نزارعبد الستار الكثيرون يؤبنون الوطن في استذكارات كتابية. يأتون من بلدان باردة وبعيدة، ليتفرجوا على وطنهم القديم الحار والحزين. عشرات الكتاب والمثقفين المغتربين باتوا رحالة اوجاع، فكلما قرصهم الحنين الى بغداد طاروا اليها، ونزلوا في شوارعها المغبرة، وبحثوا عن الزمن العتيق في ساعاتنا الجديدة. ومتى ما عادوا الى بيوتهم، في اعالي الارض، نراهم يكتبون عن بؤس الوطن الاول ويتأسفون بحرقة على العراق.
مغتربونا يتصرفون كسياح منزعجين من سوء الخدمة، وهم يتعاملون مع يوميات الوطن بترفع استقراطي، ويظهرون تذمرهم وكأن العار يوخزهم في جنوبهم. الكثيرون من العراقيين القدماء، يختلقون الفواجع والمبالغات، ويقصون قصصهم بمنطق مرأى العين، والاغلبية منهم يتكلمون عن اسرار الحكم، وفواجع الفساد، وآهات القهر اليومي، وتعاسة الانسان. كلهم يعبرون عن الاسف ويحمدون ربهم على عودتهم الى جنسياتهم الثانية بالسلامة.الوطن سواء أكان ممزق القميص أم يرتدي بدلة تاكسيدو، فهو وطن، وهو إن بدا لنا مغبر الملامح فهي مسؤولية عامة، وليست عادة سيئة يتحملها فقط الذين يموتون فيه. الوطن انتماء قبل ان يكون خارطة، وهو يحتاج الى التفاني والحرص ومعاودة المحاولة، وليس اشاحة الوجه والفرار بلا عودة.هل فكر الذين يكتبون عن اهوال الوطن، ان ايديهم ليست فيه؟. وان الذي يذهب بعيدا ويرى العالم ويكتشف اسراره، لا يعود الينا ليعلمنا ويرشدنا ويأخذ بايدينا، وانما ينظر الينا بازدراء، وكأننا اولاد الجريمة؟. هل فكر الذين يكتبون عن حزن العراق، كم هو عميق وجع العقوق وكم هي نازفة خيانات الطفولة؟.العراق بلد يسير مجروحا. كل بلدان الارض مشت والدماء تنز من عيونها فلماذا نحن فقط من نتسابق في القاء الاتهامات، ونكيد لانفسنا دون ان نتنفس قليلا، كي نلتقط الرحمة ونسترد غيرتنا؟. ان الذين يراوغون الموت في الشوارع ويخرجون الى رزقهم صباحا يتسولون بادعية احبتهم ان يعودوا مساء، هم كائنات لا توازيهم قوة ولا يعلو عليهم بأس ولا يحدهم خوف فطري. هؤلاء يستحقون كل كلمات الامل وكل تعابير التشجيع وكل آيات الاجلال وكل الجزاء الجميل. اليس من الواجب ان نرى فينا صبرنا قبل يأسنا؟. اليس من الوطنية ان نرى ما قطعنا للخروج من طريق تراجعنا، بدلا من ان نقيس الطريق بأكمله؟. لماذا لا نقول اننا موجودون هنا لاننا لا نريد ان نترك العراق وحده، واننا نموت هنا ونتحمل كل هذا الحرمان لاننا نؤمن بجموعنا وليس بفردانيتنا؟، واننا نؤمن اننا شعب عظيم، يستطيع مهما كسروا له من عظام، ان يقف متناسقا وشامخا من جديد؟
فــــارزة: يتأسفون على الوطن ولا يموتون فيه
نشر في: 17 أغسطس, 2010: 09:19 م