سيباستيان لو بيلزيتش

ترجمة: عدوية الهلالي

تهدد الانتخابات الرئاسية المقبلة بإحداث أزمة غير مسبوقة مع الصين. فالولايات المتحدة تعزز دعمها العسكري لتايبيه، وفي بكين، يتوعد الصقور بالحرب حيث تتجه طائرات J 16، أحدث طائرات الجيش الصيني المتطورة والمجهزة بصواريخ قصيرة المدى،

نحو الخط الأوسط، وهي حدود غير مرئية تفصل بين جانبي مضيق تايوان. وتفصل 180 كيلومترا و74 عاما من التوتر بين النظام الشيوعي في بكين والديمقراطية التايوانية الناشئة. وقبل أسبوع واحد فقط، كانت حوالي عشر طائرات من طراز J-16 ترافق قاذفات القنابل الشبح والطائرات بدون طيار وأسطول من السفن الحربية في "دورية قتالية"، كما يسميها النظام الشيوعي، إذ تتزايد الضغوط عليها مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في 13 كانون الثاني.

عندما استولى الشيوعيون على السلطة في البر الرئيسي للصين في عام 1949 وأنشأوا جمهورية الصين الشعبية، فر ما يقرب من مليون ونصف المليون صيني، فضلاً عن شيانج كاي شيك، الرئيس المهزوم، إلى جزيرة تايوان.. الصين الصغيرة، التي حكمت بقبضة من حديد من قبل النظام القومي الذي أصبح تدريجيا، منذ عام 1988، دولة ديمقراطية ولكن ليس دولة مستقلة. ولاتشكل جزيرة الحرية هذه التي يسكنها 23 مليون نسمة ثقلا كبيرا على التنين الصيني، فهي حجر في حديقة شي جين بينغ الذي وعد بإعادة التوحيد بكل الوسائل.

وفي خطاب متلفز رئيسي في عام 2018، أعلن الرئيس الصيني عن "سياسة جديدة تجاه تايوان"، ذلك إن "إعادة التوحيد" الذي يرغب فيه النظام الشيوعي لابد وأن يضع حداً لقرن من "الإذلال" على يد القوى الغربية. وفي موعد لا يتجاوز عام 2049، وبمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، سوف تعود تايوان إلى الوطن الأم.. وفي ما يزيد عن عام تقريبا، أجرت بكين مناورات عسكرية كبيرة ثلاث مرات لادامة حصار الجزيرة، والغزو، وضربات الصواريخ الباليستية. وفي كل يوم تقريبًا، تثير طائرات J 16 ذعر رادارات الجيش التايواني الذي يعد بالمقاومة بكل الوسائل.

وتوضح بوني جلاسر، المديرة التنفيذية لبرنامج المحيطين الهندي والهادي في صندوق مارشال الألماني في الولايات المتحدة قائلة: "إن الصين حريصة بشكل متزايد على توحيد تايوان". كما أنها تثق بشكل متزايد في قدرتها على القيام بذلك.

وما يجعل الوضع متفجراً إلى هذا الحد هو وجود طرف ثالث: "واشنطن". فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قطعت علاقاتها الدبلوماسية رسميًا مع تايبيه في عام 1979 من أجل الاعتراف ببكين كممثل وحيد للصين، إلا أنها تظل أقوى حليف لإقليم الجزيرة والمورد الرئيسي للأسلحة لها. ويشترط الكونجرس الأمريكي إمداد الجزيرة بالأسلحة من أجل ردع بكين عن غزو تايوان.

وقد فعلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، حتى الآن، ذلك من خلال المبيعات فقط، ولكن للمرة الأولى هذا الأسبوع، وافقت واشنطن على تقديم مساعدات عسكرية مباشرة لتايوان كجزء من حزمة مساعدات حكومية أجنبية، كما فعلت من قبل في أوكرانيا. وقال وو تشيان، المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية، خلال مؤتمر صحفي: "المساعدات الأمريكية والمبيعات العسكرية لتايوان لا تؤدي إلا إلى تغذية المجمع الصناعي العسكري الأمريكي بينما تضر بأمن ورفاهية مواطني تايوان".ويوضح جان بيير كابستان، الباحث في المركز الوطني للأبحاث العلمية وأستاذ العلوم السابق في هونغ كونغ، أن "هناك أكثر من ثلاثة آلاف مستشار من البنتاغون يذهبون إلى تايوان كل عام، وهذا يظهر بوضوح أن الولايات المتحدة تأخذ أمن تايوان على محمل الجد".

وإذا كانت هناك قضية واحدة يتفق عليها الديمقراطيون والجمهوريون الأميركيون، فهي ضرورة إنقاذ الجندي التايواني. وقال مايك ماكول، الرئيس الجمهوري للحزب الشيوعي الصيني، إن "هذه الأسلحة لن تساعد تايوان وتحمي الديمقراطيات الأخرى في المنطقة فحسب، بل ستعزز أيضًا موقف الردع للولايات المتحدة وتضمن أمنها القومي في مواجهة عدوان الحزب الشيوعي الصيني المتزايد". على الرغم من كونه منتقدًا كبيرًا لسياسة جو بايدن الخارجية. وللمرة الثانية خلال بضعة أشهر، تعترف إدارة بايدن بدعم تايوان. ففي تموز، وافق الرئيس الأمريكي في الواقع على مساعدات عسكرية بقيمة 345 مليون دولار تهدف إلى تعزيز "قدرات الدفاع المضادة للدروع والمضادة للطيران".

وفي هذا السياق تدخل تايوان مرحلة الحملة الرئاسية، إذ ظل تيري جو يواجه الجماهير كل يوم منذ الإعلان عن ترشيحه الرسمي فالملياردير، رئيس مجموعة فوكسكون، التي تقوم بشكل خاص بتجميع هواتف آيفون التي تحمل العلامة التجارية أبل، يؤمن بفرصه. ويضع الملقب بترامب التايواني،ثروته الهائلة في خدمة مصيره السياسي. فهويقول أيضًا "تايوان أولاً" ويريد استعادة الفخر للجزيرة القومية. وبرنامجه الانتخابي بسيط: "لا واشنطن ولا بكين. لا يجب أن تزعج أحداً بل تتحدث مع الجميع".

ويتفق الديمقراطيون والجمهوريون على ضرورة إنقاذ الجندي التايواني، إلا أن هذا الموقف أصبح متزايداً لدى الأقلية في تايوان، حيث تحول العلم الأبيض للوضع الراهن، والذي دعمته لفترة طويلة أغلبية من التايوانيين والصينيين، إلى قطعة قماش حمراء. فالانفصاليون آخذون في الصعود، بقيادة جيمي لاي الذي لا يتمتع بشخصية جذابة ولكنه يتمتع بشعبية كبيرة. وهولايتردد في التلفظ بالكلمات الغاضبة: "الاستقلال والسيادة"، ويتقدم بفارق كبير في صناديق الاقتراع.

وعبر المضيق، ينتصر التنين الصيني. ويعتقد النظام الشيوعي أن إعلان الاستقلال رسميًا سيؤدي إلى رد عسكري فوري وحرب وغزو للجزيرة. لكن شين بينغ لايكف عن الهتاف في خطاباته: "علينا أن نكسر قوى الاستقلال"، ويؤيده صقوره المخلصون بالتأكيد.

· كاتب ومحلل سياسي