اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > أنطونيو لوثانو: بلّورة الكريستال في الثقافة الكنارية

أنطونيو لوثانو: بلّورة الكريستال في الثقافة الكنارية

نشر في: 29 أغسطس, 2023: 09:44 م

حاورته وقدّمت له:

لطفية الدليمي

أثار خبر وفاة الروائي الاسباني – الكناري أنطونيو لوثانو Antonio Lozano أطياف ذكريات طيبة عن هذه الشخصية المتفانية في خدمة الثقافة الانسانية

 

وماامتاز به من الشغف والكرم الروحي والمواقف الجليلة إزاء معضلات الانسانية الراهنة وقضية الهجرة والمنفى والظلم الذي تواجهه البشرية في القارات الاكثر فقراً. لطالما أعلن لوثانو: " حُكُّامُ عالمنا غير جديرين بحكمه "

رحل لوثانو عن 62 عاماً في أواخر عام 2019 بعد صراع طويل مع المرض. وُلِدَ بمدينة طنجة عام 1956 لعائلة أسبانية وهاجر الى جزر الكناري واستقر في بلدة أغويمس منذ 1985. سحرته الجزر بطبيعتها الغرائبية وأناسها اللطفاء الذين يختلفون تماماً عن مواطني القارة الاوروبية بتلقائيتهم وبساطتهم ومرحهم وكرمهم. كرّس لوثانو سني حياته في مهجره لخدمة الثقافة الكنارية – الاسبانية وزجّ بأسرته كلها في العمل الثقافي التطوعي.

عُرِفَ أنطونيو لوثانو في جزيرة غراند كناريا أول سنوات هجرته كأستاذ للغة الفرنسية وكاتب صحفي ومترجم ثم أخيراً كروائي؛ فهو لم يكتب الرواية إلا بعد أن تجاوز عامه الاربعين. أشتهر أيضاً في الجزر الكنارية باعتباره خبيراً في الشأن الافريقي وقضايا الهجرة وقام برحلات عدة إلى دول افريقية وكتب عنها.

عمل لوثانو مابين الاعوام 1987 و2003 مستشاراً ثقافياً لعمدة مدينة أغويمس قبل أن يكلف رسمياً لإدارة (مهرجان القارات الثلاث - ديل سور انكوينترو) الذي يعنى بالمسرح والموسيقى وفعاليات الحكي الشفاهي وتعقَدُ على هامشه ندوات تخص الرواية والشعر والنقد.

حظي لوثانو خلال السنوات ال22 التي أدار فيها مهرجان القارات الثلاث بشعبية واسعة نتيجة نجاحه البارز في وضع مدينة أغويمس على خارطة العالم وتعريف شعبها على فنون وآداب الشعوب الاخرى، وترك أثراً طيباً في نفوس مواطنيها؛ فقد كان طوال حياته رجلاً شغوفاً بكل الشؤون الثقافية ومنافحاً عن الكرامة الانسانية وواحداً من هؤلاء الاشخاص الفريدين الذين يتعذر نسيانهم.

*****

التقيتُ الروائي أنطونيو لوثانو عام 2004 حين دعيتُ إلى ندوة الرواية التي عُقِدَتْ على هامش (مهرجان القارات الثلاث) في جزيرة غراند كناريا باقتراح من الأستاذ الدكتور وليد صالح الخليفة أول أكاديمي عراقي يشغل منصب رئيس قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية في كلية الفلسفة والآداب في جامعة مدريد المستقلة والذي كان قد إطّلع على بعض إصداراتي القصصية والروائية وكتاباتي الصحفية عبر الصديقين الروائيين محسن الرملي وعبد الهادي السعدون.

إلتقيتُ كُتّاباً وكاتبات من كولومبيا والارجنتين واسبانيا وفرنسا وكوبا والاورغواي وغينيا الاستوائية والكاميرون ممّن حضروا ندوة الرواية التي دعيت إليها، الندوات تعقد في إحدى قاعات (اغويماس) قرية المهرجان، وفي مسارحها العديدة تقدّمُ المسرحيات والعروض الموسيقية ويقدّم الحكاؤون عروضهم بينما تزدحم ساحة روزاريو بقاعات الرقص والمكتبات والبارات والمقاهي والمسارح. ساحة روزاريو لاتعرف السكينة والنوم؛ ففيها يسهر الفنانون والراقصون حتى الصباح.

أتاحت جهود لوثانو لسكان جزر الكناري والمثقفين الاسبان والاجانب فرصة الاستمتاع بالفنون الشعبية والمسرحيات التجريبية والحكي الشفاهي من دول أفريقيا والارجنتين والبرازيل والاوروغواي وتشيلي وكوبا وكولومبيا ودول أمريكا الوسطى.

أنطونيو لوثانو عمل في جبهات عديدة ليثبت نظريته عن دور المثقف العضوي الفاعل في زمننا، وقد أسّس فريقاً عائلياً بالمعنى الحرفي والمجازي للكلمة من أفراد يساعدونه في إدارة المهرجان وكلهم مؤمنون بمشروعه وتدفعهم روح تطوعية مشرقة مفعمة بالحب للعمل الثقافي وتنشيط العلاقات الانسانية عن طريق المسارات المتنوعة. يتكون فريقه من: زوجته الشقراء الرقيقة كلاريتا أمينة المكتبة العامة في بلدة أغويمس، وابنته الشابة كارولينا طالبة الادب الانكليزي، وزوجته السابقة الكندية كارول أستاذة الادب الانكليزي في مدريد، وشقيقه نيكولاس الناقد والاستاذ الجامعي مع زوجته الرسامة بيلار وابنتهما التي تدرس الادب الاغريقي الكلاسيكي مع صديقها اليوناني إلياس.

أصدر انطونيو لوثانو عدداً من الروايات هذه أبرزها:

رواية الحرّاكة Harraga، تناول فيها ظاهرة الهجرات المعقدة بين افريقيا واسبانيا. يحكي فيها عن المهاجرين الافارقة الذين يحرقون وثائقهم قبل عبور مضيق جبل طارق الى اسبانيا اذا قيض لهم ان لايغرقوا في قوارب المهربين. نالت الجائزة الدولية للرواية السوداء

رواية حيث تموت الانهار Where the Rivers Die:

عن معضلات الهجرة الافريقية

رواية رماد بغداد The Ashes of Baghdad: نالت (جائزة بينيتو بيريز أرماس للرواية)

رواية ظل المينوتور The Shadow of The Minotaur

رواية قضية سانكارا: حول العلاقات المعقدة بين الدول الاستعمارية القديمة - فرنسا مثالاً - والدول الافريقية حول الثروات الطبيعية في أفريقيا. (حازت جائزة مدينة كارمونا الدولية للرواية السوداء)

*****

أقدّمُ هنا - كتلويحة وداع وتقدير للروائي الراحل انطونيو لوثانو - جزءاً من حوار طويل امتدّ بيننا خلال لقائنا أيام ندوة الرواية عام 2004.

بروفيسور لوثانو، ما الذي دفعك الى خوض المغامرة الروائية في سن متأخرة (بعد الاربعين) وانت منهمك بمشاغل ادارية واستشارية في بلدة اغويمس؟

- وجدت في الرواية الوسيلة الاعظم لتقديم رؤيتي المسؤولة عن هذا العالم. كنت بحاجة للتعبير عن اوضاع عالمنا وقلق الانسان المعاصر وتعرضه للمظالم في كل مكان، وأظنك تتفقين معي بأن الرواية هي الوحيدة - بين جميع الانماط الأدبية - القادرة على التعامل مع الواقع من جوانب متعددة؛ فهي كبلورة الكريستال كل سطح فيها يعكس اشعاعاً مختلفاً. بوسعنا عن طريق الرواية التعبير عن قلقنا ومخاوفنا ورؤانا الخاصة عن انسان عصرنا وطرح تساؤلاتنا عن المعضلات المستجدة التي تتوالد كل يوم وتعقد حياته في هذا القرن الملتهب. نحن نعيش في عالم يفتقر إلى العدالة، عالم ظالم يدير شؤونه حكامٌ غير جديرين بحكمه ولابد أن يتصدى بعضنا ليفضح هذا الامر، وأرى أن الروائي هو الجدير بالمبادرة. عبر سنوات عيشي وتجاربي ولقائي بكُتّاب من مختلف القارات أستطيع القول أن دَوْر الكاتب أساسي في الدفاع عن القيم والعدالة، يمكن للكاتب أن ينجح – على نقيض السياسي - في الكشف عن سوء أوضاع العالم التي يتسبب بها السياسيون.

هل تقتصر ثيماتك الروائية على هذه المضامين التي تشغلك و تحتل حيزا كبيرا من اهتمامك؟

- استكمالا لما قلته سابقا، ينصبّ جل اهتمامي على مايجري في عالمنا المعاصر من جور وعذابات انسانية وفي مقدمتها موضوعة الهجرة والمهاجرين الذين يتعرضون لمخاطر شتى بدءاً من لحظة هروبهم من بلدانهم حتى لحظة وصولهم للشواطئ الاسبانية وما يواجهونه من السلطات الاوروبية من تعامل قاس ولاانساني، فلا أحد يتفهم معاناتهم ومشاكلهم وتوقهم للحرية والكرامة الانسانية، ويعاملون كأرقام ونكرات ومجرد كائنات لاتمثل أية قيمة او معنى. شخصياً وُلدتُ وعشت في " طنجة " ومازال والداي يقيمان هناك؛ لذا أعرف الكثير عن الهجرة والانسان المهاجر وأحلامه المدمرة ومخاوفه وانكساره.

روايتي " الحراكة " تناقش هذه المضامين من جانبها الانساني المحض، ومفردة " الحراكة " التي دخلت قواميس اللغات الاوروبية تستخدم لتوصيف المهاجرين غير القانونيين الذين يعمدون إلى حرق وثائقهم الرسمية حال عبورهم المحيط الى جزر الكناري او اجتيازهم (مضيق جبل طارق) بالقوارب باتجاه اسبانيا، وغالباً مايتعرضون للغرق وفي أفضل الاحوال للاعتقال والاهانات القاسية أو يعادون إلى أوطانهم ليسلموا- لسوء طالعهم - الى سلطات بلادهم.

لاحظت خلال تجوالي في الجزيرة وحضوري فعاليات المهرجان وندوة الرواية وزيارتي لمدينة لاس بالماس ومتحف (كريستوف كولومبوس) أن لجزر الكناري ثقافة خاصة بها وموروثاً تاريخياً مختلفاً عن الثقافة الاسبانية في شبه الجزيرة الايبيرية. أتساءل ماهي أهم خصائص الثقافة الكنارية؟

- جغرافياً تقع جزر الكناري مقابل شواطئ المغرب (تبعد نحو 200 كيلومتر عن الأراضي المغربية و2000 كيلومتر عن مدريد)، هذه الجزر بوتقة حية وهائلة انصهرت فيها ثقافات كثيرة ومنها البرتغالية والانكليزية والعربية وثقافات اميركا اللاتينية، اضافة لثقافة المواطنين الاصليين (الغونشي) الذين استوطنوا الجزر منذ الاف الاعوام لكنهم تعرضوا للانقراض، وبقيت ملامح كثيرة من ثقافتهم تشخص أمامنا كعلامات بارزة في اللغة والفنون والعمارة والتقاليد والعادات اليومية. عندما غزت أوروبا الجزر فتكت فتكا وحشيا بالمواطنين الاصليين، وأرسل الذين لم يقتلوا في الغزوات المتلاحقة عبيداً الى (اسبانيا) و (البرتغال)، ولكن تبقت آثار قليلة من ثقافتهم بخاصة تقنيات صنع السيراميك وبعض وصفات الطعام المحلية كما تبقت الى اليوم مفردات كثيرة من لغة (الغونشي) في لغة اهل الجزر، مفردات يجهلها سكان اسبانيا. ثمة أسماء المدن واسماء الحِرَف وبعض اسماء الاشخاص تنحدر جميعها من لغة السكان الاصليين الذين أبيدوا.

ماهي اهمية مهرجان القارات الثلاث بين المهرجانات الثقافية الاسبانية؟

- يمكنني إجمال خصوصية هذا المهرجان بثلاث نقاط:

الاولى: موقع جزر الكناري بين القارات، جغرافياً هي افريقية، الوضع السياسي: اسباني اوروبي، والعلاقات الاجتماعية مشتبكة مع اميركا اللاتينية، فقد ترحل سكان الجزر خلال مئات الاعوام وانتشروا في اميركا اللاتينية وأسسوا مدناً هنا واطلقوا عليها اسماء اسبانية وكنارية.

النقطة الثانية: الحوار بين ثقافات الشعوب المختلفة هو الذي سيسود عالمنا المعاصر بدل الحروب، وآمل ان يكون حدسي صحيحاً. علينا إيجاد فضاء حر ومفتوح لهذا الحوار واللقاء بين الثقافات لتنشأ علاقات انسانية حقيقية عبر هذا الحوار، واعتماداً على هذا نعمل هنا ونؤمن بأهمية هذا المهرجان. تأتي الينا الفرق المسرحية والشخصيات الثقافية لا لتقدم عروضها وتذهب بل لتؤسس لحوارات مستديمة تتواصل بعد المهرجان.

النقطة الثالثة: تعمد مدينة اغويمس وبلديتها على اشراك سكان المدينة في اللقاء الثقافي والتعامل مع المشاركين من ضيوف المهرجان ويتطوع عدد كبير من الشباب والشابات للقيام بدور المرافقين والمضيفين واستقبال الضيوف ومساعدة ادارة المهرجان، ومن هنا تجدين فيوضاً من العاطفة لدى السكان ازاء الضيوف إذ يشعر كل فرد منهم بأن له دوراً مهماً وفاعلاً في المهرجان وليس مجرد متفرج او متلقي سلبي: الجميع هنا يسهم في حوار الثقافات.

شاهدت عددا من الاعمال المسرحية التجريبية. هل تشترط ادارة المهرجان أن تكون الاعمال المقدمة تجريبيةً؟ أم ان هناك حرية في اختيار العروض؟

- نفضل الاعمال غير التقليدية، والتجريبية على وجه الخصوص، وغالباً ماتقدم المؤسسات الثقافية المدعوة عروضاً من طراز المونودراما لاختصار عدد افراد الفريق الضيف، وقد تقدم بعض الفرق عروضاً موسيقية وغنائية حديثة او تقليدية ضمن عملها الدرامي، وبعد العروض تجري مناقشة الاعمال في القاعات الجانبية لتثري اعمال المهرجان، وغالباً ماتكون الندوات المصاحبة ذات أهمية كبرى لإغناء الحوار بخاصة الندوات النقدية وندوة الرواية. قدمنا في أحد الاعوام ندوة بعنوان (الانسانية والبربرية) وفي عام آخر كانت هناك ندوة عن حرفيات التمثيل وأخرى عن (الكتابة المسرحية) و (الاخراج المسرحي) وسيتجه بعض كتاب الرواية هذا العام الى مدينة (خيخون) في اسبانيا لحضور ندوة (الرواية السوداء). نحرص دوماً على ان يشارك مثقفون من القارات الثلاث.

ولكنكم دعوتموني لندوة الرواية وانا من قارة اخرى؟

- العالم العربي فضاء ثقافي واسع ونعده فضاء واحدا ممتدا من العراق حتى المغرب ومن افريقيا لآسيا. كنت مؤمنا بأهمية استضافتنا لكاتبة مثلك من داخل العراق حصراً لتمثل الصورة الحقيقية للنساء المثقفات اللائي لانعرف الكثير عنهن بسبب الحروب والاستبداد والحصار والاحتلال. الثقافة العربية ثقافة ثرية ومتنوعة ويمكن ان تسهم مشاركات المثقفين العرب في اغناء الحوار الثقافي. أعلن هنا عن امتناني للبروفيسور وليد صالح خليفة الذي اسهم في انجاح مهمتنا باقتراح اسمك ضيفة من العراق لتحدثينا عن منابع ثقافتكم وهموم المثقف العراقي وتطلعاته.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram