TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > وهم التغيير والحاملة الأمريكية

وهم التغيير والحاملة الأمريكية

نشر في: 19 أغسطس, 2023: 10:53 م

محمد حميد رشيد

ما أن أعلنت واشنطن قبل اسبوعين إرسال حاملة الطائرات ترافقها بعض السفن الحربية وبعض الجنود إلى المنطقة حتى إنطلق خيال اليائسين من التغيير وبدئوا بالعد التنازلي وأستذكروا نبوءة فائق الشيخ علي وآخرين بأن النظام الحالي في العراق زائل وأن كل شيء سيتغيير وأن الفاسدين راحليين لا محالة وأن امريكا بدأت بالإجراءات العملية لذلك رغم أن هذه (التحركات) ليست الأولى ففي 10/4/2018 و 6/5/2019 و18/9/2020 و4/4/2022 أعلنت واشنطن في كل هذه التواريخ إرسال حاملة الطائرات والسفن والجنود إلى المنطقة.

لكن هذه (الضغوط) والجيوش والإستحضارات ضد من بالتحديد؟ هل هي لإسقاط نظام حكم آيل للسقوط أصلاً وهو يقف بدعم وقوة المليشيات والدولة العميقة وكل يوماً يزداد عزلة عن الشعب ويفقد جزء من مناصريه بعد أن فقد مصداقيته وتغلغل بالفساد المعلن والمخفي حتى الورقة الطائفية سقطت وبانت عورته لأتباعه وبقت محصورة بمواسم وأماكن محدودة جداً وستنقلب عليه في المرحلة القادمة بعد أن اصبحوا فعلاً أعداء الحسين وثورته ضد الظلم، ولم يتبق من ورقته الطائفية التي يحتمي بها سوى نعرة التعصب الطائفي الأعمى والجراح والثارات والعقد التاريخية التي تهدد الوجدة الوطنية!. أم هي جزء من الصراع السياسي الأمريكي الإيراني؟ ولا شأن مباشر للعراق فيه إلا بالقدر الذي يخرج عن الضوابط الأمريكية في حصارها الإقتصادي على إيران فإذا إنصاع ورضخ كان بمأمن ليس من الحرب بل من (العقوبات) الأمريكية على العراق!.

ولكن إيران لن تدخل في حرب مع أمريكا وهي التي تسعى للحصول على وكالة حصرية من أمريكيا في تأمين (الخليج العربي)! وامريكا هي الأخرى لن تدخل في حرب حقيقية مع إيران نيابة عن الأنظمة العربية وأقصى وأقسى ما يمكن توقعه هو (الحرب عن بعد) وممارسة الضغط السياسي والإقتصادي على إيران لتقليص الدور الإيراني في المنطقة (العراق وسوريا ولبنان واليمن والخليج العربي بصفة عامة) وكذلك تقليص وتقنين النشاط النووي الإيراني (الذي خطره على إيران وأتباعها أكثر من خطره على اعداء إيرن) وهو ورقة ضغط وتفاوض بالدرجة الأولى وهي على أستعداد تام لمقايضته كذلك الورقة اليمنية (الحوثيون الزيديون هم على نقيض الأثنى عشرية).

فكل ما يجري هو رسائل إلى إيران أولاً وإلى الشعب الإيراني والشعب العراقي وجرعة تخدير إلى النظمة العربية!

وما يهمنا هنا ما الذي يمكننا توقعه بالنسبة للشأن العراقي؟

لا زالت أمريكيا تعتبر نفسها صانعة التجربة (الديمقراطية) في العراق وبالتالي هي لن تتنازل عن انظام العراقي بسهولة وتسلمه إلى إيران لذا ستستمر بإعلان وصايتها على العراق وإن إعدائها بالدرجة الأولى الذين يعلنون ولائهم لإيران ويساهمون في تقويض النظام وحماية الفساد وقيادته والذي سيتكفل بإنهيار التظام وفشل التجربة الأمريكية في العراق لذا كانت الدعوة اللأمريكية للوفد العسكري الكبير إلى أمريكيا والذي ضم رئيس جهاز مكافحة الإرهاب الفريق الأول الركن عبد الوهاب الساعدي، ورئيس أركان الجيش الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يار الله، والفريق الأول الركن قيس المحمداوي نائب قائد العمليات المشتركة وعددا من المستشارين والضبابرئاسة وزير الدفاع ثابت العباسي. (في إطار الإتفاق على تحديد ملامح المرحلة المقبلة والتعاون الامني المشترك) وإعادة ترسيم الوجود الأمريكي في الشرق الاوسط إذ يعتبر العراق بجغرافيته المهمة أحد أهم نقاط انطلاقها بدعوة رسمية من نائبة مساعد وزير الدفاع الامريكي والتي أعربت بصراحة عن (أملها بأن لايكون لإيران أي صوت أوتأثير على صانعي القرار في "المنطقة" ككل) وفي المقابل حمل الوفد رسالة بأن الحكومة عازمة على "كبح" جماح الفصائل ولعل هذا كافي بالنسبة للأمريكان في هذه المرحلة. وهذا الإجتماع الخطير الذي ضم أهم القيادات العسكرية في العراق وبرئاسة وزير الدفاع ثابت العباسي والذي خلص إلى توحيد الموقف الأمريكي والحكومة العراقية على محاربة الإرهاب وإن أي إعتداء على أي طرف إعتداء على الآخر وسيواجه بقوة وحزم ونذكر بأن وزير الدفاع لويد أوستن والذي قام بجولة شرق أوسطية لتطمين حلفاء وأصدقاء واشنطن l 6(مارس 2023) وفي زيارته الى العراق أكد على الشراكة الاستراتيجية" بين الولايات المتحدة والعراق. وكتب أوستن على تويتر لدى هبوطه في بغداد "أنا هنا لأُعيد تأكيد الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق بينما نمضي قدماً نحو عراق أكثر أمنًا واستقرارًا وسيادة". والذي سبق أن أكد للكونجرس بقاء القوات الأمريكية في العراق، ونذكر أيضاً بأن السيد رئيس الوزراء العراقي لم يزر واشنطن خلال فترة رئاسته ولكن الآن أصبحت الزيارة متاحة له وهذه هي العلاقة المستقبلية بين واشنطن وبغداد لا وجود لإسقاط النظام السياسي في العراق بل دعمه وتقويته خصوصاً الجيش العراقي ودعم الحكومة الرسمية مقابل كبح الفصائل والولائيين وتقليص القوى والسلطات الخفية في العراق لكن السؤال المفيد إلى أي مدى يمكن أن ينجح هذا الاتفاق الأمني العراقي الأمريكي ومدى التزام الطرفين به وماذا يحدث لو أن الطرف العراقي فشل في تنفيذه؟!

وفي المقابل ما هو التأثير الإيراني والجهات الولائية لإيران وما هو موقفهم من هذا الإتفاق وهل سيسمحوا بتطبيقه بصورة جدية؟ !

والبوم (16/8/2023) التقت السفيرة الامريكية في العراق (رئيس مجلس القضاء الأعلى) وبحثت معه التعاون القضائي بين الجانبين ليستكمل بهذا المشهد السياسي في العراق كما وسبق لها أن التقت رئيس الوزراء الحالي حال عودتها من واشنطن.

ويبقى السؤال الأخير والأهم إذا إقتنعنا بأن أمريكيا غير مهتمة بالتغيير الجوهري في العراق وهي حريصة على دعم النظام وبقائه هل هذا يعني الا تغيير وبقاء حكومات الفساد والإرهاب والظلم وتغلغل الدولة العميقة فيه؟!

لن يكون هناك أي تغيير عبر التدخل الأمريكي (المباشر) في العراق لأن ذلك ليس من مهام الأمريكان وليس لديهم أي رغبة فيه ولكن التغيير الواقعي والحقيقي لن يكون إلا عبر الإرادة الوطنية العراقية وعبر طريقان الأول من خلال توحيد الموقف الوطني الشعبي في خيار واحد والمشاركة القوية في الإنتخابات (80% من الشعب العراقي لم يشارك في الإنتخابات) على أن يضمن قيام إنتخابات نزيهة وعادلة وبأشراف ورعاية ومشاركة أممية مباشرة (والتي ترفضها أغلب الأحزاب الحالية كونهم مزورين ممارسين وخبراء في التزوير والفساد ويعولون في ديمقراطيتهم على التزوير و وضع أنظمة إنتخابية تناسبهم وتتصرف بالنتائج وفق ما يروق لهم) وهو طريق لا يخلوا من صعوبات وتعقيدات مخاطر ولابد من الدعم الدولي المباشر وحتى الدعم الأمريكي والعمل الجدي القوي على صياغة نظام إنتخابي حقيقي وإختيار نظام القائمة المفتوحة والدوائر المتعددة التي "تقلص" من تغول الأحزاب الكبيرة على الإنتخابات ولابد من ضغط جماهيري كبير لضمان ذلك بشتى السبل المتاحة.

وإذا فشل هذا الطريق وحوصر وزيفت الإرادة الوطنية للعراقيين فما أمام الشعب العراقي إلا فرض الشرعية الثورية وفرض الإرادة الوطنية المتمثلة بأغلبية الشعب العراقي ضد الفساد والتجاوز على القوانين بإنتفاضة شعبية لا تتوقف إلا بعد إزاحة الفاسدين وإعتقالهم ومحاكمتهم على ما إقترفوه من جرائم وسرقات وفساد وفشل دون خوف أو وجل ودون أن يردعهم القانون. ليس أمام الشعب العرقي إلا فرض التغيير بالقوة إذا ما فشلت الديمقراطية بإصلاح الأوضاع وإختيار الأفضل والأنزه وستجد عند ذاك التأييد والمعونة من الجيش العراقي والقوى الأمنية والقضائية وستحضى بالتأييد والدعم الأممي والدولي والمحيطي طالما كانت تعبر عن الرغبة والإرادة الوطنية لأغلبية الشعب العراقي. وبهذا يحصل التغيير في الساحة السياسية العراقية التي سيطر عليها البغاة الفاسدون ولن يأتي التغيير على أيدي خارجية لا هم لها غير مصلحتها وفرض مشاريعها الفاسدة الفاشلة التغيير يبداء من الداخل وبأرادة الشعب العراقي وإجماعه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Anonymous

    مقال رائع فيه قراءة استراتيجية دقيقة تستند إلى معطيات ومؤشرات صحيحة...إنا اتفق معك في هذا التحليل الرائع...

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: حدثنا نور زهير!!

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

فشل المشروع الطائفي في العراق

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

 علي حسين إذا افترضا أن لا شيء في السياسة يحدث بالمصادفة، فإنه يفترض أن نوجه تحية كبيرة للذين يقفون وراء كوميديا نور زهير الساخرة ، فبعد أن خرج علينا صاحب سرقة القرن بكامل...
علي حسين

باليت المدى: الرجل الذي جعلني سعيداً

 ستار كاووش كل إبداع يحتاج الى شيء من الجنون، وحين يمتزج هذا الجنون ببعض الخيال فستكون النتيجة مذهلة. كما فعل الفنان جاي برونيه الذي أثبتَ ان الفن الجميل ينبع من روح الانسان، والابداع...
ستار كاووش

صحيفة بريطانية: قائد اركان الجيش الأمريكي يزور دولتين عربيتين لاقامة "تحالف" ضد ايران

متابعة/ المدى كشفت صحيفة تريبيون البريطانية، اليوم السبت، عن وصول قائد اركان الجيش الأمريكي الجرنال سي كي براون بزيارة غير معلنة الى الأردن لبحث إقامة "تحالف إقليمي" لحماية إسرائيل.  وذكرت الصحيفة، ان القائد الأمريكي...

كلاكيت: ألان ديلون منحه الطليان شهرته وأهملته هوليوود

 علاء المفرجي في منتصف السبعينيات شاهدت فيلمه (رجلان في مأزق) وهو الاسم التجاري له، في سينما النجوم في بغداد، وكان من إخراج خوسيه جيوفاني، ولا يمكن لي أن انسى المشهد الذي يوقظه فيه فجرا...
علاء المفرجي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram