TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > تطبيق مسار بولونيا في الجامعات العراقية: عقبات وحلول

تطبيق مسار بولونيا في الجامعات العراقية: عقبات وحلول

نشر في: 4 سبتمبر, 2023: 10:21 م

د. طلال ناظم الزهيري

1-2

يهدفَ مسارُ بولونيا، الذي بدأَ في عامِ 999، إلى إنشاءِ نظامِ تعليمٍ عالٍ أكثرَ توحيدا واتساقا في جميعِ أنحاءِ أوروبا. تضمنتْ أهدافهُ الأساسيةَ تحسينَ جودةِ وشفافيةِ التعليمِ العالي، وتعزيزَ تنقلِ الطلابِ، وتسهيلَ الاعترافِ الدوليِ بالدرجاتِ.

وفي الوقتِ الذي أسفرَ فيهِ مسارُ بولونيا عنْ نتائجَ إيجابيةٍ في بلدانِ أوربا، إلا أنَ تطبيقهُ في العراقِ قدْ يواجهُ عقباتٍ تتعلقُ بالاختلافاتِ الثقافيةِ، وقيودَ المواردِ، ومهاراتُ أعضاءِ هيئةِ التدريسِ، وقضايا التقييسِ، ومخاوفُ التوظيفِ، وتحدياتُ تنقلِ الطلابِ. علاوةٌ على ذلكَ، فإنَ آليةَ اختيارِ القادةِ الإداريينَ في إطارِ نموذجِ بولونيا تضيفُ عقبةً أخرى أكثرَ تعقيدا على المشهدِ العراقيِ الذي تعلبُ فيهِ الاعتباراتُ السياسيةُ دورا مهما في اختيارِ القياداتِ الإداريةِ. وعليهِ سوفَ نحاولُ في هذا المقالِ النظرِ إلى بعضِ التحدياتِ التي قدْ ترافقَ تطبيقُ المسارِ ونحاولُ أنْ نقدمَ رؤى حولَ كيفَ يمكنُ للجامعاتِ العراقيةِ أنْ تتعاملَ معَ هذهِ التحدياتِ بفعاليةٍ. وكما يأتي:

أولاً: التعليمُ المتمحورُ حولَ الطلابِ. يعززَ مسارُ بولونيا التعلمُ المتمحورُ حولَ الطالبِ وأساليبِ التدريسِ التفاعليةِ. وهنا نشيرُ إلى أنَ مصطلحَ " التعلمِ المتمحورِ حولَ الطالبِ " يقصدُ بهِ المنهجُ التعليميُ الذي يتمُ فيهِ تحويلُ تركيزِ عمليةِ التدريسِ والتعلمِ منْ النموذجِ التقليديِ المتمحورِ حولَ المعلمِ إلى النموذجِ الذي يعطي الأولويةَ لاحتياجاتِ الطلابِ واهتماماتهمْ ومشاركتهمْ النشطةِ. في بيئةِ التعلمِ المتمحورةِ حولَ الطالبِ، يتمَ تصميمُ خبراتِ التعلمِ لإشراكِ الطلابِ وتمكينهمْ كمشاركينَ نشطينَ في تعليمهمْ. يدركَ هذا النهجِ أنَ لكلِ طالبِ نقاطِ قوةِ وأنماطِ تعلمِ وتفضيلاتِ فريدةً، ويهدفَ إلى إنشاءِ تجربةٍ تعليميةٍ أكثرَ تخصيصا وذاتِ مغزى. بشكلٍ عامٍ، يهدفَ تعزيزُ التعلمِ المتمحورِ حولَ الطالبِ إلى إنشاءِ تجربةٍ تعليميةٍ أكثرَ نشاطٍ وتفاعليةٍ بقيادةِ الطلابِ. أنهُ يعترفُ بأنَ الطلابَ همْ مشاركينَ نشطينَ في عمليةِ التعلمِ الخاصةِ بهمْ ويسعى إلى تمكينهمْ منْ تولي ملكيةِ تعليمهمْ وتطويرُ المهاراتِ اللازمةِ للنجاحِ في عالمٍ دائمٍ التغيرِ بالتالي وأمامَ عقودِ منْ نمطِ التعليمِ المختلفِ في الجامعاتِ العراقيةِ القائمِ على المنهجِ والمعلمِ وطريقةِ التلقينِ والحفظِ لا شك ستكونُ عمليةَ التكيفِ معَ نظامِ التعليمِ المتمحورِ حولَ الطالبِ مرهقةً وتحتاجُ إلى وقتٍ طويلٍ. بالتالي لابد منْ محاولةِ تطبيقِ المسارِ منْ المرحلةِ الأولى وبشكلٍ تصاعديٍ ولا ننصحُ أنْ يتمَ اختبارُ المسارِ على برامجَ متكاملةٍ وإنما على المراحلِ الأولى منها فقطْ. معَ هذا ستبقى المعضلةُ الأهمُ هوَ نمطُ القبولِ المركزيِ الذي يلغي تماما فلسفةَ التمحورِ حولَ الطالبِ. حيثُ يوجهُ المعدلُ العامُ الطالبُ إلى أقسامٍ قدْ لا تكونُ في مقدمةِ اختياراتهِ.

ثانيا: ضعفُ التخصصياتْ ومحدوديةُ المواردِ. تشيرَ " قيودَ المواردِ " في سياقِ عمليةِ بولونيا إلى القيودِ أوْ النقصِ في المواردِ المختلفةِ التي يمكنُ أنْ تؤثرَ على التنفيذِ الناجحِ للعمليةِ في مؤسساتِ التعليمِ العالي. يمكنَ أنْ تعرقلَ هذهِ القيودِ الجامعاتِ العراقيةِ منْ تبني نموذجِ بولونيا وتكييفهِ بشكلٍ فعالٍ معَ أنظمتها التعليميةِ. يمكنَ أنْ تشملَ قيودُ المواردِ مجموعةً منْ العواملِ، بما في ذلكَ القيودُ الماليةُ والبشريةُ والتكنولوجيةُ والبنيةُ التحتيةُ. إذْ قدْ تفتقرُ العديدَ منْ الجامعاتِ، إلى التمويلِ الكافي لدعمِ التغييراتِ الضروريةِ المرتبطةِ بعمليةِ بولونيا. يمكنَ أنْ يشملَ ذلكَ تحديثُ المناهجِ، وتدريبَ أعضاءِ هيئةِ التدريسِ، وتطويرَ خدماتِ دعمِ الطلابِ، وتحسينَ البنيةِ التحتيةِ. بالتالي يمكنُ أنْ تؤديَ القيودُ الماليةُ إلى تنازلاتٍ في جودةِ التعليمِ وإعاقةِ تنفيذِ التعلمِ المتمحورِ حولَ الطالبِ، والأنظمةُ القائمةُ على الائتمانِ، والإصلاحاتُ الأخرى المتعلقةُ بتطبيقِ مسارِ بولونيا.

ثالثا: متطلبات تطوير مهارات اعضاء هيئة التدريس. يشيرَ تطويرُ مهاراتِ التدريسِ إلى العمليةِ المنهجيةِ والمستمرةِ لتعزيزِ المعرفةِ والمهاراتِ والكفاءاتِ والنموِ المهنيِ للأساتذةِ داخلَ المؤسسةِ الأكاديميةِ. الهدفُ الأساسيُ منْ تطويرِ أعضاءِ هيئةِ التدريسِ هوَ تحسينُ نتائجِ التدريسِ والتعلمِ، وتعزيزَ جودةِ التعليمِ، ودعمَ الرسالةِ والأهدافِ العامةِ للمؤسسةِ. وهيَ تشملُ مجموعةً منْ الأنشطةِ والبرامجِ والمبادراتِ المصممةِ لتمكينِ أعضاءِ هيئةِ التدريسِ منْ التفوقِ في أدوارهمْ كمعلمينَ وباحثينَ وموجهينَ ومساهمينَ في المجتمعِ الأكاديميِ. بالتالي يجبُ أنْ تشتملَ برامجُ تطويرِ أعضاءِ هيئةِ التدريسِ على ورشِ عملٍ وندواتِ وجلساتِ تدريبيةٍ تركزُ على منهجياتِ التدريسِ المبتكرةِ والفعالةِ، واستراتيجياتُ مشاركةِ الطلابِ، وتقنياتُ التقييمِ، ودمجَ التكنولوجيا في الفصلِ الدراسيِ. معَ ضرورةِ إرشادِ أعضاءِ هيئةِ التدريسِ في تصميمِ وتحديثِ المناهجِ لتتماشى معَ الأهدافِ التعليميةِ للمؤسسةِ وتوجهاتِ الصناعةِ المتطورةِ. يتضمنَ ذلكَ إنشاءُ نتائجِ التعلمِ واختيارِ الموادِ التعليميةِ المناسبةِ وتطويرِ المناهجِ التي تعززُ التعلمَ المتمحورَ حولَ الطالبِ. ونظرا للدورِ المتزايدِ للتكنولوجيا في التعليمِ، يفضلَ أنْ يتمَ التركيزُ على تطويرِ أعضاءِ هيئةِ التدريسِ وتزويدهمْ بالمهاراتِ اللازمةِ لدمجِ الأدواتِ الرقميةِ والمنصاتِ عبرَ الإنترنت والتكنولوجيا التعليميةِ بشكلٍ فعالٍ في ممارساتِ التدريسِ الخاصةِ بهمْ. وهذهِ المشكلةُ سهلةً الحلِ خاصةً بوجودِ كوادرَ شبابيةٍ في الجامعاتِ العراقيةِ لديهمْ الإمكاناتُ التقنيةُ القابلةُ للتطويرِ.

رابعا: متطلباتُ التوحيدِ والموائمةِ. يشيرُ " الافتقارُ إلى التوحيدِ القياسيِ " إلى عدمِ وجودٍ أوْ نقصٍ في القواعدِ أوْ الإرشاداتِ أوْ الممارساتِ الموحدةِ أوْ المتسقةِ أوْ المقبولةِ على نطاقٍ واسعٍ في سياقِ النظامِ التعليميِ في العراقِ، مما قدْ يؤدي إلى العديدِ منْ التحدياتِ والشكوكِ. في إمكانيةِ تطبيقِ المسارِ، إذْ يمكنُ أنْ يؤديَ الافتقارُ إلى التوحيدِ القياسيِ بينَ الجامعاتِ على مستوى المناهجِ والنظامِ التعليميِ إلى الارتباكِ وعدمِ الكفاءةِ وعدمِ الاتساقِ وصعوباتٍ في الإدارةِ والتنظيمِ. وعلى المستوى المحليِ يمكنُ أنْ نفهمَ معنى التباينِ على سبيلِ المثالِ في معدلاتِ القبولِ في الجامعاتِ العراقيةِ. إذْ تتبعُ وزارةَ التعليمِ العالي تقويمٌ رقميٌ يمثلُ الحدودَ الدنيا لمعدلاتِ القبولِ في الكلياتِ والأقسامِ. بحيثُ يكونُ هناكَ فارقُ بينَ جامعةِ وأخرى بمعدلِ القبولِ للأقسامِ المتناظرةِ. وهذا الأمرُ سوفَ يفرغُ أهمَ هدفِ منْ أهدافِ مسارِ بولونيا منْ محتواهُ ألا وهوَ حريةُ تنقلِ الطلابِ بينَ الجامعاتِ. بالتالي سوفَ تجدُ الوزارةُ نفسها مجبرةً على توحيدٍ في معدلاتِ القبولِ أوْ الذهابِ إلى طريقِ آخر وهوَ إلغاءُ معدلِ القبولِ والتحولِ إلى نمطِ التقديمِ المباشرِ واجتيازِ اختبارِ قبولٍ على مستوى الكلياتِ والأقسامِ. وهذا بحدِ ذاتهِ أمرَ بحاجةِ إلى مراجعةٍ وتدقيقٍ في ظلِ وجودِ ثقافةٍ مجتمعيةٍ تدفعُ باتجاهِ تخصصاتٍ بعينها دونَ سواها. كما أنَ التوحيدَ على مستوى المناهجِ والمقرراتِ معضلةً أخرى قدْ تواجهُ الجامعاتُ العراقيةُ عندَ الرغبةِ في تطبيقِ المسارِ التعليميِ. إذْ تراجعتْ جودةَ ورصانةَ المناهجِ والمقرراتِ التعليميةِ بعدَ أنْ شاعتْ فلسفةً (الملزمةَ) التي يقررُ التدريسيُ استخدامها والتي قدْ تختلفُ كليا أوْ جزئيا معَ المنهجِ والمقررِ لأستاذٍ آخرَ في جامعةٍ أخرى. بالتالي سوفَ تكونُ فكرةُ التنقلِ على أساسِ حسابِ جهدِ الطالبِ وعددِ الساعاتِ التراكميةِ في موضوعٍ معينٍ غيرِ ذاتِ قيمةٍ لأنها قدْ تختلفُ ما بينَ منهجينِ.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: حدثنا نور زهير!!

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

فشل المشروع الطائفي في العراق

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

 علي حسين إذا افترضا أن لا شيء في السياسة يحدث بالمصادفة، فإنه يفترض أن نوجه تحية كبيرة للذين يقفون وراء كوميديا نور زهير الساخرة ، فبعد أن خرج علينا صاحب سرقة القرن بكامل...
علي حسين

باليت المدى: الرجل الذي جعلني سعيداً

 ستار كاووش كل إبداع يحتاج الى شيء من الجنون، وحين يمتزج هذا الجنون ببعض الخيال فستكون النتيجة مذهلة. كما فعل الفنان جاي برونيه الذي أثبتَ ان الفن الجميل ينبع من روح الانسان، والابداع...
ستار كاووش

صحيفة بريطانية: قائد اركان الجيش الأمريكي يزور دولتين عربيتين لاقامة "تحالف" ضد ايران

متابعة/ المدى كشفت صحيفة تريبيون البريطانية، اليوم السبت، عن وصول قائد اركان الجيش الأمريكي الجرنال سي كي براون بزيارة غير معلنة الى الأردن لبحث إقامة "تحالف إقليمي" لحماية إسرائيل.  وذكرت الصحيفة، ان القائد الأمريكي...

كلاكيت: ألان ديلون منحه الطليان شهرته وأهملته هوليوود

 علاء المفرجي في منتصف السبعينيات شاهدت فيلمه (رجلان في مأزق) وهو الاسم التجاري له، في سينما النجوم في بغداد، وكان من إخراج خوسيه جيوفاني، ولا يمكن لي أن انسى المشهد الذي يوقظه فيه فجرا...
علاء المفرجي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram