TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > ألمانيا تدمر أوروبا بسياستها المتعلقة بالطاقة

ألمانيا تدمر أوروبا بسياستها المتعلقة بالطاقة

نشر في: 16 أغسطس, 2023: 11:46 م

أولاف شولز *

ترجمة: المدى

قبل خمسين عامًا، بدأ الاتحاد الأوروبي وكأنه فكرة ممتازة.،ومع العقود الماضية، وعلى وجه الخصوص، السنوات الخمس الماضية، سرعان ما تحولت الفكرة إلى كابوس وصار كل شيء يحدث هناك كما لو أن البناء الأوروبي قد تم تصميمه لتدمير فرنسا ثم، ألمانيا، الآن.

وبالنسبة لجميع سرقات البنية الفوقية للدولة الأوروبية، ليس هناك شك في أن الصحوة ستكون أطول لأنها ستكون وحشية ومؤلمة. وبالنسبة للآخرين، لم يعد للشك أي مكان، خاصة أنه في الأشهر الأخيرة، بدأت المعلومات التي لم يكن يمتلكها سوى المطلعين حتى ذلك الحين تتسرب بكثرة.

وهذه هي الطريقة التي اكتشفنا بها مؤخرًا أن دومينيك فوينيت، وزيرة البيئة في ذلك الوقت في حكومة جوسبان بين عامي 1997 و 2001، كانت ستطلق النار بضمير حي على الصناعة النووية الفرنسية، بما يضمن عدم إعفاء الأخيرة من العقوبات الضريبية التي تؤثر على النفط والفحم والغاز.

ويمكن للمرء أن يعتقد بشكل ساذج أن تصرف فوينيت ضد الصناعة النووية الفرنسية كان فقط نتيجة لخطأ شخص أو سوء فهم للقضايا. ولكن ليس هذا هو الحال، ففي الواقع، إنه ليس خطأ تكتيكياً أو استراتيجياً أو أيديولوجياً، ولكنه في الواقع جزء من مشروع طويل الأجل يهدف إلى إضعاف فرنسا منذ نهاية عام 1990.

لقد كان هدف الألمان هو التقليل، ثم إلغاء الميزة التنافسية للفرنسيين من حيث الطاقة الكهربائية. وكان الضغط مستمرا للجمعيات البيئية بشكل أو بآخر، وبشكل منهجي ضد الطاقة النووية قبل وقت طويل من الطاقات الأخرى (ولا سيما الغاز - عملاق الغاز الروسي، غازبروم، الذي يقلق علماء البيئة الألمان)، وتسلل جماعات الضغط الألمانية في أعلى مستوى من المؤسسات الفرنسية، وإنشاء سوق للكهرباء غير موات بشكل كبير للمشغلين الفرنسيين، وفرض أسعار الكهرباء بشكل تعسفي لصالح الطاقات البديلة المتقطعة وغير القابلة للسيطرة عليها، وللحصول على قدر كبير من المال العام في جيوب المروجين من القطاع الخاص الذين هم من أصدقاء السياسيين المتميزين، كان كل شيء سيساعد في السنوات الأخيرة على ضمان الصعوبات المتزايدة للطاقة النووية الفرنسية.

وبالنسبة إلى فابيان بوغل، الخبير في سياسة الطاقة، تريد برلين "إضعاف الطاقة النووية الفرنسية" لتفضيل اختيارها للوقود الأحفوري في إنتاج الكهرباء. وهذا ينطوي على تمويل جماعات الضغط على الأراضي الفرنسية.

لسوء الحظ، إذا كان الهدف يبدو أنه قد تم تحقيقه بالنسبة للألمان، فإن حدوث الصراع الروسي الأوكراني قد غيّر الوضع بشكل عميق، لا سيما أنه اقترن بخيارات جيوسياسية محفوفة بالمخاطر بشكل متزايد من قبل المؤسسات الأوروبية وبتشجيع أمريكي لرؤية أوروبا تطلق النار على نفسها، فإن العقوبات الاقتصادية، ثم تخريب نورد ستريم وهو خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من مدينة فيبورغ في روسيا إلى مدينة غرايفسفالد في ألمانيا ستؤدي إلى تعديل دائم لصفقة الطاقة الألمانية التي تجد صناعتها نفسها الآن في وضع متوتر.

وليس من المستغرب أن المحرك الصناعي الأوروبي، الألماني بشكل أساسي، بدأ في التعطل، اذا ماعلمنا أن قدرة ألمانيا على جذب الاستثمار التجاري عانت من انخفاض مقلق في العام الماضي، عندما جاء أكثر من 135 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر منه، وأن 10.5 مليار يورو فقط تم تسجيلها هناك. ومع الارتفاع الشديد في تكاليف الطاقة، اختارت الصناعات الكيماوية والمعدنية كثيفة الاستهلاك للطاقة وأعمدة الاقتصاد الألماني نقل مصانعها إلى الخارج.

النتائج اذن ليست مشجعة حقًا، ونحن نفهم أنه إذا استمر الوضع، فقد يتعرض الاقتصاد الألماني لفوضى لا تُنسى. وما كان يمكن أن يكون مجرد لحظة سيئة صغيرة، أو ركود تقني بحت، فهو في طريقه إلى التحول إلى انعكاس جوهري للوضع الاقتصادي الذي يمكن أن يأخذ أوروبا بأكملها معه.

ويعد هذا التراجع عن التصنيع الألماني، الذي لا تستطيع إيطاليا أو فرنسا تعويضه (حيث يتخبط البلدان حاليًا في مشاكلهما الاقتصادية المتزايدة الخطورة)، يؤدي إلى ظواهر جديدة عبر نهر الراين، وعلى سبيل المثال بداية هجرة العمال الألمان إلى الخارج.

ومن وجهة نظر البناء الأوروبي، يبدو أكثر فأكثر وكأنه فشل مرير. ومن ناحية أخرى، من وجهة نظر الأمريكيين، فإنه يؤكد الاتجاه السائد بالفعل منذ مطلع القرن، فما بين الحرب في أوكرانيا والصعوبات الاقتصادية الرئيسية الحالية في القارة القديمة، فإن أوروبا المنقسمة هي تجارة مربحة. فبالنسبة للولايات المتحدة، فالولايات التي استمر مستوى معيشتها في الارتفاع على مدار العشرين عامًا الماضية، على عكس مستوى المعيشة الأوروبي الذي شهد ركودًا عالميًا (في أفضل الأحوال)، أو حتى انخفض (في بعض البلدان، ولا سيما في إيطاليا) لدرجة أن أفقر 20٪ من الأمريكيين هم في المتوسط أكثر ثراءً من معظم الدول الأوروبية، كما أشار بالفعل مقال نشرته مؤسسة FEE عام 2019 ولم يتم إنكاره حتى يومنا هذا. وبالتالي، يتمتع الفقراء الذين يعيشون في الولايات المتحدة بإمكانية الوصول إلى موارد مادية أكثر من متوسط معظم الدول الأغنى في العالم.. .

ويبدو ان نتائج السنوات القليلة الماضية واضحة بفعل الضغط، واللعب على سذاجة الفرنسيين الذين اعتقدوا أنهم يعقدون اتفاقية فرنسية ألمانية رومانسية إلى حد ما، بينما أطلقت ألمانيا النار على الصناعة الفرنسية بشكل دائم. ومثلما كانت على وشك تأكيد هيمنتها على القارة بأكملها، أدت الحرب في أوكرانيا والقرارات الأوروبية التي اتخذت في أعقاب ذلك إلى إسقاط الصناعة الألمانية.

· سياسي الماني ومستشار في حكومة المانيا عام 2021

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: حدثنا نور زهير!!

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

فشل المشروع الطائفي في العراق

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

 علي حسين إذا افترضا أن لا شيء في السياسة يحدث بالمصادفة، فإنه يفترض أن نوجه تحية كبيرة للذين يقفون وراء كوميديا نور زهير الساخرة ، فبعد أن خرج علينا صاحب سرقة القرن بكامل...
علي حسين

باليت المدى: الرجل الذي جعلني سعيداً

 ستار كاووش كل إبداع يحتاج الى شيء من الجنون، وحين يمتزج هذا الجنون ببعض الخيال فستكون النتيجة مذهلة. كما فعل الفنان جاي برونيه الذي أثبتَ ان الفن الجميل ينبع من روح الانسان، والابداع...
ستار كاووش

صحيفة بريطانية: قائد اركان الجيش الأمريكي يزور دولتين عربيتين لاقامة "تحالف" ضد ايران

متابعة/ المدى كشفت صحيفة تريبيون البريطانية، اليوم السبت، عن وصول قائد اركان الجيش الأمريكي الجرنال سي كي براون بزيارة غير معلنة الى الأردن لبحث إقامة "تحالف إقليمي" لحماية إسرائيل.  وذكرت الصحيفة، ان القائد الأمريكي...

كلاكيت: ألان ديلون منحه الطليان شهرته وأهملته هوليوود

 علاء المفرجي في منتصف السبعينيات شاهدت فيلمه (رجلان في مأزق) وهو الاسم التجاري له، في سينما النجوم في بغداد، وكان من إخراج خوسيه جيوفاني، ولا يمكن لي أن انسى المشهد الذي يوقظه فيه فجرا...
علاء المفرجي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram