اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: ورقة من دفتر المباهج

قناطر: ورقة من دفتر المباهج

نشر في: 12 أغسطس, 2023: 10:51 م

طالب عبد العزيز

لا تختلفُ هموم الكتابة في الشعر عن مثيلتها في السرد، وسواء كانت قصيدة أو مادة صحفية فهي بذات القلق والعناية، مع اختلافها وتباينها بين كاتب/شاعر وآخر، واعجب من الذين يتطلعون لأمجادهم في ما يكتبون! فالكتابة عندي نوع من الحرمان من الهواء، وتضييق في فسحة المباهج.

فأنا أرزح تحت نير القلق والضجر من مساء يوم الجمعة، ولا أنفك منه إلا مساء الثلاثاء، من كل اسبوع، لأنني سأكون بذلك قد فرغت من كتابة ثلاث مواد، لطالما وصفتها بأنَّها من موجبات العيش، ودعامة في تأمين البعض من متطلبات البيت، هذا الذي تصفه أتيل عدنان بأنه لم يعد سوى حصاة في جيبي.

أنا ومنذ عشرين سنة، شرعتُ بالهبوط من سفح الحياة الثاني- أليست الحياة جبلاً نصعده فنهبط منه- وأنَّ العدَّ التنازلي للوداع قد ابتدأ بالتاريخ هذا، لذلك لا أجد حرجاً بالخوض في التفاصيل، مهما كانت درجة سريتها، وإن كانت على غير ما يشتهي الاقربون. أسعدني أنَّ ابني الذي عاد من بغداد أمس كان قد حمل في حقيبته زجاجة نبيذٍ توسكانيٍّ لي، وأنَّ الايام المتبقية من آب اللهاب هي الاقل الآن، وأنَّ الساقية، خلف غرفتي، التي انحسر ماؤها العام الماضي أُتْرِعَت اليومَ بماء حلوٍ، تفضلت الجارة الارجنينية به، التي لم تغلق نهر الكارون حتى اللحظة هذه، وأنَّ آلة الحاسبة، خاصتي لم تصب بعُطل في عصبها الرئيس، وأنَّ ما دونته من مهازل وترهات مازال على قيد القراءة، وإنْ ظلت تظهر إشارة التحذيرالحمراء، بالصليب المتعامد windows scriptTalib على صفحة الوورد بين فترة وأخرى، فأنا اكتفي بالضغط على OK لتذهب الى غير رجعة. أليس من من المباهج أنْ لا تنسف جهدَك الكتابيَّ حماقةُ الألكترون..

مع يقيني بأنَّ لايكات وكلمات الاعجاب التي ترد على صفحتي في الفيسبوك ليست معياراً نقدياً، وأنَّها مما يزهدُ البعضُ به إلا أنني، أحملها محمل الجدِّ، ذلك، لأنني رجل فقير، وبلا أمجاد حقيقية-هل هناك امجاد؟- ولنقل إنَّها تزجيات، إذن أنا أسعد بالتزجيات، فهي كؤوس أنبذة منعشة، لكنها قليلة الكلفة. لِمَ لا، ثم أنها من محبة الناس، والانسان مجبول على حبِّ الآخرين، ويسمو بالمحبة، ويتزين بالقربى منهم. على طاولتي كأس ماء بارد وفنجان قهوة وسلة رطب بريم، قطفته من نخلة غرستها قبل ثلاثة أعوام، وأثمرت عذقاً واحداً هذا الموسم، هل بيننا من لا يحبُّ المباهج الثلاثة هذه؟

مما يغضبي أنني كلما وضعتُ يدي على طاولة الكتابة، متلمساً فأرة الحاسبة، تلتصق يدي بشريط دبق، كنت قد أطّرتُ به حاشيتها، طمعاً بأنْ تبدو، يحدثُ هذا منذ شهرين، وكلما هممتُ بفعل شيءٍ لإصلاحه نسيتُ، لكنَّ الشرشفَ الذي اقترحته زوجتي عليها بددَ الغضبَ، وأزاح النكد، وقربني من نقطة السرور، ألا يكمنُ السرورُ في التفاصيل الصغيرة أيضاً. ألم تقل أتيل عدنان:" النجمة جميلةٌ لكنَّ الشاعرَ يحبُّ الارض"؟ ثم ألا يسمحُ أحدكم لي بالقول:" ليست المصابيحُ آخر اسلحتي في مواجهة الظلام؟".

في فيلم(خوسيه وبيلار) الذي أعِدَّ عن حياة خوسية سارماغو،وكان بطله ايضاً يقول:" في يومٍ واحدٍ، تغيبُ الشمسُ، وينتهي كلُّ شيءٍ، والكون لن يعرف حتى أننا كنّا هنا. الكون لن يعرف حتى أنَّ هوميروس ألّفَ الالياذة. لو كنتم أقلَّ من هذا العدد لاستطعتُ البكاء، أنا أعيشُ القلقَ وأكتبُ القلق. نمشي ما دمنا أحياءَ، ونصلُ حين نموت.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram