طالب عبد العزيز
لا تختلفُ هموم الكتابة في الشعر عن مثيلتها في السرد، وسواء كانت قصيدة أو مادة صحفية فهي بذات القلق والعناية، مع اختلافها وتباينها بين كاتب/شاعر وآخر، واعجب من الذين يتطلعون لأمجادهم في ما يكتبون! فالكتابة عندي نوع من الحرمان من الهواء، وتضييق في فسحة المباهج.
فأنا أرزح تحت نير القلق والضجر من مساء يوم الجمعة، ولا أنفك منه إلا مساء الثلاثاء، من كل اسبوع، لأنني سأكون بذلك قد فرغت من كتابة ثلاث مواد، لطالما وصفتها بأنَّها من موجبات العيش، ودعامة في تأمين البعض من متطلبات البيت، هذا الذي تصفه أتيل عدنان بأنه لم يعد سوى حصاة في جيبي.
أنا ومنذ عشرين سنة، شرعتُ بالهبوط من سفح الحياة الثاني- أليست الحياة جبلاً نصعده فنهبط منه- وأنَّ العدَّ التنازلي للوداع قد ابتدأ بالتاريخ هذا، لذلك لا أجد حرجاً بالخوض في التفاصيل، مهما كانت درجة سريتها، وإن كانت على غير ما يشتهي الاقربون. أسعدني أنَّ ابني الذي عاد من بغداد أمس كان قد حمل في حقيبته زجاجة نبيذٍ توسكانيٍّ لي، وأنَّ الايام المتبقية من آب اللهاب هي الاقل الآن، وأنَّ الساقية، خلف غرفتي، التي انحسر ماؤها العام الماضي أُتْرِعَت اليومَ بماء حلوٍ، تفضلت الجارة الارجنينية به، التي لم تغلق نهر الكارون حتى اللحظة هذه، وأنَّ آلة الحاسبة، خاصتي لم تصب بعُطل في عصبها الرئيس، وأنَّ ما دونته من مهازل وترهات مازال على قيد القراءة، وإنْ ظلت تظهر إشارة التحذيرالحمراء، بالصليب المتعامد windows scriptTalib على صفحة الوورد بين فترة وأخرى، فأنا اكتفي بالضغط على OK لتذهب الى غير رجعة. أليس من من المباهج أنْ لا تنسف جهدَك الكتابيَّ حماقةُ الألكترون..
مع يقيني بأنَّ لايكات وكلمات الاعجاب التي ترد على صفحتي في الفيسبوك ليست معياراً نقدياً، وأنَّها مما يزهدُ البعضُ به إلا أنني، أحملها محمل الجدِّ، ذلك، لأنني رجل فقير، وبلا أمجاد حقيقية-هل هناك امجاد؟- ولنقل إنَّها تزجيات، إذن أنا أسعد بالتزجيات، فهي كؤوس أنبذة منعشة، لكنها قليلة الكلفة. لِمَ لا، ثم أنها من محبة الناس، والانسان مجبول على حبِّ الآخرين، ويسمو بالمحبة، ويتزين بالقربى منهم. على طاولتي كأس ماء بارد وفنجان قهوة وسلة رطب بريم، قطفته من نخلة غرستها قبل ثلاثة أعوام، وأثمرت عذقاً واحداً هذا الموسم، هل بيننا من لا يحبُّ المباهج الثلاثة هذه؟
مما يغضبي أنني كلما وضعتُ يدي على طاولة الكتابة، متلمساً فأرة الحاسبة، تلتصق يدي بشريط دبق، كنت قد أطّرتُ به حاشيتها، طمعاً بأنْ تبدو، يحدثُ هذا منذ شهرين، وكلما هممتُ بفعل شيءٍ لإصلاحه نسيتُ، لكنَّ الشرشفَ الذي اقترحته زوجتي عليها بددَ الغضبَ، وأزاح النكد، وقربني من نقطة السرور، ألا يكمنُ السرورُ في التفاصيل الصغيرة أيضاً. ألم تقل أتيل عدنان:" النجمة جميلةٌ لكنَّ الشاعرَ يحبُّ الارض"؟ ثم ألا يسمحُ أحدكم لي بالقول:" ليست المصابيحُ آخر اسلحتي في مواجهة الظلام؟".
في فيلم(خوسيه وبيلار) الذي أعِدَّ عن حياة خوسية سارماغو،وكان بطله ايضاً يقول:" في يومٍ واحدٍ، تغيبُ الشمسُ، وينتهي كلُّ شيءٍ، والكون لن يعرف حتى أننا كنّا هنا. الكون لن يعرف حتى أنَّ هوميروس ألّفَ الالياذة. لو كنتم أقلَّ من هذا العدد لاستطعتُ البكاء، أنا أعيشُ القلقَ وأكتبُ القلق. نمشي ما دمنا أحياءَ، ونصلُ حين نموت.