TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > لماذا تصبح بعض الدول ثرية وتظل الأخرى فقيرة؟

لماذا تصبح بعض الدول ثرية وتظل الأخرى فقيرة؟

نشر في: 4 سبتمبر, 2023: 10:19 م

بيتر جاكوبسن*

ترجمة: عدوية الهلالي

في الولايات المتحدة، يعمل المهاجرون بجد ومهارة أكثر، وهم ممتنون لعملهم، ويغتنمون كل فرصة لتحسينه بينما يطالب الأميركيون بأجور أعلى كثيراً، ويشكون من العمل، ولا يبذلون سوى القليل من الجهد لتحسين أنفسهم.

وبما أن الناس في العديد من هذه البلدان الفقيرة هم عمال أفضل، فلماذا تكون بلدانهم الأصلية فقيرة إلى هذا الحد؟ في المتوسط، يبدأ المهاجرون المزيد من الأعمال التجارية ويحققون أداءً أفضل في الولايات المتحدة مقارنة بالمواطنين المولودين في أمريكا. ومع كل مهاراتهم وطموحاتهم، ينبغي أن تكون بلدانهم الأصلية أكثر ثراءً من المدن الأمريكية،ولكن هذا ليس هو الحال. فماهوسبب الفقر في هذه الدول؟ ولماذا تصبح بعض البلدان أكثر ثراء بينما تظل بلدان أخرى فقيرة؟

في عام 1776، نشر الفيلسوف الاسكتلندي آدم سميث الكتاب الأكثر تأثيرا في تاريخ الاقتصاد السياسي وكان بعنوان (تحقيق في طبيعة وأسباب ثروة الأمم).ويحاول الكتاب، الإجابة على هذا السؤال.ومنذ ذلك الحين، أصبحت الدول الغنية أكثر ثراءً، وبعض الدول الفقيرة أصبحت أكثر ثراءً، ولكن لايزال عدد كبيرمن الدول متخلفًا عن الركب.

طوال أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، حاولت الولايات المتحدة ودول أخرى تحفيز النمو الاقتصادي في البلدان الفقيرة. وباءت هذه المحاولات بالفشل. وقد قام الخبير الاقتصادي بيل إيسترلي بعمل رائع في عرض بعض الإجابات الخاطئة للسؤال في كتابه "السعي المراوغ من أجل النمو"حيث يشير الكتاب إلى ثلاثة حلول فاشلة اعتقد الخبراء أنها ستؤدي إلى التنمية وهي: الاستثمار،التحكم بالسكان، التعليم. إذ تميل الدول المتقدمة إلى تحقيق مستويات أعلى من الاستثمار، وانخفاض معدلات المواليد، والمزيد من التعليم. وقد حاول الخبراء أن يستنتجوا أنه إذا تكررت هذه الظروف في البلدان الفقيرة، فسوف تتبعها التنمية، لكن هذه الاستراتيجية فشلت، ففي خمسينيات القرن العشرين، بدأ الخبراء يعتقدون أن مجرد امتلاك الآلات ورأس المال المالي اللازم لتنفيذ مشاريع كبيرة من شأنه أن يجعل البلدان غنية.ومن عجيب المفارقات أن هذا الاعتقاد كان مبنياً على النجاح (الزائف) الذي حققه الاتحاد السوفييتي. وكانت أرقام الإنتاج السوفييتي تتزايد بشدة، وعلى مدى عقود من الزمن اعتقد الاقتصاديون أن الإنتاج السوفييتي سوف يتفوق على الولايات المتحدة. لماذا؟ لأن الاتحاد السوفييتي كان يقوم بالتصنيع من خلال المدخرات القسرية.

ومن خلال إعادة تخصيص الموارد الخاصة للاستثمارات الصناعية الضخمة، بدا أن الاتحاد السوفييتي قادر على دفع الاقتصاد إلى مرحلة مبكرة من التصنيع. وتبين أن هذا النمو كان وهمياً، الأمر الذي أدى إلى انهيارالاتحاد السوفييتي.لكن الاتحاد السوفييتي خدع العديد من الاقتصاديين في خمسينيات القرن العشرين، وبالتالي انطلق نموذج النمو المخطط من خلال الاستثمار. وكان الاعتقاد السائد هو أن البلدان الفقيرة كانت في حالة يرثى لها لدرجة أن المواطنين يفتقرون إلى القدرة على الادخار، وبدون مدخرات، لا يوجد نمو. وهناك حلقة مفرغة حالت دون النمو، ومن ثم، تستطيع البلدان النامية أن تعالج هذه المشكلة من خلال القيام بالاستثمارات اللازمة لتحقيق النمو المستدام. ومن شأن هذه الاستثمارات أن تزيد الدخول، مما يؤدي إلى زيادة الادخار وتحفيز النمو الطبيعي الدائم. لكن هذا النهج فشل ولم تحقق البلدان الفقيرة ثراءً بفضل الاستثمارات.. فالإنتاج وسيلة لتحقيق الاستهلاك. وإذا لم يكن إنتاجك مرتبطًا بشكل كبيربرفاهية المستهلكين من خلال معرفة الأسعار والأرباح والخسائر، فإنه لن يؤدي إلى نمو مستدام.

ومن الطبيعي أن يتجه خبراء التنمية إلى التعليم. فإذا لم تكن زيادة الإنتاج من خلال رأس المال المادي كافية، فربما تكون زيادة المعرفة أو رأس المال البشري كافية. ويروي الكتاب كيف هيمنت سياسة تطوير التعليم على الفترة من الستينيات إلى التسعينيات ولم تكن النتائج مرضية، كما يشرح كيف أن العلاقة بين التعليم والنمو الاقتصادي، تكون ضعيفة إلى معدومة. وتشير إحدى الدراسات إلى أن الطفرة التعليمية في البلدان الفقيرة قد صاحبها انخفاض في معدل نمو الدخل في هذه البلدان. وهذا هو عكس ما يمكن أن يتوقعه المرء لو كانت نظريات التعليم دقيقة. التعليم إذن لا يخلق النمو الاقتصادي.

ولعل أسوأ نظرية يمكن اختبارها في البلدان النامية هي الفكرة المالثوسية الجديدة التي تزعم أن الأعداد الكبيرة من السكان هي سبب الفقر.فعلى الرغم مما يقترحه المفكرون المناهضون للسكان، فإن الناس ليسوا مجرد مستهلكين. البشر هم أيضا منتجون، لكن النقطة الأساسية هي أن الناس يميلون إلى خلق حلول أكثر من المشاكل،فالبشر لا يشكلون عائقا أمام التنمية. بل على العكس من ذلك، من الممكن أن تكون أحد أسباب النمو.

ولا تثبت معدلات المواليد المنخفضة في الدول الغنية أنها مصدر النمو. إنه العكس. ومع ازدياد ثراء البلدان، تزداد احتمالات بقاء الأطفال على قيد الحياة. ولم يعد الآباء مجبرين على إنجاب أطفال أكثر مما يريدون خوفا من فقدان أي منهم. أيضًا، مع تطور البلدان، فإنها تميل إلى الابتعاد عن التفضيل الثقافي للأطفال الذكور، والذي غالبًا ما يدفع الأزواج إلى إنجاب العديد من الأطفال على أمل إنجاب الابن الأول.

وقد أشادت وكالات التنمية مثل الأمم المتحدة بالسياسات القسرية المناهضة للسكان في الهند والصين طوال القرن العشرين. وقد دعا الرئيسان ليندون جونسون وريتشارد نيكسون إلى ربط المساعدات الغذائية للدول الفقيرة بأهدافها المتعلقة بالحد من الفقر. وقد أحدث هذا النهج أضراراً جسيمة في البلدان النامية، دون تعزيز النمو.

وتعد الجغرافيا من الاجوبة الخاطئة ايضا، فمن المؤكد أن الموارد والمناخ والخصائص الطبيعية لأي بلد لها تأثير على مستقبله الاقتصادي،وعلى سبيل المثال، فالولايات المتحدة غنية بالموارد الطبيعية، ومواطنوها أغنياء. وفي المقابل، تتمتع هونج كونج بموارد طبيعية قليلة للغاية، لكن شعبها أيضًا ثري للغاية. ومن ناحية أخرى، فإن بعض الدول الغنية بالموارد الطبيعية تعتبر فقيرة، بينما تكون دول أخرى فقيرة للغاية بالموارد الطبيعية فقيرة.لذلك يبدو أن الجغرافيا ليست قدرًا محتومًا عندما يتعلق الأمر بالثروة.

لماذا تصبح الدول غنية إذن؟ الاجابة الصحيحة كما يرى سميث هي إن السبب النهائي لنمو أي بلد يأتي من مؤسساته ولرفع الدولة من أدنى الهمجية إلى أعلى درجة من البذخ، يتطلب الأمر وجود السلام والضرائب الميسرة وإقامة العدل،وكل شيء آخر يأتي بالمسار الطبيعي للأشياء. وبعبارة أخرى، فإن القواعد التي تحكم نشاطك الاقتصادي اليومي هي التي تحرك نتائج النمو المختلفة التي نواجهها في عالمنا.وهناك طريقة أخرى للتعبير عن ذلك وهي القول إنه لكي ينمو اقتصاد أي بلد، يحتاج المواطنون إلى الحرية الاقتصادية أو الوصول إلى حقوق الملكية الخاصة إذ يجب ان يتم تحفيز الأفراد لتعظيم قيمة ممتلكاتهم لأن الملكية الخاصة تشجع المسؤولية.وعندما يتمكن الأفراد من بيع سلعهم، يتم تشكيل الأسعار لتلك السلع والتي تعكس قيمة السلعة، كما تسمح الأسعار للشركات بإجراء المحاسبة لتحديد أرباحها أو خسائرها. وإن عملية تحويل المدخلات ذات القيمة المنخفضة إلى مخرجات ذات قيمة أعلى هي في صميم النمو الاقتصادي، فمن دون ملكية مختلف السلع المستخدمة في الإنتاج، لن يكون هناك أسواق لتلك السلع. وبدون أسواق لهذه السلع لا توجد أسعار. وبدون سعر، لا توجد حسابات اقتصادية.وبالتالي فإن المؤسسات الحرة اقتصاديا هي السبب الجذري للنمو الاقتصادي والدول الحرة اقتصادياً أكثر ثراءً وصحة من الدول غير الحرة!

· استاذ اقتصادي في جامعة اوتاوا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: حدثنا نور زهير!!

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

فشل المشروع الطائفي في العراق

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

 علي حسين إذا افترضا أن لا شيء في السياسة يحدث بالمصادفة، فإنه يفترض أن نوجه تحية كبيرة للذين يقفون وراء كوميديا نور زهير الساخرة ، فبعد أن خرج علينا صاحب سرقة القرن بكامل...
علي حسين

باليت المدى: الرجل الذي جعلني سعيداً

 ستار كاووش كل إبداع يحتاج الى شيء من الجنون، وحين يمتزج هذا الجنون ببعض الخيال فستكون النتيجة مذهلة. كما فعل الفنان جاي برونيه الذي أثبتَ ان الفن الجميل ينبع من روح الانسان، والابداع...
ستار كاووش

صحيفة بريطانية: قائد اركان الجيش الأمريكي يزور دولتين عربيتين لاقامة "تحالف" ضد ايران

متابعة/ المدى كشفت صحيفة تريبيون البريطانية، اليوم السبت، عن وصول قائد اركان الجيش الأمريكي الجرنال سي كي براون بزيارة غير معلنة الى الأردن لبحث إقامة "تحالف إقليمي" لحماية إسرائيل.  وذكرت الصحيفة، ان القائد الأمريكي...

كلاكيت: ألان ديلون منحه الطليان شهرته وأهملته هوليوود

 علاء المفرجي في منتصف السبعينيات شاهدت فيلمه (رجلان في مأزق) وهو الاسم التجاري له، في سينما النجوم في بغداد، وكان من إخراج خوسيه جيوفاني، ولا يمكن لي أن انسى المشهد الذي يوقظه فيه فجرا...
علاء المفرجي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram