اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > هلا رمضان > بعض من ذكريات رمضان

بعض من ذكريات رمضان

نشر في: 20 أغسطس, 2010: 06:48 م

كاظم الجماسييعرف حق المعرفة، ابناء الشرائح الاكثر مظلومية من بين شرائح مجتمعنا، كيف ان عسر الحال كان حاجزا صلدا ليس امام رغباتنا الانسانية في حدود تطلعاتها الطفلية المتواضعة، وانما امام الحصول على مايكفي الحاجات الاساسية لمفردات معيشتنا اليومية، من مأكل ومشرب وملبس وغيرها..
ومثلما كانت امهاتنا ماهرات بدرجة الامتياز، في اختلاق التبريرات المختلفة في اجوبتهن على فيض اسئلتنا المحرج والمتتابع، كنا ماهرين ايضا في اصطناع التصديق، لا بل الدهشة والاعجاب..كان الفقر لازمة ترتبط برباط وثيق وتفاصيل ايامنا، فقد كانت اللحوم بشتى انواعها زائرا شحيحا لموائدنا، والقميص الجديد والحذاء الجديد و البنطلون الجديد محضوراً تواجدها طوال ايام السنة، سوى ليلة العرفات، الليلة التي تسبق صباح العيد، اما الحصول على بعض انواع الفاكهة والعصائر والحلويات فضرب من البطر المستهتر..وفي ايام رمضان كنا نقلد بطريقتنا الخاصة صوم الكبار، اذ نمتنع عن تناول الطعام والشراب في العلن ونفعل غير ذلك في السر، اذ كنا نختبىء في كنتور الوالدة مصطحبين معنا (كرصة خبز) وباقة ريحان نقضمها في غفلة من الصائمين، لنخرج بعدها نكمل صوم الساعات المتبقية من النهار، وصولا الى الساعة التي يثور فيها طوب (ابو خزامة)، فنهرع الى مائدة الموائد، حيث تمتلئ العين بمرأى اصناف وافدة جديدة،برغم محدوديتها، على سفرة الطعام... وما زلت استشعر ثقل الدقائق التي يقضيها المرحوم ابي في اداء شعيرة الصلاة، حيث يصلي المغرب مصحوبة بالكثير من الاوردة والادعية التي كان طول زمن ادائها يملؤنا حنقا وغيظا، لانستطيع التنفيس عنهما مخافة العقوبتين، سلطة الاب وجبروت الله..ولما كنا نلتئم حول صينية الافطار، كان الحجي رحمه الله يتصدر المكان مبسملا محوقلا يردد اللازمة ذاتها(اللهم لك صمت وعلى رزقك افطرت ولصيام يو غد نويت.. ذهب الظمأ وأبتلت العروق وثبت الاجر ان شاء الله...)، كانت عيوننا ترنو الى اللحمة المطبوخة التي يكتنز بها ماعون المرقة الخاص بالحجي، والتي لن ينولنا منها سهم ابدا، ومن كان منا جريئا ومد اليها اصبعا اصابه توبيخ الحجية اصابة بالغة(ولك رجع ايدك، هذا سهم ابوك... خطية هلكان النهار كله بالشغل..)..اذكر كم كانت امي على فقر مطبخها ماهرة في صنع اكلات لذيذة تحمل نكهتها الخاصة، سيما المحلبي الذي لم اكن اشبع من تناوله ابدا، حتى اسطو على حصص غيري من اخواتي المسكينات اللواتي لم يكن يجلسن معنا نحن معشر (الزلم)..وكان التنور الذي تشجره امي قبيل الفطور بساعة، حتى يستحيل جداره الاسطواني الداخلي مضيئا متوهجا بحمرة النار، لتتناول بعد ذلك تباعا (شنكات) العجين الكروية، لتفرشها بين يديها قرصا رفيعا عريضا، ومن ثم تلصقه بجدار التنور المشتعل، ولم ازل اتذكر سؤالي عن كيفية قدرتها ومقدار شجاعتها على ادخال يدها داخل ذلك الاتون الملتهب.. كانت اعظم متعنا، على فقرها وبساطتها، ممارسة فعالية الماجينا، التي تقتضي منا حمل صينية دائرية من الفافون وعليها كوم من الجوكليت والحامض حلو والحمص المجفف، وصحون اخرى تحوي عجينة الحناء مثبتاً عليها عدد من الشموع واعواد البخورالمشتعلة، لندور بها بين درابين المحلة نطرق ابواب الدور هاتفين بحماس ذي مسحة خاصة(ماجينا ياماجينا حلي الجيس وانطينا، تنطينا لو ننطيكم بيت مكة نوديكم..) ثم نستصرخ اهل الدار بصوت اعلى وبحماس اشد(يهل السطوح تنطونا لو نروح؟) فأذا فتحت ام البيت باب بيتها ومنحتنا خمسة فلوس او عشرة، وفي احيان قليلة 25 فلسا، اعطيناها بعض الحلوى والكرزات وبعض الحناء، اما اذا لم يفتح الباب بقينا مواضبين في الطرق عليه، ويحدث ان يصعد احد من اهل الدار الى سطحه ويدلق علينا قدرا من الماء.. تفرقنا وعدنا محملين بقطع الحجارة نقذف بها نوافذ البيت وبابه هاتفين بغضب واضح(ذبو علينا الماي بيت اهل الفكر..)...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

عيدالفطر المبارك في ربوع وادي الرافدين..بانوراما حافلة نسيجها الحب والتواصل والأفراح

عيدالفطر المبارك في ربوع وادي الرافدين..بانوراما حافلة نسيجها الحب والتواصل والأفراح

احمد كاظممناسبة العيد في ضمائر العراقيين لحظة تاريخية فارقة، فبعد عناء شهر كامل من الصوم يأتي عيد الفطر كمكافأة عظيمة للصائمين، ولا يذكر العيد، الا وذكرت (العيدية) والحدائق ومدن الألعاب والدواليب والملابس الجديدة التي...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram