علاء المفرجي
عدد من المخرجين تناول السيرة الذاتية بأعمالهم، حتى أنهم تناولوا سيرتهم الذاتية في هذه الأفلام، ويق المخرج الروسي الكبير الكسندر سوكوروف في طليعة هؤلاء المخرجين.
لكن فيلم السيرة عند مخرج كبير مثل الكسندر سوكوروف يأخذ شكلا مغايرا ومستحدثا ‘ ذلك ان سوكوروف يتمثل سيرة الشخصية التي يتناولها بما ينسجم ورؤاه وموقفه من الشخصية والحدث الذي يقترن بها، ورباعيته تؤشر على نمط جديد في تناول سير الشخصيات. ولعل اسلو سوكوروف هذا هو ما منحه الموقع المتميز في السينما الروسية، بل وجعله أمينا على الإرث العظيم لتقاليدها.
السينما الروسية لم تقف عند منجزها العظيم من الأفلام التي أصبحت مادة للدراسة في الأكاديميات السينمائية في كل مكان من العالم، بل أيضا عن رموزها السينمائية التي كان لها أثر واضح في تطور هذا الفن على مدى أكثر من مئة عام من تاريخها.. وإذا كانت التحولات السياسية الكبرى منذ منتصف الثمانينات قد أثرت في الإنتاج الثر لهذه السينما فإنها لم تستطع أن تنال من حضورها البارز في المشهد السينمائي العالمي.
فهي لم تتوقف عند رموز مثل ايزنشتين وبودوفكين وكوزينتسيف وخوتسييف وميخائيل روم وتاركوفسكي وباراجانوف ويوسيلياني، وغيرهم، بل استمرت في تقديم المواهب السينمائية في مختلف مجالات هذا الفن، ويقف هنا المخرج الكسندر سوكوروف بموهبته وعطائه المتميز كأحد أهم النجوم الساطعة في سماء هذا الفن في روسيا والعالم.
فالمخرج الذي كانت أفلامه محظورة في الزمن السوفيتي، أدرجته أكاديمية السينما الأوروبية بوصفه أحد أفضل عشرة مخرجين سينمائيين في العالم. وتعد رباعيته التي أنجزها تباعا خلال العقد الأخير من مسيرته السينمائية علامة بارزة في مسيرة الفن السابع والتي تتحدث عن انتهاء عصر الدكتاتوريات في العالم. والتي تتألف من فيلم "مولوخ" حول هتلر و"العجل" حول لينين وستالين و"فاوست" و"الشمس" حول الإمبراطور الياباني هيروهيتو.
وقد استطاع أن يلفت إليه أنظار جمهور المهرجان حينها بقيمته الفنية، وموضوعته التي وفر لها أدوات سينمائية منحتها معالجة ذكية أدهشت جمهور ونقاد المهرجان حينها.
وبالرغم من حداثة تجربة هذا الفنان، إلا انه بدأها بمغامرة تناول صورة شخصية لثلاث شخصيات تاريخية كان لها حضور طاغٍ في القرن المنصرم، فقد سبق له أن طرح رؤياه عن هتلر في فيلمه الأول (مولوخ) وعن شخصية لينين في فيلمه (العجل).. أما في فيلمه هذا فانه يعرض بضعة أيام من حياة إمبراطور اليابان هيروهيتو، قبل أيام من استسلام اليابان في الحرب الكونية الثانية. فالإمبراطور ما زال مثل إله بالنسبة لشعبه، وهو يمارس حياته العادية منشغلا بنشاطاته اليومية، يتشاور مع معاونيه، وهو أيضا ينتظر الأمريكان حاملين له أمر الاستسلام، وحين يأتون آخر الأمر، فان على هيت ان يخضع لإرادة الجنرال في أداء مذهل يلعب فيه الممثل الياباني اوكاتا يسي دور هيرو هيتو بأسلوب شابلني خالي من الصوت (في أكثر من مرة يطلق عليه اليانكيون في الفيلم اسم (شارلي) دور شخص يحس بإفراط بتميزه الشخصي، لكن في الوقت نفسه ذليلاً أمام شروط عدوه.
على أكثر من صعيد، الفيلم تعبير عن الشخصية غير العادية لزوكارون.. فناك وقائع متميزة، حس فكاهي، تصاعد درامي. وهناك أيضا استخدام مدهش للمكان، وتنويع جميل للصوت. الممثل اوكانا ايسي يعرفه الجمهور من خلال دوره في فيلم (ادوارد يانفرين) عام 2000.
في هيروهيتو صورة للخرافة، إيماءاته متيبسة، حركاته متشنجة، شفتاه الدائمة الارتجاف تجاهد لإخراج الكلمات.. صورة استعارية رائعة عن الأفكار حين تعجز الكلمات عن التعبير عنها، جنرال أميركي لا يسمى في الفيلم، الذي يفترض أن يكون الجنرال دوكلاس ماكارثر، في مشهد حوار مثير يجمع الاثنين (الإمبراطور والجنرال) مشهد يحيلهما إلى كلاسيكيات السينما الروسية العظيمة حين تهيمن الشخصية على الكادر.