رزاق عداي
اليابانيون الذين أصبحوا مصدر إلهام الى كل تجارب النهوض في شرق اسيا، كما يثير تقدمهم كل العالم حول سر قدرات هذا الشعب العملاق الذي تفوق تفوقا ستراتيجيا منذ أواخر القرن التاسع عشر (في عهد الامبراطور ميجي)، كيف استطاع اليابانيون الذين عاشوا في عزلة عن العالم الخارجي زمنا، في جزر فقيرة الموارد الطبيعية، ان يصبحوا اكبر مجموعة بشرية في العالم تتسم بالوحدة والتجانس الثقافي بدرجة فريدة؟
اليابانيون يعتقدون ان الفساد وباء وبيل يصيب الامم فينخرها، لذلك يعاقب قادتهم السياسيين اشد العقاب لاية جريمة فساد مهما كانت بسيطة وهينة،,, يعتقد بعض دارسي الاقتصاد وهذا شان استثنائي ان احد اسباب التقدم الياباني بعيدا عن ندرة توفر عناصر الانتاج هو العلمانية قي المجتمع الياباني والتي هي نتاج الفلسفة الكونفوشسية التي وفدت اليهم من موطنها في الصين قبل بضعة قرون من انطلاق النهضة، وتتلخص هذه الفلسفة (احيانا تصنف كدين وضعي) في التاْكيد على النظام العقلاني للطبيعة والذي يكون فية الانسان منسجما، كما تؤكد على قواعد اخلاقية صارمة ورفيعة من دون الوهة ولا عالم اخر، مع قليل من الطقوس، في مقدمتها الولاء للوطن، لقد نهضت اليابان على اسس ثقافية تكاد تكون مخالفة للمسلمات الثقافية الغربية، فهذا المعطى يحيل على اهمية استصحاب البعد الثقافي في التفسير والتحليل داخل هذه التجربة في مستويين " الاول: ان هناك انماط سلوكية عامة تؤثر في طبيعة التنمية بمفهومها الحضاري والاخلاقي وطبيعة اهدافها النهائية، والثاني: ان ادراك شرط انسجام التنمية مع المناخ الثقافي امر حيوي، هذه الملائمة هي التي تضمن النجاح على المدي البعيد.
اذاً لم تتاْسس النهضة اليابانية بتدمير البنى التقليدية او عبر التخلي عن القيم الثقافية الخاصة، بل على العكس جرى توظيفها وتفعيلها في بناء اسس النهوض، فالافراد وانتاجيتهم والمال وطرق استثماره، والتقنية وفن استعمالها، والتعليم ومدي عمقه وشموله، والقانون والارتياح اليه، والقدرة على إنفاذه، هذه العوامل كلها تستنشق اْثيراً ثقافياً يوجه عمليتي التفكير والترابط اللذين تسمحان بالوجود المجتمعي اصلاً وترشد فعل النهضة الحضاري.
اعود الى العراق وساسته الفاسدين، ما بال الذي تبؤا الحكم لفترة وجيزة ونهبوا ما استطاعوا اليه سبيلا، وكلهم يدعون الفضلية وعلى جباههم سمات مصطنعة ينهبون البلد ويذهبون الى بلاد الغرب الكافر، ويعيشون منعمين وترسل اليهم المرتبات الفلكية كمكافأة لفسادهم، وزراء ونواب رؤساء، ونواب برلمان، كلهم يدعون الفضيلة، وفوق كل هذا يريدون الجنة في العالم الاّخر، اما أتعس انواع ثقافة الفساد هو لما تنطلق فتوى بعض فقهاء الدين، وهذا ما أعلنه احد رؤوساء هيئة النزاهة السابقين، يجيزون بها الفساد المؤطر، ويسمحون لكبار الفاسدين الاْخذ من المال العام بذريعة ان هذا المال هو مجهول المالك او ما يطلق عليه بالسائب بتفاسير تنتمي الى ماقبل الدولة الحديثة، مما يعني هدم مقومات الدولة، لما يصبح الفساد مستساغا اجتماعيا وطبيعياً بدلا من ان يكون مرفوضاً، ومتحولا الى ثقافة عامة وسلوك لقوى السلطة، فهذه الثقافة ساهمت في تعميق طبيعة الهيمنة على مؤسسات الدولة، لذلك لا يمكن النظر الى الاحزاب الحاكمة الا على انها مساحة فساد حتى في برامجها الانتخابية، وحين تحاول صبغ جميع الدولة وتفاصيلها بالفساد، وبالتالي تحول الفساد بحكم هذذه الرعاية من الاحزاب الى (دولة رديفة) هي من تتحكم من المفاصل، وبمجموعها تصبح دولة فساد مدججة بالساح والمنظرين وبمن يحميها. اذن الفساد يحتاج دائما الى الحاضنة الثقافية التي تقبله او تتماهى معه كسلوك مقبول او غير معترض علية، ففي العراق قبل بضعة عقود كانت الرشوة سلوك اخلاقي منبوذ ويشار الى من يمارسه بالخسة والدناءة، ولكن بعد حين عندما حصل تدمير للمنظومة القيمية انقلبت الاحوال تماما، فصار يشار الى الفساد او الارتشاء بانه نوع من التشاطر والفذلكة او ربما حتى ثقافة او تفوق ونجاح، وهذا بمجمله يعزى الى البيئة الثقافية وبوصلتها في تحديد مسارات السلوك وتوظيفها نحو مختلف الاتجاهات.