عبدالله السكوتي يحكى ان احد سلاطين آل عثمان بلغه وجود كثير من المتشردين ينامون في الشوارع وهم عاجزون عن العمل، فاصدر امرا بجمعهم وايداعهم في مبنى اطلق عليه اسم (التنبلخانه )، وتتكلف الحكومة باعالتهم، وكان كل مايفعله التنابلة انهم يأكلون وينامون،
ومرت على هذه الحال سنين عديدة، ثم حصلت ضائقة مالية حدت بالحكومة الى اغلاق (التنبلخانه) واخراج من فيها، فخرج منهم من خرج، وبقي منهم 20 تنبلا ابوا الخروج، فأمر السلطان برميهم في النهر، وشحنهم رجال الشرطة بعربة وسارت متجهة الى النهر. وفي الطريق لفت منظرهم المزري نظر احد التجار، فسأل عنهم، فلما علم بقصتهم تألّم لحالهم، وقرر ان يأخذهم الى خان عنده ويطعمهم من الخبز المتروك هناك، فقال لمسؤول الشرطة المكلف بهم: لاحاجة لرميهم في النهر، يوجد عندي الكثير من الخبز اليابس، اتركهم عندي، وهنا رفع احد التنابلة رأسه وقال للتاجر: (التنكيع عليمن؟) فقال له التاجر:(عليكم غير)، فصرخ التنبل بسائق العربة:( سوك عيني سوك كبل للشط). هالني منظر عجيب وانا جالس اخط على التراب بعضا مما افكر فيه، لقد رأيت طوابير النمل المنتظمة، تسير على ممر واحد، ورغم السرعة التي كانت تنجز عملها بها، لم ار نملة اصطدمت باخرى، ولا واحدة سلبت اختها جلب شعيرة، انه نظام يستحق التقدير، واحالني هذا الموضوع الى الحيوانات الصغيرة جدا والتي تدعى شعبة البدائيات، كيف تحصل على قوتها، وعدت الى العصافير التي تنتظر ان افتح الباب يوميا لاتناول فطوري في الحديقة وهي من حولي تتراقص، حتى اتفرغ لها واطعمها بعض (لب الصمون)، وهي حذرة جدا لانها وبحسب غريزتها تعلم ان الانسان لايمكن ان يعطي شيئا بلا مقابل، وذكرني حذرها الشديد والذي اسماه جبران خليل جبران في قصيدة (اعطني الناي وغنّي) جبنا، وانا اسميه حذرا، حيث قال: وفي الزرازير جبن وهي طائرة وفي النسور شموخ وهي تحتضر وذكرني انها ضبطت ساعتها على وقت فطوري، بحسب نظرية بافلوف (الاستجابة والمثير)، فقد اتى هذا الرجل بكلب، وبدأ يضع الطعام له يوميا بوقت محدد وقرن ذلك باشارة من مصباح صغير وضعه قربه، فكان حين يرى الطعام يشتعل المصباح ويسيل لعاب الكلب للطعام والنور معا، حتى اذا قطع عنه الطعام لبعض الوقت واكتفى باشعال المصباح، سال لعاب الكلب لذلك. لست اريد شيئا مستحيلا بهذه المقدمة العريضة الطويلة سوى تذكير البعض، بأنهم يمتلكون صفات لا تمتلكها الحيوانات المتطورة ولا البدائيات، لكن تلك تسعى للحصول على قوتها، حتى اذا رأت ان احدا يقدّم لها الطعام اخذها الحذر لئلا يكون صيادا، فلماذا يقبل الانسان ذو العقل المتطور والخلايا الدماغية التي تربو على المليارات، ان يعيش عالة على غيره؟لقد اتاح التغيير لكثير من محبي السلطة الاتكاء على كراس مزركشة وجميلة، وبهيئات لطيفة ؛ لكنهم للاسف بلا عمل، و بنية الدولة كمؤسسات مليئة بالعاطلين والتنابلة وبمرتبات مخيفة، وهذا لم يأت بمفرده وانما كان نتيجة لنفوذ بعض الاحزاب، والتي استحدثت مناصب فصّلتها على مقاسات اعضائها، وهذا ايضا من ارهاصات المحاصصة التي اعطت الحرية كاملة ان يأتي كل حزب او كتلة بما مسموح له من اعداد، ولما كانت المناصب لاتكفي هذه الاعداد الهائلة، لجأت المحاصصة طبعا إلى التفتيش عن مسميات تقنع هذا وذاك. ومن الطبيعي ان تكون هذه الاجراءات التي استحدثت وظائف واستحدثت لها موظفين، جزءا من عملية اقناع بعض الاحزاب للدخول في العملية السياسية. سرحت في تفكير عميق مع تنابلة السلطان، وشكرت السلطان العثماني على رميهم في النهر، وكذلك فكرت مع نفسي ان تنابلة السلطان كانوا اكثر صدقا من تنابلة الان الذين يضعون قناع العمل على وجوههم، وفكرت ايضا وبلا ملل كم من الذين يستحقون الرمي في النهر يعيشون بيننا؟
هواء فـي شبك :(تنابلة السلطان)
نشر في: 18 أغسطس, 2010: 09:55 م