مهدي حمودي الانصاري يحتل شهر رمضان المبارك مكانة متميزة في نفوس ابناء المجتمع البغدادي أيام زمان لما يشعه من روح ايمانية عاليةوتقوى صادقة وبما كانت تحمله ايامه وامسياته ولياليه من مسرة غامرة تختلف اختلافاً كبيراً عن بقية أشهر السنة الاخرى بما كان يحمله هذا الشهر الكريم
من عادات وتقاليد جميلة محببة الى نفوس البغاددة نذكر هنا بعضاً منها على سبيل المثال لا الحصر.نقول كان من عادة العوائل البغدادية في مثل هذا الشهر المفضل هو تبادل الاطعمة في ما بينهم اذ كانوا وقبل موعد مدفع الافطار بقليل حتى كان المرء يرى الصحون المملؤة بالاطعمة الشهية كل حسب قدرته المالية وهي تتداول بين تلك البيوتات فقراء كانوا ام اغنياء كدليل للروح الاجتماعية والمحبة الحقة المتأصلة بهم والتي كانت سائدة بين عوائل واسر تلك البيوتات حيث كانوا لايتذوقون افطارهم مالم يتذوقه جارهم العزيز وهو ما كان يسمى (الطعمة).وكان من عادة الرجال وبعد اطلاق مدفع الافطار يتناولون ثمرة التمر ثم يتوجهون بعدها الى المساجد القريبة من دورهم لاداء فريضة صلاة المغرب وبعد الانتهاء من اداء الصلاة يعودون بعدها الى دورهم ليكملوا فطورهم قائلين اللهم لك صمت وعلى رزقك افطرت ولصيام غد نويت لقد ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الاجر ان شاء الله.ومن العادات المعروفة انذاك في مثل هذا الشهر المبارك ايضاً هو قيام حمامات بغداد والتي كانت منتشرة بين المحلات البغدادية ومناطقها انذاك بفتح ابوابها لغاية وقت الفجر اي قبل الامساك والتي كان يؤمها الرجال للتطهر قبل دخولهم الى المساجد للصلاة يوم لم تكن بعد الحمامات البيتية قد انتشرت فيها لما هو في وقتنا الحاضر.ومما مازال عالقاً في اذهان كبار السن في الذكريات العطرة لامسيات هذا الشهر الجليل الرمضاني هي تلك الروائح الشهية التي كانت ناتجة عن طهي الاطعمة التي كانت ربات البيوتات المصونات البغداديات يقمن بطهيها انذاك استعداداً لمائدة الافطار العائلية بحيث كان السائر بين تلك البيوتات ودرابينها الحلزونية الضيقة وازقتها يستطيع معرفة نوع تلك الاطعمة المطهية في مطابخ تلك البيوتات والتي كانت تدخل حاسة شمه من دون استئذان وذلك من خلال الفتحات الصغيرة لمطابخ تلك البيوتات التي كانت تطل على تلك الازقة والدرابين.ومن العادات التي كانت متبعة بين ابناء الاسر والعوائل في تلك الحقبة خلال الامسيات الرمضانية ولياليها هي تبادل الزيارات بينهما وذلك لقضاء ما كان يعرف يومئذ بـ التعلولة عند النساء كانت تعرف بـ القبول اما لدى الرجال فكانت تعرف بـ المجالس مفردها مجلس اذ كانوا يقضون الوقت في تبادل السوالف والنوادر والاحاديث الدينية على رنين اقداح الشاي والقهوة وتناول الحلويات والمكسرات وكانت مثل هذه الزيارات تشد من اواصر الصداقة والمحبة بين الاسر والعوائل البغدادية.
رمضان في بغداد ذكريات جميلة
نشر في: 20 أغسطس, 2010: 06:47 م