TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الدبلوماسية الثقافية: إضاءات على تحديات التواصل او التصادم

الدبلوماسية الثقافية: إضاءات على تحديات التواصل او التصادم

نشر في: 12 أغسطس, 2023: 10:52 م

د. أحمد عبد الرزاق شكارة

لم يتحدث الكثير في العراق من الباحثين عن دور وطبيعة وتداعيات الدبلوماسية الثقافية Cultural Diplomaبل حتى وإن عرفت وشخصت شكلا ومضمونا، إصطلاحا ومنهجا فإننا لازلنا عطشى للمزيد من المعلومات المعرفية المعمقة ذات المصداقية عنها مترافقة مع ضرورة استدعاء جملة من التاثيرات والتداعيات الناجمة عن تطبيقها في منطقة اقليم مينا Middle East and North African Region – MENA.

المبرر الاساسي لرغبتي الكتابة عن هذا الموضوع الحيوي مرتبط بتساؤلات جدية تنتظر إجابات مناسبة على راسها التساؤل التالي: ما مدى أمكانية صياغة وإستثمار دبلوماسية ثقافية رصينة هدفها تعزيز المصلحة الوطنية العراقية وبإعتبارها ايضا جزءا لايتجزأ من القوة في شقها الناعم Soft Power، قوة هدفها إيجاد حلول سلميةناجعة لقضايا الصراعات الاقليمية والدولية تعتمد حالة من التواصل السلمي الحضاري وصولا لعلاقات خارجية متطورة مبنية على الاحترام والتقدير والتعاون والتنسيق المتبادل والمفيد سواءا أفي المواقف أم في مناح السلوك الثقافي - الستراتيجي- الانساني؟

بدءا تعرف الدبلوماسية الثقافية بإنها تشكل مسارا ممنهجا لنشاطات او فعاليات متعددة مخطط لها جيدا فحواها تبادل وترجمة مستمرة للافكار وللرؤى الايجابية في مختلف مجالات الحياة بصورة تنتج لنا مشروعات منتجة للخدمة "الانسانية المستدامة". تستند الدبلوماسية الثقافية على ضرورة تنمية علاقات - أوشراكات - تقر مساحات من التوافق الثقافي الانساني لبناء الدول على اسس قويمة ماديا ومعنويا الامر الذي يستوجب تعزيزا لفرص الحوار والتواصل المثمر بين الدول والامم والشعوب والافراد من خلال التنظيم الدولي ومنظمات المجتمع المدني إستنادا إلى تتبع مسارات السلوك الايجابي الرصين وهدفه حل الخلافات الجيوسياسية او الايدولوجية وغيرها الامر الذي يسهم بتخفيف حدة الصراعات الستراتيجية كلما أمكن ذلك. لاشك أن الدبلوماسية الثقافية للعراق ومن منطلق تعددية المشهد المجتمعي الجميل يفترض أن تقر بمدى أهمية بناء منظومة او شبكة متينة للعلاقات الثقافية ذات الطابع الانساني خاصة وإن للعراق باع حضاري متميز عالميا كونه مركز حضاري متقدم في عصور الازدهار وليس في عصور التخلف. من هنا أهمية رسم صورة واضحة شاملة من الابعاد الثقافية لعلاقات يفترض أن تكون مستدامة للتعاون الاجتماعي –السياسي والاقتصادي والبيئي تنمية للمصالح الوطنية الحيوية للعراق من جهة ولعلاقته مع شركائه الاقليميين والدوليين من جهة أخرى. لعل من المناسب الاشارة إلى 3 جهات فاعلة بإمكانها إدارة البلاد وفقا للحكم الرشيد او الراشد: اولا: القطاع العام، القطاع الخاص وأخيرا منظمات المجتمع المدني.

عقب الاستقلال السياسي للدول ومنها العراق ركزت الحكومات الناشئة في سياستها الخارجية" المعلنة "على أهمية أستقلالية الدور السياسي- الدبلوماسي لبلادنا في ظل ما عرف من سياسات – تنموية ناشئة تمكن - إن طبقت فعليا - بلادنا من استعادة جزءا من آلقها الحضاري والاقتصادي والانساني بعيدا عن مظاهر وثقت في صحائف من تاريخ بلادنا تعقيدات، تحديات كبرى ووقائع وابعادا سلبية من" عصور ظلامية " اتسمت بمظاهر من حالات للقمع وللاستبداد وللتطرف وغيرها. علما بأن العراق قد تمكن وهنا المفارقة في بعض المراحل الحضارية - التأريخية السابقة من أن يلعب دورا أستراتيجيا - ثقافيا وعلميا مستندا إلى قوة أمكاناته المادية والبشرية في ظل موقع جيوسياسي وظف لخدمة البلاد والعباد مستعينا بزخم آرث ثقافي - مادي أمده ما يقارب 7000 مليون عام حيث جسدت حضارة وادي الرافدين عطاءا لاينسى ولاينضب للحضارة الانسانية من إنجازات فكرية، علمية وتقنية.

إن الحوار بين الاديان والطوائف والاعراق مثلا يفترض ان يلعب دورا فاعلا ومستداما للارتقاء بفهم الآخر معرفيا وثقافيا مركزا حول قضايا الكون والحياة والانسان بعيدا عن سوء الفهم وحالات التعصب والتطرف التي تصادفها مختلف الاديان والطوائف والاعراق على مدار مراحل حياتها الصعبة. إن عدم المعرفة بالآخر او تجاهل ثقافته أو حضارته يضيف الكثير من سلبيات التعامل معه على أسس الند للند ووفقا لنهج علمي وعقلي ضميري مقبول في حدوده الدنيا. ما يعني ضخ المزيد من التصورات الخاطئة عن سياقات ومعطيات الفهم السليم للاخر خاصة إذا ما شبعت المشاعر النفسية - العاطفية بتصورات مضخمة بعيدة عن الواقع أو عن العقلانية مؤججة بدورها الشعور بإهمية الركون لنظرية المؤامرة التي إن صدقت بالمطلق فأنها ستؤدي للعجز عن مواجهة التحديات الصعبة ما يمنع او يعرقل بدوره عملية إنتقال البلاد من حالة متردية أو هشة إلى حالة افضل ما يسد الباب أمام إستعادة الثقة المتبادلة المرجوة بين الحكام والمحكومين.

لعل من المشاهد التي لاتفضي إلى نجاح تشكل او صياغة دبلوماسية ثقافية عربية او عراقية فاعلة ما يرجع إلى ظواهر وحالات متعددة من تسيد الجهل المقدس بصورة اوصلتنا للمزيد من التطرف بل وربما ايضا للاقصاء والعنف في معالجة الامور وهذا ما اوضحته كلمات أوليفييه روا في مؤلفه (الجهل المقدس - زمن دين بلا ثقافة) حيث اشار مثلا إلى ما يلي: " ففي عام 1926 منعت جامعة الازهر كتاب طه حسين، في الشعر الجاهلي، لإنه يطرح على وجه الدقة موضوع الاستقلال الدنيوي للغة العربية. " هذا ومن منظور مكمل عدت محاولات" بعض الكتاب العرب المسيحيين لتطوير لغة عربية ادبية وليست حرفية مريبة من طرف" السلطات الدينية المسلمة التي رفضت" تنصير الاسلام " - ما يعني في الواقع استخدام تعابير دينية لوصف ما ليس سوى أنتقال تلك اللغة إلى الدنيوي ". اما حالات المنع للنشر فقد تكررت هي الاخرى لاسباب ومبررات قد يعتبرها البعض مبررة وأخرين ليست كذلك ما يفضي في كل الاحوال للمزيد من التشدد الثقافي وحالات الاقصاء التي يؤدي بعضها لتشجيع مسار الغربة او للتغرب عن التفاعل مع الاخر. علما بإن الجهل والتطرف في تبني الاتجاهات الثقافية من مصادرها الاصلية قد يوصل ايضا عند الفشل لحوار غير مجد ومثمر ومن ثم إلى انتشار حالات من العنف والعنف المقابل خارج سلطة القانون او احيانا في ظلها. لست بوارد أن افصلهذا الموضوع الذي كتب عنه الكثير من الكتاب ولكني اود أن اشير بعجالة إلى انه وعقب ما حصل في السويد من قيام شخص وصف بالمعتوه او المريض نفسيا (حب الظهور) بعمليات حرق متكررة للقرآن الكريم علينا جميعا حكومات وشعوب وأفرادا أن نكثف جهودا جليلة لمحاربة الجهل والتطرف والارهاب بكل صوره واشكاله من خلال تبني منهجا واضحا وموقفا موحدا هدفه صياغة وبلورة دبلوماسية ثقافية رصينة من جهة ممتزجة باستخدام اساليب قانونية ودبلوماسية تستند إلى القانون الدولي ضد كل من يدنس تراثنا الديني وإرثه الثقافي. إن الاستنكار والوقفات الاحتجاجية الموسعة امرا لابد منه بشرط أن يتم وفقا لنصوص القانون الدولي - الدبلوماسي بعيدا عن استخدام الاساليب غير المشروعة من قبل البعض من المتطرفين والجهلة او الذين لايستندوا إلى معطيات الحكم الرشيد هدفهم اشعال الحرائق واشاعة الفتن للتستر على إخفاقات في المحيطين الداخلي والخارجي الامر الذي إن لم يتم إصلاحه وتغييره جذريا لايمكن إلى أن يصل ببلادنا إلى بر الامان مسألة سترتد سلبا على وضعنا في الداخل أي بعيدا عن ما يمكننا أن نجنيه من فوائد إستراتيجية للدبلوماسية الثقافية التي يفترض أن تجمع ولا تفرق وتنهض ولاتضعف امام مواجهة التحديات الكونية في مختلف مناح الحياة المادية والبشرية وفقا لبرنامج التنمية الدولية للامم المتحدة التي تنظر للعراق ومستقبله أن يحقق منجزات تأريخية حضارية جديدة تتمحور حول تنمية أنسانية مستدامة تتكيف مع عصر التقنيات الجديدة والسريعة الايقاع.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: حدثنا نور زهير!!

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

فشل المشروع الطائفي في العراق

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

 علي حسين إذا افترضا أن لا شيء في السياسة يحدث بالمصادفة، فإنه يفترض أن نوجه تحية كبيرة للذين يقفون وراء كوميديا نور زهير الساخرة ، فبعد أن خرج علينا صاحب سرقة القرن بكامل...
علي حسين

باليت المدى: الرجل الذي جعلني سعيداً

 ستار كاووش كل إبداع يحتاج الى شيء من الجنون، وحين يمتزج هذا الجنون ببعض الخيال فستكون النتيجة مذهلة. كما فعل الفنان جاي برونيه الذي أثبتَ ان الفن الجميل ينبع من روح الانسان، والابداع...
ستار كاووش

صحيفة بريطانية: قائد اركان الجيش الأمريكي يزور دولتين عربيتين لاقامة "تحالف" ضد ايران

متابعة/ المدى كشفت صحيفة تريبيون البريطانية، اليوم السبت، عن وصول قائد اركان الجيش الأمريكي الجرنال سي كي براون بزيارة غير معلنة الى الأردن لبحث إقامة "تحالف إقليمي" لحماية إسرائيل.  وذكرت الصحيفة، ان القائد الأمريكي...

كلاكيت: ألان ديلون منحه الطليان شهرته وأهملته هوليوود

 علاء المفرجي في منتصف السبعينيات شاهدت فيلمه (رجلان في مأزق) وهو الاسم التجاري له، في سينما النجوم في بغداد، وكان من إخراج خوسيه جيوفاني، ولا يمكن لي أن انسى المشهد الذي يوقظه فيه فجرا...
علاء المفرجي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram