علي حسين مثلما مرت بصمت ذكرى رحيل قامات العراق، الجواهري، علي الوردي، الأثري، ابو كاطع، لف الصمت والنسيان ذكرى رحيل ابن بغداد البار غائب طعمة فرمان، فقبل ايام مرت ذكرى رحيل صاحب النخلة والجيران وخمسة أصوات والقربان
والمخاض وآلام السيد معروف والكثير من قصص وروايات كانت ولا تزال السجل الحقيقي لنفوس اهالي بغداد، تقرا فيها أفراحهم ومسراتهم، أوجاعهم وأحلامهم. عشرون عاما مرت وغائب ينظر الى بغداد، بين الحزن على حلم تهاوى والاحتجاج الصارخ على ما يكسر الحلم..فكان دائما يصر على ان يكون صحيحا، وان يقول صحيحا، وان يكتب صحيحا، وان يكون صورة لمثقف الشعب ومرآة العقل والارادة يدافع عن المبادئ النقية ويظل نقيا يقاتل في معركة الحرية من دون ان يكترث للربح والخسارة..يمزج بين الحلم والحياة.. تكون الحياة مصدر الهامه ويكون الحلم صوت المستقبل الواعد. حمل غائب سنواته التي تعدت الستين ورحل بعيدا، لكن الذاكرة ظلت تجول في شوارع بغداد تصطاد حكايات العراقيين في الأربعينيات وأحلامهم في الخمسينيات وقلقهم في الستينيات وضياعهم في السبعينيات وبؤسهم في الثمانينيات وتشردهم في التسعينيات ونرى بغداد كلما تصفحنا إحدى رواياته،نشم عبقها وأريجها ونحس نبضها في ملامح ابطاله حين يهمسون وحين يصرخون وحين يضحكون..فنشعر أننا إزاء شخصية حملت في جوانحها كل افراح واو جاع وأحزان العراقيين.ينظر غائب اليوم الى بغداد فيرى شوارع لم يالفها ويرى نفسه غريبا ومغتربا وهو يفتش عن مجتمع دافئ ومكان أليف وزمن سوي يعترف بالإنسان والضحك وحرية اللسان وشقاوة الأصحاب وترف الأمسيات.. يسير غائب في شوارع بغداد ولا يعرف هو ولا نحن محبوه اين سينتهي المطاف بهذه المدينة التي يريد لها البعض ان تعيش زمن القرون الوسطى.. ونلمح ملامح وجهه المحبب الى النفس فنقرأ فيه الحزن على أيام مضت وأحلاماً ممتزجة بآمال العراقيين. ينظر غائب في حزن، وهو يرى عالماً أصبح فيه نكران الجميل هو لغة التفاهم ومفردات الحوار بين الناس. ينظر بعين الأسى الى عالم شرس كله قسوة وأوجاع.. متسائلا أين الوطن..أين الأحبة..والاهم اين الذين يتذكرون ان في هذه المدينة عاش وأحب وكتب رجل اسمه غائب طعمة فرمان يستحق منا شعبا وحكومة كل الاهتمام والوفاء والحب؟ في هذه المدينة عاش رجل كان جريئا وشجاعا سيكتب له ولذكراه البقاء والاستمرار.. في وقت تمر على بغداد هياكل سيكون مصيرها الزوال حتما.
العمود الثامن :بغداد تنكر أبناءها
نشر في: 20 أغسطس, 2010: 05:33 م