينها قصص أبي زيد الهلالي والمياسة والمقداد وعنترة العبــسي وبائعة اللبن وزرقاء اليمامة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

عيدالفطر المبارك في ربوع وادي الرافدين..بانوراما حافلة نسيجها الحب والتواصل والأفراح

عيدالفطر المبارك في ربوع وادي الرافدين..بانوراما حافلة نسيجها الحب والتواصل والأفراح

احمد كاظممناسبة العيد في ضمائر العراقيين لحظة تاريخية فارقة، فبعد عناء شهر كامل من الصوم يأتي عيد الفطر كمكافأة عظيمة للصائمين، ولا يذكر العيد، الا وذكرت (العيدية) والحدائق ومدن الألعاب والدواليب والملابس الجديدة التي...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram