اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > إستدراج المغفلين

إستدراج المغفلين

نشر في: 17 سبتمبر, 2023: 11:38 م

فرات المحسن

مقولة القانون لا يحمي المغفلين اختلف في توصيفها وتفسيرها العديد، وأثير حولها جدل واسع. ولكن القضاء تدارك الأمر وصحح القول وفنده بقوة القانون وحمايته، وأفصح عن كون الجميع دون استثناء، إن كانوا مغفلين أو من ذوي علم، لهم الحق بالحماية واسترداد الحقوق.

ولكن المقولة وبمرور الزمن أخذت طابع الثبات فباتت تستخدم ويتداولها الكثيرون، وعدت حكمة يؤخذ بها كدالة على غفلة البعض وعدم تبصرهم، ليقعوا في النهاية جراء أوهامهم وتصرفاتهم الطائشة وغير العقلانية وبغفلة منهم، تحت طائلة المصائب والمساءلة. وبنوع من الخداع والتمويه البائس وضع البعض معادلا غيبيا لهذه الغفلة، ليواسوا المغفل ليس إلا، وليتجاوز محنته بمساعدة ينالها من رب رحيم للحصول على مبتغاه أو حقوقه، فيضعونه حيث موضع التمنيات الغيبية فيقال، للغافلين رب يرعاهم ويأخذ لهم حقوقهم المستلبة، وهنا رميت الغفلة وصاحبها ونتائجها نحو دهاليز الغيب.

ولكن هل الغفلة فقط معادل لغباء أو سهو شخص لايملك الفطنة والتبصر، فيقع في الطامة التي تسبب له المشاكل والإيذاء الجسدي والنفسي.أم هناك أشياء أخرى تكمن في البعد الذاتي للشخص نفسه، من مثل حب الذات وتهويل الملكات وهناك ما هو أبعد من ذلك التوصيف؟

فبعض الشخصيات وبعد أن يتلبسها الغرور والإحساس بالنفوذ والقوة وهوس العظمة جراء تضخم الذات. يصابون بعمى البصيرة وانغلاق التفكير. وغالبا ما تصاب بهذا، الشخصيات التي تتربع مواقع المسؤولية، ويسمى هذا العيب بمرض النفاخ " Megalomanie " حيث يبالغ المرء بتضخيم ذاته، ويفرط في أعطاء نفسه قدرات مبالغا فيها حد التخمة، ويمنح نفسه ألقاب بطولة، وصنع خوارق ومنجزات يلامس في البعض منها الخرافة. وتسيطر عليه أوهام العظمة والجبروت.

يغذي هذا النفاخ والتضخم الذاتي لدى المسؤول، حاشيه من المحيطين، ومن خلال عمليات تراكمية من التمجيد والتهليل والتطبيل، تغذي نرجسيته، فيصاب المسؤول جراء هذا بوهم مرضي، يدفعه بسبب تضخم أناه، للاعتقاد الجازم والحازم بقدراته الكلية الخارقة، وتفوقه على الآخرين وامتلاكه للذكاء الخارق، ونفاذ البصيرة، ورؤية ثاقبة وحكيمة لجميع المشاكل والمعضلات، وفي ذات الوقت امتلاكه الجازم لحلولها، حينها يصبح أسير ذاته العليلة المفرطة بالنرجسية.

جراء هذه الذهنية المركبة المعقدة يكتسب المسؤول خاصية فريدة من التعصب والتفرد بالرأي وعدم المرونة، ويمتنع عن النظر للأمور من جوانبها المتعددة ويبقيها عند مستوى ما يختمر في تفكيره. ويقف متصلبا برأيه دون محاولة البحث في الخصائص النوعية لكل حالة تواجهه أو تعترض طريقه. وتختفي النظرة العقلانية لتحل بدلها طرق أحادية لحلول يبتكرها من عقله المريض. هذا القصور الذهني المرافق لتضخم الأنا، يدفعه ليكون شخصية فريدة ومتفردة وحمقاء من السهولة خداعها وتضليلها واستدراجها واقتيادها لمواقع القتل، حيث يسهل اصطياده وسحبه لحومة ارتكاب الأخطاء والموبقات، بشكل فج وفادح ومجاني. ويأتي كل ذلك من خلال جرح نرجسيته ومشاكسته وإثارة انفعالاته، وهنا يتم دفعه نحو مواقع الغطرسة والتصلب.، ليفصح عندها عن مقدار هشاشته وضعف شخصيته وطيشه وعدم اتزانه، وعندها تحل لحظة الحسم حين تبدأ ردود فعله الطائشة البعيدة عن التبصر والحكمة وبنزوات منفلتة عجولة دون فطنة ودراية. وبسبب هذا الطيش تسهل عملية استدراجه لمواقع يبدو من خلالها وكأنه صيد سهل يقاد لينفذ ما أريد له تنفيذه، حسب خيار أعدائه وتوجهات خططهم، وليسهل عليهم حينها اقتياده بسبب ضياع عقلانيته وانهيار تفكيره، إلى حيث مواقع استنزاف قواه وفي نهاية المطاف يسهل القضاء عليه.

درجت معاهد الدراسات والبحوث الغربية وبالذات العسكرية منها على وضع استراتيجيات بعيدة المدى للحصول على المعلومات الكاملة وبجداول وتواصيف دقيقة تتجدد دوريا، عن حياة جميع قادة العالم ورجال الدولة السياسيين والعسكريين منهم، حيث يوضع جميع هؤلاء كشخوص مختارة فوق طاولة التشريح، وتدرج صفاتهم ونوازعهم الشخصية وسير حياتهم ورغباتهم حتى الجنسية منها وعلاقاتهم الاجتماعية وطرق تفكيرهم وهواياتهم وسلوكهم اليومي ومستوى ذكائهم وانفعالهم وردود أفعالهم وقدراتهم على التركيز ومعالجة الأمور الطارئة. أي وبالمعنى الكامل للدراسة، جميع الخصائص النفسية والجسدية لهؤلاء.

مثل هذه المعلومات تتيح معرفة السلوك الشخصي وردود فعل هذا أو ذاك المسؤول في حالة المواجهة أو حدوث أزمات. ومن خلال تلك المعلومات تتقرر الكيفية التي يعامل بها وحسب حجم مسؤوليته، عبر ما يقدم له من إثارة أو تهدئة أو تطمين.

وتعتبر مثل تلك البحوث والدراسات أحد أهم انشغالات رجال السياسة والقرار في العالم الغربي، واستخدمت مع العديد من شخصيات ورجال سياسة وقادة دول. حيث انتفعت الإدارة الأمريكية والغربية من هذه المعلومات والبحوث في اتخاذ العديد من القرارات ووضعت العديد من الخطط لاستدراج تلك الشخصيات ودفعها لاتخاذ مواقف تصب في النهاية لصالح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها،أولتخريب المؤسسات بل الدول التي يقودها هؤلاء وتغيير بوصلة ردود فعلهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: إنهم يصفقون !!

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

السيستاني والقوائم الانتخابية.. ردٌ على افتراء

العمودالثامن: إنهم يصفقون !!

 علي حسين كان الشاعر الزهاوي معروف بحبه للفكاهة والظرافة، وقد اعتاد أن يأخذ من زوجته صباح كل يوم نقوداً قبل أن يذهب إلى المقهى، ويحرص على أن تكون النقود "خردة" تضعها له الزوجة...
علي حسين

باليت المدى: على أريكة المتحف

 ستار كاووش ساعات النهار تمضي وسط قاعات متحف قصر الفنون في مدينة ليل، وأنا أتنقل بين اللوحات الملونة كمن يتنقل بين حدائق مليئة بالزهور، حتى وصلتُ الى صالة زاخرة بأعمال فناني القرن التاسع...
ستار كاووش

ماذا وراء التعجيل بإعلان " خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!!

د. كاظم المقدادي (3)ميزانية بائسةبعد جهود مضنية، دامت عامين، خصص مجلس الوزراء مبلغاً بائساً لتنفيذ البرنامج الوطني لإزالة التلوث الإشعاعي في عموم البلاد، وقال مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع في اَذار2023 إن وزارة...
د. كاظم المقدادي

السيستاني والقوائم الانتخابية.. ردٌ على افتراء

غالب حسن الشابندر منذ أن بدأت لعبة الديمقراطية في العراق بعد التغيير الحاصل سنة 2003 على يد قوات التحالف الدولي حيث أطيح بديكتاتورية صدام حسين ومكتب سماحة المرجع يؤكد مراراُ وتكراراً إن المرجع مع...
غالب حسن الشابندر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram