 المدى/ ذو الفقار المحمداوي

أفاد مصدر أمني في كركوك، ان شرطيا يبلغ من العمر 45 عاما أقدم على الانتحار بإطلاق النار على نفسه في ناحية "بايجي" (11 كم غرب كركوك) لأسباب مجهولة". حيث تشهد عدة محافظات خلال السنوات الأخيرة تصاعدا بحالات الانتحار بين الصبية والشباب لأسباب معيشية ونفسية أو مشاكل اجتماعية.

حالة كل كل 48 ساعة

ويقترب رابع اسباب الوفيات على مستوى العالم من صدارة مسببات الموت في العراق ويحتل المركز الخامس عربيا بعدد الحالات التي تجاوزت الالف حالة وفق منظمة الصحة العالمية، وهو رقم كبير جدا مقارنة بالسنوات الماضية.

وتقوم القوات الامنية بتكثيف الجهود في بعض الاماكن التي تحدث فيها حالات الانتحار لكون الامر أصبح ضرورة ملحة، اما الاسباب فقد تنوعت بين الاقتصادية والاجتماعية بحسب مواطنين.وبينما تحتفل منظمة الصحة العالمية في العاشر من أيلول باليوم العالمي لمنع الانتحار والتوعية بمخاطره، تشير التقديرات إلى حدوث أكثر من 700 ألف حالة انتحار سنويا.

وفي عام 2019 صنف الانتحار - رابع سبب للوفاة بين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 29 عاما على مستوى العالم، ولكنه قد يحدث أيضاً في أي مرحلة أخرى من مراحل العمر.

وتكشف أرقام الصحة العالمية، أن وفاة واحدة من 100 سببها الانتحار حول العالم، وهو ما يزيد معدلاته بين الذكور أكثر من الإناث، إذ يفقد شخص حياته كل 40 ثانية بسببه ما يسبب مآسي للأسر حول العالم.

وبلغة الأرقام، تتصدر ذي قار، محافظات العراق بالانتحار، إذ سجلت أكثر من 100 حالة ومحاولة انتحار منذ مطلع العام 2023 الحالي، ولغاية شهر أيلول الجاري.

أي أنه بقسمة 240 يوماً، على عدد الحالات المسجلة، يتضح أن هناك حالة أو محاولة انتحار تتم في المحافظة، كل 48 ساعة.

غموض مستقبل

نصيف الحميري بروفسور اختصاص الامراض النفسية يوضح لـ(المدى)، انه "وجدنا ان ثلثي حالات الانتحار هي بين اعمار الشباب التي تقل عن ٣٠ عاما، وهذه النسبة من المرضى النفسيين قليلة، اذ ان اقل من ربع حالات الانتحار كان لديهم تاريخ مرضي ويترددون على اطباء نفسيين او متناولين ادوية، بالتالي العامل الاجتماعي هو العامل الرئيسي، الفقر والبطالة خاصة في السنوات الاخيرة بسبب الضغوط على المجتمع العراقي نتيجة العنف والارهاب، إضافة الى التحولات العالمية، فضلا عن غموض المستقبل، وانعدام فرص العمل، فالقطاع الخاص معطل، وتعيينات الدولة محدودة، وهناك نقص في الخدمات، والمستقبل بالنسبة للشباب غير واضح". منوها الى ان "الكثير من الشباب كانوا يحاولون الهجرة الى أوروبا".

وعن المصحات النفسية في البلد يبين الحميري ان "الردهات النفسية موجودة ولكن بمستشفيات نفسية مستقلة، الا انها قليلة بالعراق، ولكن تقريبا في كل مستشفى كبير وخصوصا المستشفيات التعليمية توجد ردهة نفسية، فضلا عن العيادة خارجية، إضافة الى الاطباء وعياداتهم الخاصة، اذ بإمكانها ان تقدم لهم المساعدة المطلوبة رغم القلة في عدد الاطباء النفسيين وبعدد المعالجين النفسيين".

تثقيف

يؤكد البروفسور الحميري لـ(المدى)، ان "مسؤولية رفع الوصمة هي مسؤولية الجميع، والمؤسسات الصحية يجب ان تقدم خدمات على مستوى عالي، ومسؤولية الاعلام ان يعزز من الامور الايجابية والمساهمة في نشر الوعي النفسي، فضلا عن مسؤولية المدارس والجامعات، فمن الغريب ان معظم العراقيين يعترفون بان هناك مرضا نفسيا، لذلك غالبا ما يرددون (كلنا مرضى نفسيين)"، واضاف ان "هناك تحويلا من اطباء عضويين الى اطباء النفس مثلا الباطنية او الجراحة او غيرهم، وهؤلاء يحيلون مرضاهم الى الاطباء النفسيين". مؤكداً ان "عدد النساء يفوق عدد الرجال بسبب طبيعتهن الجسدية والضغوطات التي تمر بهن".

تعددت الأسباب

الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها العراق دفعت إلى انسداد أفق الجيل الشاب، ما رفع من نسب الانتحار وسط صمت السلطات العراقية التي لم تتوان عن فعل ما يلزم للحد من تلك الظاهرة التي شهدت ارتفاعاً كبيراً بعد عام 2003، وقد أعلن "المركز الستراتيجي لحقوق الإنسان" في العراق، تسجيل البلاد أعلى نسب انتحار في العام الماضي بمعدل حالتي انتحار يومياً، محدداً ثلاثة أسباب وراء تفشي هذه الظاهرة.

ونقل المكتب الإعلامي للمركز في بيان عن نائب رئيس المركز المحامي حازم الرديني قوله وتلقته (المدى)، إن "العراق سجل خلال العام الماضي 772 حالة بمعدل حالتي انتحار يومياً"، مؤكداً "تسجيل 700 محاولة خلال هذا العام لغاية الآن، في حين شهد عام 2020 تسجيل 663 حالة، وفي 2019 سجلت 605 حالات، و530 حالة عام 2018، وفي 2017 سجلت 462 وفي 2016 393 حالة".

وبحسب الرديني، فإن "تزايد هذه الظاهرة يعود إلى تفشي المخدرات والعنف الأسري والبطالة"، مشيراً إلى أن "70 في المئة من الحالات هم دون سن الـ30 وأغلبهم ليس لديهم أي تحصيل دراسي".وطالب الرديني "الحكومة بمعالجة الأسباب التي أدت إلى تفشي هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا من خلال القضاء على المخدرات ومعالجة البطالة والإسراع بتشريع قانون العنف الأسري".

نهايات مؤسفة

الشهر الماضي انقذت شرطة ميسان امرأة حاولت الانتحار برمي نفسها من أعلى جسر، اما في يوم امس الخميس، فقد سقطت شابة من فوق جسر للمشاة في مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق أمام جامعتها، مما أدى إلى مصرعها على الفور وانباء تشير الى ان الحادثة هي حالة للانتحار.

بينما افاد مصدر امني في محافظة ديالى، صباح يوم الجمعة، ان الاجهزة الامنية عثرت على فتاة في الصف السادس الإعدادي مشنوقة داخل منزلها في حي المفرق غربي بعقوبة.

بيان اخر لشرطة كربلاء افاد، يوم الجمعة، انه بعد ورود نداء من السيطرة المركزية بان هناك شاباً يبلغ من العمر 21 عاماً يحاول الانتحار من اعلى جسر الهندية القديم، على الفور توجهت مفرزة من الشرطة النهرية في القضاء الى مكان الحادث.

وذكر البيان أنه قبل وصول المفرزة قذف الشاب نفسه من اعلى الجسر وسرعان ما توجهت المفرزة الى مكان الحادث وتم انتشاله من نهر الهندية، وتبين انه قد اصيب برأسه نتيجة ارتطامه في الماء.بصورة عامة فإن الفئات العمرية الشابة بالعراق يسجل بينها ارتفاع في عدد حالات الانتحار، وهو ما يمكن رده لجملة عوامل مركبة أبرزها البطالة والفقر والقلق والكآبة وانسداد الآفاق، وترتبط بأسباب وخلفيات اقتصادية واجتماعية ونفسية وعاطفية وبيئية معقدة ومتداخلة.

وهو ما تفاقمه ضغوط الحياة المعاصرة وتحدياتها ومغرياتها التي تثقل كاهل بعض الشباب، ممن هم بطبيعتهم حساسون وحالمون ومندفعون، مما يدفعهم في لحظة يأس ما للإقدام على إنهاء حياتهم مع الأسف.

وسائل الانتحار

وتدفع عوامل مختلفة البعض إلى محاولة وضع حد لحياتهم، مثل الفقر والبطالة والاضطرابات النفسية والعنف المنزلي، والإصابة بالاكتئاب بسبب نوبة عارضة أو على خلفية مرض مزمن خطير. ويؤثر في هذه الظاهرة أيضا الوضع الاقتصادي السيئ والصعوبات المالية وما شابه.

الأرقام تشير إلى أن الرجال في البلدان الأكثر ثراء ينتحرون أكثر من النساء بثلاثة أضعاف، في حين أن هذه النسبة في البلدان الفقيرة أو المتوسطة تبلغ بين الذكور والإناث 1.5 إلى 1، في حين يمثل الانتحار 50% من جميع الوفيات الناجمة عن العنف بين الرجال و71% بين النساء.

ويعتبر أكثر أساليب الانتحار انتشارا باستخدام المواد الكيميائية السامة وبحبل المشنقة، وباستخدام الأسلحة النارية. والمؤسف أن التقارير تشير إلى أنه مقابل كل شخص يقتل نفسه بين البالغين، يقابله أكثر من 20 شخصا قام بمحاولة للانتحار.

ويؤكد خبراء وأكاديميون ان العراق سجل خلال الاعوام الماضية الثلاثة ستة بالمئة من حالات الانتحار لكل مئة ألف نسمة، ولكن الارقام ترتفع نتيجة المتغيرات التي تحدث في البلاد، وتتخذ الجهات الامنية جملة من التدابير، منها تشكيل لجان متخصصة لدراسة هذه الظاهرة والخروج بمعطيات تبين أسبابها ونسبتها مقارنة بدول الجوار.

نفق مظلم

وتطلق تحذيرات من تنامي المظاهر النفسية التي يمكن اعتبارها محفزة للانتحار من اضطرابات نفسية، مثل الاكتئاب والفصام والشخصية الحدية وما إلى ذلك نتيجة الظروف المحيطة من حروب ونزوح، وما ينجم عنها من أزمات، وهي موجودة بكثرة في معظم المجتمعات العربية، التي أصبحت نفقا مظلما لا نهاية له، ليكون إنهاء الحياة هو الحل، خاصة عند الشباب ذوي الطاقات العالية الذين يشعرون بالعجز والخوف من المستقبل.

الشهر الماضي في ديالى وبالتحديد في مدينة هبهب، انتحر طبيب اسنان لتسجل اخر حادثة انتحار تسجل خلال 2023 حتى الآن.

وفي 25 آب 2023، اعلنت منظمة حقوقية، عن تسجيل 37 محاولة انتحار خلال 2023 في محافظة ديالى، انتهت 46% منها بالوفاة، فيما تم افشال المحاولات الاخرى.

رئيس منظمة ديالى لحقوق الانسان طالب الخزرجي قال في حديث تابعته (المدى)، إن "الارقام الموثقة لدينا عن ظاهرة الانتحار في ديالى خلال العام الجاري 2023 تؤكد تسجيل 37 محاولة انتحار انتهت 17 منها بالوفاة بينها 12 للاناث و5 للذكور".

وأضاف، أن "20 محاولة انتحار تم انقاذها في اللحظات الاخيرة بينها 16 للاناث و4 للذكور"، لافتا الى انه "من خلال الارقام يظهر بان النساء يتصدرن مشهد الانتحار في ديالى خلال 2023".

يشار الى انه يمكن تلخيص اسباب الانتحار بـ4 رئيسية منها المشاكل الاسرية والطابع الاقتصادي والامراض النفسية، بالإضافة الى تأثير بعض المواقع والمنصات التي تكسر حاجز الخوف وتدفع البعض الى خيارات الانتحار رغم بشاعتها.