طالب عبد العزيز
على الرغم من أنَّ تجربة مجالس المحافظات أثبتت فشلها المطلق، وإقرار الجميع بأنها الحلقة الزائدة، ونافذة للفساد وتعطيل المشاريع، وبوابة جهنم الى المحاصصة والطائفية، وكل ما في التجربة من السوء والتردي.. إلا أنَّ السياسيين العراقيين الحاكمين بأمر أحزابهم ومليشياتهم مازالوا يصرون على إجرائها، والمضي قدما في التثقيف لها وتخصيص الغطاء المالي والمعنوي لها، في استهتار واضح بمآسي الشعب المغلوب على أمره.
ظلت البصرة تعاني من فشل مشاريع مجمل الخدمات كالماء والكهرباء والسكن والطرق منذ تاسيس الدولة الثالثة في العام 2004 بوجود مجلس المحافظة، وكنتُ شاهداً على السفاهة والتخبط والمناكدات والتقاطعات بين أعضاء المجلس، الذي لم يلئتم يوماً إلا على شكل فريقين أو أكثر، كل فريق يعمل على اسقاط الآخر، وكل شخصية تجري خلف مصالحها، والشريف هو الوحيد الذي لا يُسمعُ صوتُه، ولا تؤخذ بورقته، وإن كانت تصبُّ في مصلحة الله ورسوله وعباده أجمعين حتى بلغ الحنق بالمواطن البصري وخرج شاهراً رصاصه وناره التي أحرقت مبنى المجلس والمحافظة وظلت شاهداً حياً على ذلك الى اليوم.
قبل أكثر من عشر سنوات شرع ببناء مقر مجلس المحافظة في البصرة على مساحة واسعة جداً، لكنَّ المبنى مازال الى اليوم هيكلاً اسمنتياً قبيحاً، لم ترَ حيطانه فسحة الهواء، وهو محط ازدراء واستهجان عامة البصريين، ومثالاً واضحاً على قبح المرحلة تلك، فقد أنيط المشروع بشركة تركية تدعى (هاشل) باشرت العمل فيه منذ العام 2012 بكلفة نحو 30 مليار دينار من موازنة الاقليم، وبذلك تقول عضو المجلس آنذاك زهرة البجاري في حديث للسومرية نيوز:" إنَّ المشروع حقق نسبة انجاز متقدمة قبل اتخاذ قرار ايقاف العمل بسبب عدم توفر تخصيصات مالية لدى الحكومة المحلية" لكنها تضيف قائلة:" إنَّ اللجنة اقترحت على مجلس المجلس إقراض ديوان المحافظة مبالغ لغرض انجاز المشروع الذي تتولى تنفيذه شركة إماراتية". شركة تركية تتبنى المشروع وإماراتية لتكملته والثلاثين مليار وين؟؟
المجلس إذن لم يبن له مقراً يسكنه، والله يعلم ما الذي جرى بعد ذلك؟ في الحقيقة، لم ترَ البصرة المشاريع الاستثمارية والعمرانية على الارض إلا بعد تفكك المجلس هذا، الذي انتفى دوره بمجيئ المهندس أسعد العيداني، محافظاً في آب 2017 والذي تحققت على يده عشرات المشاريع الخدمية، حتى باتت المدينة مقصداً لأبناء الجنوب والوسط، فضلاً عن كونها قدمت الدليل الواضح على سوء عمل المجلس، فكانت تجربة رائدة، ودليلاً واضحاً وأكيداً على فشل عمل المجلس ووجوب التخلص منه بوصفه مصدر السوء والفساد.
يجري الحديث في الاوساط البصرية عن ما ستواجهه المدينة إذا ما تم انتخاب مجلس محافظة جديد، وعن حجم الصعوبة التي سيواجهها المحافظ (العيداني) ومصير المشاريع التي قيد التنفيذ وينتظر البصريون إكمالها، اذا لم يختره المجلس، ونحن على يقين بأنهم سيفعلون المستحيل لاقصائه. ستبرز على السطح المواجهة الحقيقية بين فريقين أو أكثر، بمعنى ما اننا سنرجع الى المربع الاول، وستعود الخطوات القهقرى، فيناصب العداءَ القويُّ للأقوى، ويخمط هذا من ذاك ما أمكنه من المشاريع، وستفقد المدينة ما تحقق وصار من نصيبها، الامر الذي قد يذهب بالبصريين الى التفكير بأهمية الاقليم، الورقة التي يعاد النظر فيها بقوة الان، على ما تضمره بين طياتها من محاذير.
نحن نؤمن بأنَّ الحضارة صناعة فردية، وحين نتحدث عن الذين قدموا لشعوبهم سنتحدث عن أفراد معدودين لا جماعات، والتجارب الانسانية امامنا كثيرة، فنقول ساسون حسقيل وعبد الكريم قاسم، ومزهر الشاوي، والحبيب بورقيبة، ومحمد بن راشد، ومحمد بن سلمان وسواهم.. نتطلع الى أن الاجيال البصرية والعراقية القادمة ستكون مجبرة على القول: وأسعد العيداني؟