اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > سينما > الفنلندي آكي كوريسماكي يجد الأمل وسط الحرب في فيلم الأوراق المتساقطة

الفنلندي آكي كوريسماكي يجد الأمل وسط الحرب في فيلم الأوراق المتساقطة

نشر في: 27 سبتمبر, 2023: 11:40 م

ترجمة: عدوية الهلالي

في عام 2017، أعلن آكي كوريسماكي اعتزاله لفترة قصيرة من صناعة السينما.قال آنذاك: "أنا متعب.أريد أن أبدأ في عيش حياتي الخاصة. لقد قلت هذا من قبل، لكنه وداع في الحقيقة الآن"،ولكن بعد مرورست سنوات، ألغى وداعه.

وفي وقت سابق من هذا العام، أطلق المخرج الفنلندي الشهير أحدث أفلامه "الاوراق المتساقطة "في مهرجان كان السينمائي لعام 2023، حيث فاز بجائزة لجنة التحكيم.

ويحكي الفيلم قصة شخصين وحيدين يحاولان العثور على الحب الأول في حياتهما في هلسنكي، وهوالفيلم الرابع ضمن سلسلة أفلامه الشهيرة "البروليتاريا"والتي تتضمن "ظلال في الجنة" (1986)، و"آرييل" (1988)، و"فتاة مصنع الثقاب" (1990).

وتتميز الافلام التراجيدية الثلاث الأولى بشخصيات وحيدة من الطبقة العاملة، تكافح من أجل الحفاظ على وظائفها أو ملء الفراغ في حياتها. وفي نهاية المطاف، تجد الحب والحرية، بعد أن تتعب ويعاندها حظها. وتحمل افلامه وشخصياته روح دعابة جافة، وتحاول شخصياته ملء فراغ حياتها بالكحول والسجائر والنظارات الشمسية كبيرة الحجم، وكل ذلك مع الموسيقى التصويرية لأغاني فيلم (المتمردون) (أو نغمات البلوز الحزينة) في سيارات الكاديلاك الخاصة بهم. "فعندما لا يكون هناك أمل، لا يوجد سبب للتشاؤم أيضاً"، كما قال كوريسماكي في الماضي، وهو ما يبدو أنه يلخص روح شخصياته.

ويتخذ كوريسماكي اسلوبا بسيطا ودقيقا خلف العدسة يشبه أسلوب المخرج الفرنسي روبرت بريسون، ولكن على عكس بريسون، الذي يقوم بتوصيل مشاهده بصرياً، يضع كوريسماكي الرحلة الداخلية لشخصياته في القلب الدرامي لأفلامه، ويحقق التوازن المثالي بين الكوميديا الباردة ودفء المشاعر الإنسانية.

ويذكرنا بطلا فيلم "الأوراق المتساقطة"، أنسا (ألما بويستي) وهولابا (جوسي فاتانين)، بأفلام كوريسماكي في الثمانينيات والتسعينيات أكثر من أعماله الحديثة.فالبطلة (أنسا)، التي تعمل في سوبر ماركت، بالكاد تتحدث طوال الفيلم. بعد أن تم القبض عليها وهي تسرق شطيرة منتهية الصلاحية من العمل، وتم طردها. وفي الوقت نفسه، (هولابا) هو عامل بناء طويل القامة وظريف؛ إنه يشرب الخمر بكثرة وهو رجل قليل الكلام ايضا. وفي أحد الأيام، يذهب إلى حانة كاريوكي مع زميله ورفيقته في السكن.وفي الحانة، تلتقي عيون أنسا وهولابا. يتبادلون النظرات مطولا، وفي النهاية، يتغلبون على خجلهم ويقررون الذهاب في موعد إلى السينما من دون أن يتعرف هولابا على اسم رفيقته.

يختارالاثنان مشاهدة فيلم زومبي كوميدي سخيف وتشير المحادثة بين الشخصيتين، اللتين تظهران فقط في هذا المشهد، إلى روح الدعابة لدى كوريسماكي. وجنبًا إلى جنب مع الخط الكوميدي الذي يمر عبر الفيلم بأكمله - ووسط الظلام الكئيب والمرير - تشرق خيوط الأمل التي تميز أفلام كوريسماكي.فالشخصيات تفقد الأمل في عالم مقفر؛ وتصبح تطلعاتها بعيدة المنال، ورغبتها في التغيير تقابلها الاحداث السيئة لكن إحساساً بالدفء يخيم على الفيلم، ويتسلل إلى قلوب الشخصيات رغم تصلبها الواضح.ومع ذلك، فإن سوء الحظ الذي يبدو أنه يتبع جميع شخصيات كوريسماكي يتبع أنسا وهولابا في موعدهما الأول أيضًا.

وعند مغادرة الفيلم، تعطي أنسا هولابا قصاصة من الورق تحمل رقم هاتفها (لا يزال بدون اسم)، ولكن في تطور من القدر، يفقدها هولابا. وتجري الاحداث التالية بالقرب من ملصق لفيلم "لقاء موجز" (1945) لديفيد لين، وهو دراما رومانسية تدور أحداثها حول امرأة تدعى لورا تنتظر أليك كل يوم خميس في محطة القطار.ويشير كوريسماكي الى فيلم لين عندما يُظهر أنسا وهي تنتظر بفارغ الصبر مكالمة هاتفية من هولابا - أو تقف أمام قاعة السينما حيث كان موعدهما الأول على أمل أن يظهر.وفي مشهد آخر يذكرنا برومانسية المخرج دوجلاس سيرك، نرى أنسا اليائسة عبر النافذة في يوم ممطر، غاضبة من هولابا الذي فشل في الحضور لتناول العشاء.وفي هذه الأثناء، وبعد تناول ستة أكواب من البيرة، يخبر هولابا صديقه كيف وقع في حب أنسا في الموعد الأول وفقد رقمها عن طريق الخطأ، قائلاً إنه كان على وشك الزواج من الفتاة التي لم يعرف اسمها.

من المفترض أن تدور أحداث "الأوراق المتساقطة" في عام 2024، لكن الجو يعطي انطباعًا بأننا في السبعينيات أو الثمانينات - وهي فترات زمنية تم تصويرها في أشهر أعمال كوريسماكي مثل "الظلال في الجنة" (1986) و" "فتاة مصنع الثقاب" (1990).وتتجلى هذه المفارقة التاريخية بشكل خاص في مشاهد مختارة، مثل انتظار أنسا أمام السينما أو الليالي الطويلة بعد العمل التي تقضيها في حانة الكاريوكي. كما نراها أيضًا في المعاطف القديمة التي لا يوجد بها مكان للهواتف الذكية.

ومع ذلك، في مذياع الحانة، يستمع الناس إلى أخبار الحرب الروسية الأوكرانية، وهو المؤشر الوحيد الذي يشير إلى أن أحداث الفيلم تجري في القرن الحادي والعشرين.

وينظر الفيلم إلى الماضي بنوع من الحنين الكئيب حيث يقوم المصور السينمائي تيمو سالمينن، الذي قام بتصوير جميع أفلام كوريسماكي منذ أوائل الثمانينيات، بعمل ممتاز في التقاط الأجواء الكلاسيكية النموذجية لأعمال كوريسماكي. ويدرك كوريسماكي القيمة العاطفية التي يحملها هذا الأسلوب وأهميته بالنسبة لأفلامه.ويبدو أن ألما بويستي، التي تلعب دور أنسا، هي خليفة كاتي أوتينن، التي اختارها كوريسماكي في الأدوار الرئيسية في أفلامه القديمة.

وتضيف أخبار الحرب الدموية التي تبثها إذاعة الحانة جانباً من الواقعية السياسية إلى الفيلم، حيث يسلط كوريسماكي الضوء من خلاله على وجهة نظره للعالم والمجتمع الفنلندي اليوم، مع وصول اليمين إلى السلطة بعد عقد من الركود الاقتصادي.ويبدو الأمر كما لو أن سحر لقاءات انسا وهولابا مرتبط بقنبلة موقوتة.ولكن قبل نفاد الوقت، يبدأ المد في التحول نحو عشاقنا المنهكين فالتصوير الميلودرامي المكثف الذي يقدمه كوريسماكي لعلاقتهما يبدو وكأنه عمل سياسي في حد ذاته ــ ورسالة مفادها أن الحياة لا تزال تحمل أشياء جميلة لتقدمها.ولاينتهي الفيلم برصيف بحري هذه المرة، كما في أفلام كوريسماكي السابقة، بل بإشارة إلى تشارلي تشابلن (الذي يُقال إنه مصدر إلهام للفيلم)، حيث تبدأ الأوراق المتساقطة في التطاير مرة أخرى.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

أفضل عشرة أفلام هروب من السجن

النجم غالب جواد لـ (المدى) : الست وهيبة جعلتني حذراً باختياراتي

أفضل عشرة أفلام هروب من السجن

معاهد متخصصة فـي بغداد تستقبل عشرات الطامحين لتعلم اللغة

متى تخاف المرأة من الرجل؟

مقالات ذات صلة

حين تتستر الإيدلوجيا الثورية بقبعة راعي البقر!
سينما

حين تتستر الإيدلوجيا الثورية بقبعة راعي البقر!

يوسف أبو الفوزصدر للكاتب الروائي السوري، المبدع حنا مينا (1924- 2018)، الذي يعتبر كاتب الكفاح والتفاؤل الانسانيين، في بيروت، عن دار الآداب للنشر والتوزيع، عام 1978، كتاب بعنوان (ناظم حكمت: السجن… المرأة.. الحياة)، يورد...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram