علاء المفرجي
قد يفاجأ القارئ أن نبدأ هذه المقالة بأسئلة لسينمائيينا، أو أسئلة موجهة لكل من يعنيه شأن السينما في العراق، وتتعلق هذه الأسئلة بجملتها عن الفيلم القصير.
لماذا اعتمد شبابنا هذا النوع من الأفلام، بعد فورة النشاط السينمائي في العراق بعد 2003؟ هل الفيلم القصير محطة للوصول لعمل فيلم روائي طويل؟ هل استوفى ما صنعوه من أفلام شروط الفيلم القصير؟ وأخيراً هل حققت هذه الأفلام بعض مرادها؟
يبدو أن بعض سينمائيينا يتعاطون مع هذا النوع من الأفلام، كما يتعاطى المهتمون بالسرد بموضوع القصة القصيرة والرواية، فالإثنتان سرديتان، وكلاهما تتناول حكاية فيها بطل وأشخاص آخرون، وكذلك هناك بيئة تجري فيها القصة، فضلاً عن أن كلاً منهما تنحصر بين دفّتي كتاب يؤلفه الراوي في الرواية، والقاصّ في القصة القصيرة. وهكذا مع بعض المشتغلين عندنا في السينما.
مما لا شك فيه أن السينما العراقية برغم ما يقال عنها قد حققت انطلاقة جديدة، خاصة بعد 2003.. من خلال حضورها كفن له شخصيته، في المشهد الفني العراقي. فالفورة الرائعة لسينمائيينا الشباب في السنوات الأخيرة، أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن مستقبل الفيلم العراقي يرسم ملامحه الشباب، ويكفي حضورهم المتميز في المهرجانات السينمائية العربية والعالمية، وما ظفروا به من جوائز عديدة، هذا برغم الإمكانات المحدودة التي عملوا بها، لذلك ليس من الصواب إقرار أن الفيلم القصير لم يؤد الغرض عندهم.
لكن موضوعاً واحداً هيمن على النتاج الفيلمي العراقي، خلال السنوات السبع الأخيرة، هو الحدث العراقي بتفاصيله، وتداعياته، وأثره الاجتماعي والنفسي.. خاصة مع الأفلام التي حظيت بمشاركات في المهرجانات السينمائية، والتي استطاع البعض منها أن ينتزع جوائز مهمة في هذه المهرجانات.
لكن المشكلة القائمة تتمثل في أسلوب المعالجة، والقدرة على إقناع المتلقي بهول هذا الحدث ومأساويته من دون الوقوع في أسر الوثيقة التي كانت في الأغلب الأعم المادة الرئيسة لمتن جميع موضوعات هذه الأفلام.. لا فرق هنا بين فيلم وثائقي وآخر روائي طويل.. وهو ما يوحي بعجز واضح عند صناع هذه الأفلام على تمثل الحدث، وإعادة إنتاجه من دون أن يفقد حرارة الفعل والتأثير، وهي بالضبط مهمة الفنان وفيما عداها هو عمل للمؤرخ الذي تكون الوثيقة لديه مادته الأساس..
في الأعوام الأخيرة سنحت لنا فرصة مشاهدة كم من الأفلام العراقية بين وثائقية وروائية في مهرجانات عربية ومحلية مختلفة، اعتمد أغلبها على الموضوعة نفسها: صور عن أعمال عنف وانفجارات وزعيق سيارات إسعاف.. ودخان أسود يحجب الأفق.. ودمار مدن، ونساء ثكالى.. وغيرها تكتفي بعرضها لتعبر هي عن مضمونها، تماماً كما تفعل وسائل الإعلام المرئية – وهو أمر من صلب مهامها- ومن دون بادرة إقناع واحدة إن ما ينبغي أن نشاهده هو عمل فني، لا عرضاً إخبارياً..
ولأن السينما هي من أكثر الأجناس الإبداعية، التي وقفت عند الأحداث المفصلية التي مرت بها شعوب الأرض.. فإن تاريخها حافل بالأمثلة، على قدرة الفن في استلهام هذه الأحداث بأعمال تحمل قيمة جمالية وفكرية، ترتقي بهذا الحدث إلى مستوى أهميته وتأثيره..
لم تستمد الأفلام التي تناولت التورط الأمريكي في فيتنام أهميتها وحضورها الفني المميز إلاّ بعد أن تجاوزت التناول السطحي والمباشر لهذا الحدث، خاصة مع الأفلام التي أنتجت في خضم هذا الحدث الملتهب نهاية ستينات وبداية سبعينات القرن المنصرم. وفي أفلام مثل (ولد في الرابع من يوليو) لأوليفر ستون، و(خيط أحمر رفيع) لتيرنس ماليك.. اعتمدت معالجتها هذا الحدث، على إبراز أثره المدمر في العلاقات الإنسانية.. والأثر السلبي للحروب.. من دون أن تقدم لنا تفاصيل تعتمد التقريرية والمباشرة في استعراض تفاصيل هذا الحدث..
مما يجدر ذكره في هذا السياق وجود عدد من الأفلام التي اختارت العزف على وتر جديد في موضوعاتها.. وتر بقدر ما يصدر لحناً مختلفاً، فإنه لا ينفرد بإيقاعه بشكل مطلق..