د. حسين الهنداوي
(المدى) واكبتها منذ عددها الأول وكانت سباقة في إعلان ولادة أول صحيفة حرة بعد انتهاء عهد الدكتاتورية الأسوأ في التاريخ. غدت (المدى) سريعا صحيفتنا المفضلة لفهم واستقراء بوصلة الحلم العراقي المهدد بشكل مستديم من جهاته الأربع،
وأيضا لتعميق الانتماء بقرار مسبق ونهائي الى بلاد الرافدين كوطن وثقافة وفكر وكل شيء لا يتعارض مع الانتماء الإنساني الأعظم ويعلي مبادئ السلام والتعددية والمواطنة والتقدم والمدنية. صحيفة (المدى) حملت ذلك الوطن في عنقها كنبض وكمبتغى، وها هي في ذكرى صدورها العشرين تبدو ذاكرة بذاتها، ومصرة على ان تكون جديرة بذلك، رغم العقبات والعثرات ورغم المحن والانكسارات التي مرت بها البلاد. كما ظلت ذاكرة للحرية، وحرة مع سبق إصرار وصبر جميل. خلال عشرين سنة مضت من الكتابة فيها، لم يحصل ان حذفت (المدى) حرفا واحدا من مقالاتي التي نشرتها طيلة ذلك الوقت، وغالبا كانت سجالية المضامين، الى حد لم أعد أراجع إثره أي نص تنشره واثقا من أمانة (المدى) على حرية كتّابها في التعبير، ومن نباهة قرائها، المميزين في الحالتين.
وجه آخر من أصالة (المدى) عبرت عنه ملاحقها الثمينة بدءا بـ"عراقيون" الذي احتفظ بأعداده مرتبة حسبما يسمح الزمان والمكان، والتي كونت ما يشبه الموسوعة الموسعة لشخصيات وطن يواصل التوهج بهم، مستنيرا ومنيرا، وهو يجتاز مسالك وازمنة عصيبة تتراكم دون كلل او ملل.
في صفحات الثقافة والفكر أيضا تميزت (المدى) وامتازت بالاحتفاء بالنصوص الثرية والجميلة لكتاب وفنانين من كل الداخل وكل الشتات بتكامل وتفاعل رائعين دون معايير مفاضلة او انحياز سوى أولوية الأبدع والاجمل، وهو ما تشهد عليه أيضا نوعية تغطياتها لفعاليات "بيت المدى" التي اتسعت محاور ندواتها لكل مجالات الابداع التقدمي والتنويري وشخصياته ورموزه، بغض النظر على اللغات والتاريخ والجغرافيا مساهمة هكذا في صنع ثقافة منفتحة ومتفتحة، ثقافة وطنية عالمية في آن، مثلت بذاتها سدا بوجه الشراذم الإرهابية والظلامية كما عبرت عن تطلعات أجيال العراق الجديدة للتقدم والحرية وامتلاك وطن.
تهنئة حارة لصحيفتنا (المدى) في عيدها العشرين وتمنيات لها بمزيد من النجاح والازدهار، وتحية اعتزاز لكل محرريها وكتابها وادارتها والعاملين فيها، وأيضا لاصرارهم الثابت على ان تظل (المدى) فضاء رحبا ونقيا لمبدعي العراق ومثقفيه الاحرار دون استثناء.