اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > (منازل العطراني)... الانفتاح على أفق التجربة

(منازل العطراني)... الانفتاح على أفق التجربة

نشر في: 9 سبتمبر, 2023: 11:13 م

علوان السلمان

النص السردي في (منازل العطراني) للكاتب جمال العتابي، يقوم على اقتناص الأحداث الواقعية وبلورتها وتحويرها لكينونة لغوية تحيلها من الواقعي إلى الجماليّ، في اطار بنية سردية مستفزة للذاكرة . .ابتداء من الايقونة العنوانية والعلامة السيميائيةالدالة والعتبة الموازية..

المفسرة للنص كما يرى رولان بارت، ومكتنزة بوظائفها المناطة باشتغالاتها(الدلالية والتأويلية والثقافية والاخبارية) .. وفق معيار حكائي مع تركيز على النوازع الحسية.. فضلا عن تميزها بتنوع مضامينها الاجتماعية والنفسية والعاطفية والسياسية،مع اعتماد التقصي والاستقراء في معالجة الحدث..اضافة الى انها تكشف عن خطاب اتصالي يثير الانفعال ويستفز الذاكرة عبر وحدة عضوية تشكل نسقا جماليا متداخلا والفعل السردي والاستدلالي.. مع تنوع بنيته القائمة على ثيمات حكائية منتزعة من الواقع :

(النجوم الشفيفة كانت تضىء له الطريق فتسلل الى اطراف المدينة...كان الهواء باردا يحمل رطوبة طين الازقة..يساقط رذاذه على وجهه..البرد يسري في مسامه سريان البرق في الظلمة..ظل مثقل الراس..مخدر الحواس في حين بدأ الليل يوغل في النعاس بينما بسأل احد المارة ليدله الى بيت(زامل) مدركا منذ البدء مروءة الرجل المكافح المؤتمن على السر..افتتانه بقوة جسده النادرة التي لاتحتاج الى اختبار في اليوم الصعب..لحظةاقترابه من عتبة المنزل كانت هناك بقايا ذكريات تنبعث كالحلم المستحيل من بين شقوق الارض والجدران المغبرة..تتسرب العيون من خلف الباب المقفل..تتسربل قدماه المترددتان فوق الدكات الاولى برنين صوت زامل وصلوات كريمته(تينة)فيرتفع وقع انفاس(محمد)كلما اجتاحته رأفة اشباح الذاكرة..اصوات مدوية في رأسه تبعث في اوصاله رعشة خوف واخرى تتراوح بين الخوف من هذه البداية واشباح قادمة في المجهول..) ص16..

النص ينطوي على افقين مترابطين:اولهما افق التجربة الذي يتجه مشيرا الى ما مضى من الزمن مكتسبا صياغة تصويرية تنقل تتابع الاحداث، وثانيهما: افق التوقع المستقبلي وفق منظور ذاتي.فضلا عن انه يطرح افقا متجاوزا بتفجيراته الدرامية المرتكزة على تقنيات فنية امتدت على امتداد الجسد النصي.

فدلالة السرد ينطلق من رؤية المنتج المحصورة بين التذكر والتعلق بالماضي وبين تصوير الواقع وتفصيل حوادثه باقسامهاالتي تمحورت حول شخصيتها الرئيسة (محمد) التي تهيمن على السرد الروائي وتجعل منها رواية سيرة .. فالشخصيات ( صالح كيطان ـ زهرة ـ عصام ـ زامل ـ ناصرـ جبرـ مينة ـ عويدـ فطيم ..) كلها مرتبطة به والحدث الروائي يدور حوله بالرغم من تنوع المنظور السردي الذي يدلل على تقنية روائية بتعدد زوايا السرد التي شكلت سمة فنية من سمات الرواية ..هذا يعني ان المنتج(السارد) يولي المنظور السردي عنايته بالاستعانة بالوصف حينا والمعلومات التاريخية حينا آخر ..بلغة منبثقة بفنية وعذوبة تعبيرية تنطلق من رحاب بساطتها التي تندرج على طبيعة الحدث وتشكل روايته .. وفي هذا توكيد الوحدة العضوية في البنائية الفنية ....كون حركة الواقع في تقدمها شكلت الحوافز الجوهرية في تطور البنية الجمالية الحكائية.. بقيام المنتج سرد مواقفه بلغة مباشرة تحقق الوعي الخارجي للشخصية وهذا ناتج عن افتقاره الى بعد داخلي نفسي.. ولهذا السبب اعتمد السارد وصف الشخصية من الخارج، مند دون اللجوء الى المونولوج الداخلي، الكاتب هو الحاضر في السرد وليست الشخصية..

النص يمازج بين نسقين فنيين:اولهما النسق الواقعي..وثانيهما النسق التخييلي.. وهو ينتظم بخط متناسق يقوم على درامية عبر انعكاسات الذات المتحركة داخل نسيجه الحدثي وانساقه التي تتجلى فيها التحولات السردية..عبر لغة محكية وتقنيات فنية اسهمت في تحريك السرد وتناميه.. من خلال توخي الايجاز وعمق المعنى الكاشف عن تصوراته واحتواء عوالمه وتفاعله معها بشكل فني جاذب.. فضلا عن هيمنة الذاكرة التي تزيح الرؤية البصرية لتحقيق الرؤية الذهنية.. التخييلية بتوظيف طاقة لغوية متفجرة كاشفة عن قدرة المنتج(السارد) على شحن الالفاظ بدلالات غير مألوفة من اجل التحليق في افق المشهد من خلال بنية نصية تعتمد التكثيف والايجاز والاختزال، مع مفارقة اسلوبية ادهاشية.. فضلا عن خلقه عالما متميزا بالثنائيات التقابلية داخل البنية المجتمعية بوعي معرفي وجمالي وتوظيف جمل تحمل بين طياتها افعالا متحركة اسهمت في تسريع السرد..كالشعر : السجن ليس لنا نحن الاباة السجن للظالمين الطغاة

وقوله:

يموت الشجر بجانب البئر عطشا لكنه لا ينحني ابدا لطلب الماء /ص7

والاهزوجة(هوه بلنده وحسه هنا)ص23..والمثل(الفاس وقع بالراس) ص6..

(اتذكر تلك اللحظة المجنونة حين زاحمني الحصان الذي يجر عربة النفط مندفعا بسرعة من جراء سياط صاحب العربة التي الهبت ظهره..كادت عجلاتها ان تسحقني لكن سيقان الحصان رمتني ودراجتي على الرصيف..تلمست رأسي حالا شعرت بالاطمئنان انه لم يصب بأذى..تجمع الناس من حولي واسرع صاحب العربة الي..لااستطيع ان اروي ما قال لكنه كان يبكي ويلطم الوجه..اتذكر انه ظل يتوسل لنقلي الى المشفى..وتلقى المزيد من شتائم المارة..امتنعت بشدة عن تسجيل شكوى ضده في مركز الشرطة..راح غير مصدق..لا اعرف اسمه ولا عنوانه..) ص38

فالمنتج(السارد) يصوراللحظة السردية المكتنزة والمترعة بالجمال بلغة قادرة على التعبير والايحاء.. بانتقاء الالفاظ البعيدة عن الضبابية والتقعر.. المشحونة بالالم ليرسمها على نافذة ادراك متلقيها فيتأملها محركا خزانته الفكرية شاغلا لها بالتحليل والتاويل..اضافة الى تميزها بدفقها الشعوري وتجذرها في الاجتماعي والسياسي مع تجاوز القوالب المتوارثة وكسر رتابة الحياة والواقع بخطوط سردية متوهجة..قابضة على اللحظة بسيميائيتهاالدلالية والجمالية مع توحدها والمنظور السردي والالتقاط المشهدي.. فضلا عن تعدد المستويات الوصفية (وصف الامكنة ووصف الطبيعة..)..

وبذلك قدم المنتج عملا فنيا لا ينقل السرد التاريخي وانما ينقل تصورات المنتج له..فضلا عن التداخل الاجناسي بين فنين متباينين سرديا(السرد الروائي والسيريالذاتي) وهذا ما تكشف عنه الموجهات النصية(الشخصية والحدث والزمكانية..) .وهو يقترب من الوعي الموضوعي للواقع الذي يصوره..كونه يعي طبيعة المتناقضات والصراعات في واقعه.. فكان مساهما في الوعي الاجتماعي والاقتصادي..وكانت(منازل العطراني) متميزة بسرديتها التي تفتح افق تجربة فرشت روحها على الحكي.. فشخوصها ترتبط بواقعها من خلال ارتباطها بمجتمعها ..وهي تؤكد حضورها وخصوصيتها بالرغم من تداخل مقاطعها وتقاطعاتها.. وضمن هذه البنية السردية يستحضر المنتج الهم الشعبي بلغة محكية .. تتوظف داخل السرد في وصف طبيعة العلاقات وطبيعة الصراعات القائمة داخل المجتمع فيبرز الكاتب قدرته كسارد يحكي واقعا ببراعة في التقاط الواقع الاجتماعي للكشف عن دواخل الشخصية المتناقضة والوعي الذي تمتلكه.. لذا كان وصف الواقع والشخوص مجموعة من التداخلات استطاع السارد ان ياخذ مادة حكاياته منها ويشكلها ويركبها بطريقته الخاصة محافظا بقدرته على نقد الواقع ومحاولة تجاوزه.. بتحريك الاشخاص من الخارج وتحكمه فيها تحكما تاما..مما جعل مشاهده متميزة بتسجيليتها والتقاطها اللحظة العيانية بواقعية مباشرة .... ويكسبهاشفافية وقدرة على بحث الواقع ضمن تناقضاته ..فكانت (منازل العطراني) قريبة من الوعي الموضوعي للواقع الذي تصوره..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram