TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > تطبيع الحسابات الختامية

تطبيع الحسابات الختامية

نشر في: 23 أغسطس, 2023: 09:16 م

ثامر الهيمص

المثل العراقي المعروف, تعبيرا عن الخسارة, الذي يقول: ضاع الخيط والعصفور. فبتحييد أو تجميد او ترويض او تدوير الحسابات الختامية, اول خسارتنا اجاملا هو ان الطابع المؤسساتي الذي كان هو خيط العصفور,

الذي هنا هو الحسابات الختامية’ التي كانت تلجم بلجامها كل المحاولات المبيتة او التفاف او عن سذاجة وتهور او قلة كفاءة, تحت ذريعة ضغط ظرف قاهر او طارئ او عادي’ فعصفور الادارة التنفيذية يبقى كخيط يرتبط مباشرة بديوان الرقابة المالية, على الاقل منذ تأسيس الدولة العراقية’ بحيث كان لها مرجعياتها المحترمة لحد الان من وزير المالية ساسون حسقيل’ وهكذا اقتدى به وزراء المالية تباعا ومدراء الحسابات العامه وابرزهم كما اظن استاذنا حنا ارزوقي في اواسط ستينيات القرن المنصرم وصولا للاستاذ عبد الباسط تركي الذائد عن هذه المؤسسة واخر فرسان الرقابة المالية, مرورا بعبد العال الصكبان وباقي الذين كانوا جنودا مجهولين من حراس الخيط والعصفور’ كمراجع ترفع لهم القبعة بغض النظر عن هوياتهم الفرعية او الانتماء السياسي لكل منهم. وكان اخر اكتشاف لاحد فروعهم بالصدفة هو سرقة القرن. (المدى / 13/ اب /2023), وهذا يحسب للرقابة المالية رغم تطبيعها.

الان وحسب ما معلوم ان المادة 62 اولا من الدستور’ حيث تنص هذه المادة: على ان يقدم رئيس مجلس الوزراء مشروع الموازنة والحساب الختامي الى مجلس الوزراء لاقراره. علما ان (كل الموازنات التي تم تقديمها وتشريعها لم تقدم مع حسابات ختامية’ بل هناك سنوات مرت على العراق من 14 20و 2022 لم يتم اعداد موازنة فيهما وانما تم وفق 1/12من مصروفات السنة السايقة, وهذه ذروة الفساد الذي يسنح للمتنفذين بصرف الاموال بغير مجالاتها وعملية صرفها بشكل غير مشروع, والامر الان امام المحكمة الاتحادية لان نص المادة 62 اولا غير قابل للتأويل. (طريق الشعب ليوم 6/8/2023).

بضياع او ترويض او تفكيك مؤسسة الرقابة المالية من خلال منتجها الحسابات الختامي, لا بد من اعادة الامور لنصابها بحلة جديدة عندما تكون الحكومة الالكترونية سيدة الموقف وفي ظلالها تزدهر المأسسه التي تذود عنها هيئة الرقابة المالية او ديوان الرقابة المالية بفروعها وادراتها الموقعية. ولكن اعداء الحكومة الالكترونية جاهزون لتدميرها. وهكذا ينبغي الاسراع باعادة الرقابة المالية بعدتها الجديدة الحوكمة الالكترونية باسرع من اي برنامج انتخابي في الموسم او بعده بقليل, لكي تكون لدينا سنة اساس نبني عليها بعد تصفية وغربلة السنين الخوالي بكل ما علاها من تزييف ونهب منظم ممنهج موازي تماما لكي عمليات الصرف والامانات.

لقد لمسنا غياب الرقابة المالية من خلال تدهور الصناعة والزراعة التي اصبح اغلب منتسبيهما يعد اياما ويقبض راتبا بسيطا خال من دسم المخصصات كمخصصات النفط والكهرباء وباقي الوزرات الدسمة التي يحددها مزاد المناصب بأسم التوازن والتحاصص, والتحق بهما مجمل القطاع العام في الاسكان والعمل التجاري للقطاع العام. فقد ضاع خيط وعصفور القطاعات الثلاثة التجاري الحكومي والزراعة والصناعة بجدواهما الاقتصادية التقليدية, ولا القطاع الخاص دجنهما وطنيا بل انصرف اغلبه نحو الاستيراد الذي دمر الثلاثة, وبتعاضد المرض الهولندي الذي استشرى بعد فتح الحدود كدولة ليبرالية, بموجب اتفاقات نادي باريس وعرابهم صندوق النقد الدولي’ الذي يتدخل من خلال قروضه واوراق ضغط معينة ولكنه يغض الطرف عن المأسسة كمنهج لا يختلف عليها كعقلانية’ ليواكب موازناتنا العرجاء التي قد تحسب عليه تدخلا في الشؤون الداخلية, لتصبح الموازنة غير دستورية بموجب الدستور, ولكن لا يسمح بخفض اسعار المشتقات النفطية مثلا.

فغياب الحسابات الختامية كانت سببا اساسيا حاسما في تغطية (الفساد الاكبر) في الكهرباء الوطنية مثلا’ في حين نافستها كخيار اوحد المولدة الاهلية ليلعب الاثنين دورا تكامليا’ لانتاج طاقة بائسة بحيث عمليا تقود عمليات التدمير الممنهج للصناعة والزراعة بكلفتها العالية والشحيحة لتصبح قاطرة تقطر كل تخلفنا في الاداء التنموي وحتى الاخلاقي بنشر الفساد على كل الاصعدة الاقتصادية باعتبارها النشاط الذي تتوقف عليه كافة الادارات وقاسما وطنيا موحدا للادارة والسياسة والاقتصاد عابرة لحدود الهويات الفرعية وما ترتب على ذلك. فلو كانت حسابات سنوية ختامية’ لما تمادى فاسدوها اي الكهرباء كونهم محصورين بين الرقابة والتدقيق الداخلي وممثلية الرقابة المالية التي تعيد اصطفاف البنود والمواد والفقرات والفصول كي تحميها من المناقلات’ وفق قانون الموازنة ووفق التخطيط المركزي توقيتا وصرفا ونتائج, لتذهب حصة الكهرباء من الموازنة المقترحة للعام القادم خالية من الدسم ولها من يذود عنها عند الوضع والتصويت,. ليصمت الجميع الا في الموسم الانتخابي كورقة انتخابية لتردم كل الفضائح بالتخادم.

وهكذا أحيلت وزرات الصناعة والزراعة والاسكان على التقاعد والتفرغ واجازات الخمس سنوات’ او اشبه برعاية اجتماعية وربما اقرب الى دائرة لاموال القاصرين, وقيمومية وزارة المالية قائمة في الافق المنظور, وعيوننا تشخص لوزارة التخطيط ووزيرها نائب لرئيس الوزراء’ لمأسسة الوزارات اليتيمة الثلاث لتحريرها من هيمنة المالية التي هي ملت من رعايتهم وباتوا مجرد عبئ, اذ لا تجد مسوغا لتغييب هذه الانشطة الثلاثة وجاهزيتها بخبراتها المعروفة في التاريخ العراقي القريب, اذ باتت عمالتها مجرد عائق للشراكة بين القطاعين العام والخاص ومعرقلا للاستثمار المحلي والدولي, حيث يتوجب ان يقلص عدد المنتسبين لاعتبارات الجدوى الاقتصادية للمستثمر. بعدها بمكن ان نرى الامور اوضح بعد حدل الارضيات بردم الثغرات التاريخية في جدول العدالة بموجب قانون الخدمة المدنية بدون استثناءات طالما كانت ولا زالت على الاقل مؤجلا او مجمدا في رفوف الجهات الفاعلة التي تحرك القرار وتفرضه , عندها يمكن تفعيل هيمنة ديوان الرقابة المالية في انشطتها ومأسستها وفق الدستور لكي يكون المناخ العام ملاءما للعدالة التي تحسم جدول الحسد لما تثيره الامتيازات الاستثنائية وحواشيها من الطامحين للدرجات الخاصة والذين هم شباب كل امنيته ان يكون درجة خاصة وباي ثمن. نعم هذه ثمار الدولة النفطية, ولكننا(زودناها حبتين). فأن الدولة النفطية تجنح في تطورها جنوحا يشوه مؤسساتها, ويضعف قدرة هذه المؤسسات. وان التساوم الاولي بين شركات النفط الحريصة على ضمان مصادر جديدة من النفط الخام, وبين الحكام المحليين التواقين الى ترسيخ القواعد المؤبدة لهم يخلف ورائه – مهما كانت الفوائد المتبادلة عند الطرفين – ارثا مريرا من المركزة الشديدة للسلطة السياسية, وشبكات التواطئ بين موظفي القطاع العام واصحاب القطاع الخاص, واختلال التنمية باعتمادها الاحادي على المعادن, واعتماد التنمية على دعم الاسعار المصطنع بفضل ريوع النفط, والغاء الايرادات الحكومية المستمدة من الضرائب المحلية وغيرها من الموارد المحلية, وبحلول الدولارات النفطيية محلها. الواقع ان هذه التحولات وسواها تعتبر اطارات (سياقات) صنع القرار على نحو يحفز ويرسخ التحولات السلبية الاولية, المذكورة اعلاه, بحيث تتولد عن ذلك حلقة مفرغة من نتائج التنمية السلبية. (تيري لين كارل / مخاطر الدولة النفطية /ص11/ 2007/ ط اولى).

بتحييد اي تهميش وشل الحسابات الختامية يترتب على ذلك او نجم فعلا ماكان وراء كل العورات المالية والادارية والاقتصادية, وهي:

(اولا) ان الموازنة غير دستورية ما دامت لا تمتثل للمادة 62 اولا من الدستور. وهذا يعني كل ماترتب من تنفيذ صالحا او طالحا, وهذه(سنة)لم يسبق لاي دولة ديمقراطية المنهج بموجب دستورها. سيما ان الموازنة الثلاثية تزعم انها اوسع افقا من حيث التخطيط.

(ثانيا) ترتب العجز المالي من تسرب الاموال غالبا لاسباب كان ولا يزال, والبالغ الثلث تقريبا من اجمالي الموازنة’ والادهى ان الدين الخارجي اغلبه من المجموعة الغربية’ المتخادمة مع صندوق النقد الدولي, وهذا الدين له حصة الاسد في اولويات التسديد وتكيف الاداء الحكومي بما يخدم الدين الذي بذمة الحكومة كعجز يستحسن ان يكون دائم لتعاظمه كما ونوعا’ اذ الدين الداخلي شروطه متهاونة, ولا علاقة له بنصائح العراب صندوق النقد الدولي.

(ثالثا) بغياب الحسابات الختامية توسعت الثغرة التي ينفذ منها الفساد ونتائجه المتعاظمه ماليا ونقديا, ونموذج الكهرباء الوطنية شاخصا يتحدى, اذ دخل الفساد من كل ثغرة حسابية ليهيمن على مجمل النظام الحسابي بل الغاة’ بذريعة الاضطرار, رغم انه عطل المنتج الوطني ودمر الميزان التجاري بصادراته ووارداته كما نلمسه جهارا نهارا من خلال ثغرات المنافذ الحدودية ثلاثية او ثنائية الابعاد عموما وثغرات سوق العملة وفلتان اجازات الاستيراد الاستهلاكي. رغم اهمية وخطورة الكهرباء على المجتمع والاقتصاد’ لتصبح قدوة بائسة لبقية القطاع العام والقطاع الخاص, عدى المحور النقدي بتقلباته و حوار طرشان الدولار, كما وصفها البنك المركزي مؤخرا انها معركة. اي صنعتها الاليات المستخدمة في العمل النقدي لتتغول متحدية المصدر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: حدثنا نور زهير!!

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

فشل المشروع الطائفي في العراق

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

 علي حسين إذا افترضا أن لا شيء في السياسة يحدث بالمصادفة، فإنه يفترض أن نوجه تحية كبيرة للذين يقفون وراء كوميديا نور زهير الساخرة ، فبعد أن خرج علينا صاحب سرقة القرن بكامل...
علي حسين

باليت المدى: الرجل الذي جعلني سعيداً

 ستار كاووش كل إبداع يحتاج الى شيء من الجنون، وحين يمتزج هذا الجنون ببعض الخيال فستكون النتيجة مذهلة. كما فعل الفنان جاي برونيه الذي أثبتَ ان الفن الجميل ينبع من روح الانسان، والابداع...
ستار كاووش

صحيفة بريطانية: قائد اركان الجيش الأمريكي يزور دولتين عربيتين لاقامة "تحالف" ضد ايران

متابعة/ المدى كشفت صحيفة تريبيون البريطانية، اليوم السبت، عن وصول قائد اركان الجيش الأمريكي الجرنال سي كي براون بزيارة غير معلنة الى الأردن لبحث إقامة "تحالف إقليمي" لحماية إسرائيل.  وذكرت الصحيفة، ان القائد الأمريكي...

كلاكيت: ألان ديلون منحه الطليان شهرته وأهملته هوليوود

 علاء المفرجي في منتصف السبعينيات شاهدت فيلمه (رجلان في مأزق) وهو الاسم التجاري له، في سينما النجوم في بغداد، وكان من إخراج خوسيه جيوفاني، ولا يمكن لي أن انسى المشهد الذي يوقظه فيه فجرا...
علاء المفرجي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram