علي حسينحكمة مجربة، ممزوجة ببراءة، وهناك بالتأكيد عشرات الصفات الاخرى، التي كانت تشكل قوام شخصية الكاتب والسياسي و العراقي حد النخاع شمران الياسري ( ابو كاطع )، والتي هي مزيج من سجايا وخصال المثقف الوطني والمبدع المتمرد على ارصفة مقاهي الادب..
هكذا كنت ارسم صورة للمواطن الساخر ( ابو كاطع ) وانا اتابع عموده اليومي في صحيفة طريق الشعب، واخطو بخطوات متعثـرة في بلاط صاحبة الجلالة، وقتها شغفت بهذه الكتابات التي يغلفها صاحبها دائما بروح النكتة، وعرفت فيما بعد ان هذه الكتابات ما هي الادرس عن دور المثقف وعلاقته بالمجتمع...هذا التركيب الفريد الذي ضم بين عناصره عبقرية الكاتب ووطنية المثقف واحساس الفنان..هذا التركيب الفريد احتواه هو في عقله وروحه ليصبح شمران الياسري واحدا من الذين شكلوا وجداننا الثقافي وواحداً من القادرين في سطورهم على اختزال وتلخيص لحظات مهمة في حقبة زمنية كاملة..rnرجل شديد الاعتزاز بعراقيته..شديد الشبه بوطنه نافر ومتمرد وعنيد ورقيق وآسر وكريم وعاشق ومستوحد..شديد الشغف بانتمائة الى جذوره الريفية ..حين يكتب يصمت الجميع..كتاباته تأخذ شكل الاحكام..كلماته بمثابة سطور الحكمة في قصيدة شاعر لكنها على الرغم من اتخاذها شكل الاحكام فان المواطن شمران الياسري ينأى بها عن الاطلاق، وهو دائم الدخول والاشتباك في ساحات الحوار مع الجميع بصبر ودأب ورقة وحزم بحيث نستطيع ان نقول ان شمران الياسري اسس وابدع في علم الحوار الديمقراطي.صاحب كلمات خاصة جدا، كان قادرا طوال الوقت على التعبير عن مجمل التناقضات الاجتماعية والسياسية من حوله بحس شعبي عميق، وفي كل ماكتب كان متقنا ومجيدا ورائدا، عاصر ابو كاطع تحولات خطيرة ومراحل متقلبة كان ابرزها ثورة 14 تموز، وكان لديه انجذاب حقيقي للنماذج البشرية والشخصيات والتجارب الإنسانية التي تترسخ بها كل الصفات الشخصية العراقية بعناصرها الإيجابية والسلبية،وله قدرة على النفاذ إليها، ويفتش في أعماقها وأفكارها وأحلامها، أضاف للكتابة الساخرة حسه وقدرته على التقاط التناقض بين القول والفعل، الحلم والحقيقة، السلوك والإيجاز..ولعل سر نجاح شمران الياسري الابداعي أنه استقى المادة الأولية لكتاباته الساخرة من وقائع الحياة اليومية، بكل ما فيها من متناقضات ومفارقات عجيبة ومواقف تدعو إلى السخرية نتيجة الوضع الذي كان سائداً في العراق آنذاك، كما لجأ إلى الموروث الشعبي الذي يتضمن الأساطير والقصص الخيالية ووظفه توظيفاً متميزاً في كتاباته، واستطاع من خلاله إيصال ما يريد إلى القارئ بأسلوب ساخر.ومن يقرأ نتاجه يلمس بوضوح تدفق تلك اللغة الساخرة في كتاباته، ليس بهدف الضحك والامتاع، وإنما كشف الواقع المر بوعي ونضج وفضح المظاهر السلبية التي كانت منتشرة آنذاك والمتمثلة في الفساد والرشوة والمحسوبيات والظلم والطغيان، لنبذها ورفضها، لأنها مظاهر تزيد الفجوة ما بين طبقات المجتمع وتخلق الحقد والكراهية..‏ أما أبطال رواياته فهم من ذاك الواقع الذي كان يعيشه ويمثلون شريحتين أساسيتين في المجتمع هما : الطبقة المسحوقة، والطبقة المتنفذة التي تمتلك كل شيء، ومن خلال إجراء مقارنة ما بين الطبقتين كان يصل إلى صياغة مادة إبداعية بأسلوب ساخر.ولعل هذا الكاتب المبدع الذي احتلّ نتاجه مركز الصدارة في الكتابة الساخرة استطاع أن يحول حزنه، وحزن الناس و عذاباتهم ومراراتهم إلى قصص تثير الضحك، بقصد التغيير والثورة على الواقع السيئ الذي كان سائداً آنذاك، كل ذلك بأسلوب ساخر.ابو كاطع علمنا كثيرا عبر كتبه، فهو رائد دمج المفردة العامية بالفصحى في المقالة الصحافية، وأحد المهتمين بتبسيط القضايا السياسية المعقدة وصبها في مقالة يفهمها ابن الشارع قبل أن يفهمها المثقفون، مؤسسا بذلك مدرسة خاصة به تخرج فيها كثير من الصحافيين.ظل على مبدئه لم يحد عنه، كان يؤمن بالحرية المطلقة للصحافة، كان ليبرالي الفكر رغم انتمائه الحزبي.***rnازدحمت صحافتنا بنموذجين من الكتاب ..الاول اسير للقواعد الصارمة معني بالتوثيق على حساب المحتوى منشغل بداخله..علمه بضاعة..الكم عنده اولوية على النوع..والسير على المألوف علامته وطريقه في مخاطبة القراء اما النموذج الثاني فهو نموذج الصحفي المفكر صانع المعرفة مفجر الاسئلة، الدافع بالعقول الى اعادة الاكتشاف والبحث، عقلاني ومتمرد في ان واحد، يوائم بين عمله الصحفي وابداعه ككاتب، مثقف متحرر من القوالب الجاهزة وهو النموذج الذي انتمى اليه شمران الياسري، مما جعل حضوره فاعلا ومستمرا خارج اسوار الصحافة، يؤمن بأن الكاتب الحق يجب الا ينغلق على نفسه منعزلا عن قضايا المجتمع.وان الصحافة لامعنى لها الكتابة مالم تضع في اعتبارها الاول الدور الاجتماعي والفكري الذي يسهم به الصحفي في الارتقاء بالحياة من مستوى المعيشة الى مستوى الحرية..وان الكاتب الحقيقي هو من يمتد برسالته التنويرية والابداعية الى خارج اسوار المنتديات الخاصة، مشيعا قيم الحرية الفكرية في المجتمع ومتحديا التقاليد الجامدة بما يفتح الحوار المغلق للفكر ..ويشهد له العارفون بفضله بانه نجم حين يسير في الصحافة، ونجم عند الناس البسطاء فالكل يتهافت عليه، يمازح الجم
الـمـــواطـــن شـــمـــران الـــيـــاســـــري
نشر في: 20 أغسطس, 2010: 05:45 م