اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > سينما > كلاسيكيات: غوامض لشبونة عمل مكتمل للمخرج الشيلي راوول رويز

كلاسيكيات: غوامض لشبونة عمل مكتمل للمخرج الشيلي راوول رويز

نشر في: 27 سبتمبر, 2023: 11:42 م

ترجمة: عباس المفرجي

هذا الفلم هو آخر عمل مكتمل للمخرج الشيلي المتميّز والخصب راوول رويز، الذي توفي عن عمر السبعين. كان المقصود، في الأصل، أن يكون الفلم مسلسلة تلفزيونية قصيرة، فتمّت صياغته على نحو جرئ على هيئة حلم طويل في جزأين، مدته أكثر من أربع ساعات ونصف.

" غوامض لشبونة "، فلم غريب على نحو قوي وآسر، ميلودراما معقدة عن السرّية، القدر والذاكرة، التي يظهر فيها كل أبطالها في حالة من التنويم المغناطيسي وعلى حافة الدخول في عالم ماغريتي [ نسبة الى الرسام ماغريت] بديل. كلمة " غوامض " هي بالضبط ملائمة.

نقل كاتب سيناريو رويز، كارلوس سابوغا، الفلم عن رواية " ميستريوس لسباو " ( 1854)، لمؤلفها البرتغالي كاميلو كاستللو برانكو، التي تدور أحداثها في منعطف القرن التاسع عشر. قصة برانكو حكاية مغلفة بالمصادفات، النسب الارستقراطي المخفي، التراث المدهش، الهوى، الهوس الجنسي وقتال المبارزات. إنها أقرب الى شيء من هيغو أو ديكنز؛ واحدة من الشخصيات المذهلة يقارن وضعه أيضا برواية لآن رادكليف. مع ذلك، الإسلوب المميز في صنع فلم رويز مختلف تماما عن الطريقة الرشيقة، التقليدية لدراما العصور القديمة الانكلو- هوليوودية. إنه شكل يكون الوجود فيه معطل على نحو عديم الوزن تقريبا في الذاكرة ــ لا يمكنني التفكير بصانع فلم وجد إسلوبا يقارب، على نحو مثير جدا، صيغة الفعل الماضي من (( قال))، (( ذهبت)) الى آخره ــ و " غوامض لشبونة " يستحق المقارنة مع عمل رويز البارع، في عام 1999، المقتبس عن بروست، " الزمن المستعاد ".

تعيش الشخصيات حياتها في عالم يتمايل، على نحو غير متلاحم، بين الحلم واليقظة، أو مثل شخصيات من مسرح دمى بُعِثت فيها الحياة بمعجزة، مع تكلّف هو في الغالب غريب وعجيب، لكنه ظاهر في محتوى مميّز، حيث يتحوّل المضحك والساخر، بطريقة ما، الى شيء آخر: شيء يعبّر عن الشقاء والبؤس المطلق لحيوات الشخصيات، عن الإهتياج والتلوّي في الأشراك الوجودية التي نصبها لها أسلافها.

في محور القصة بدرو دي سيلفا، شاب يتيم في لشبونة، يؤدي دوره صبيا خواو لويس ارّايس، ودوره كشاب، افونسو بيمنتال. يتربى هذا الفتى في كَنَف مدير الميتم، وهو كاهن داهية، ذو قسوة ملغزة وحكمة كتومة، أدى دوره بشكل مدهش ادريانو لوز. يكشف الأب دينيس لبدرو، شيئا فشيا، قصة أصوله غير الإعتايدية. ويتاح للفتى التعرّف على أمه آنجيلا ( ماريا خواو باستوس)، وقصة زواجها التعس من الرجل الهائج وغير المخلص، كونت سانتا باربارا ( البانو خيرونيمو)، وقصة التاجر العنيف سيء السمعة البرتو ماغالايس ( ريكاردو بيريرا)، الذي يدافع عن شرفها. في النصف الأول من الفلم، يبوح الأب دينيس أكثر عن سيرة حياته التي تصدّرت دخوله سلك الكهنوت: سيد في الخداع، فاجر، جندي، رجل يرتاد الأوساط الإجتماعية الراقية، ومثل بدرو، طفل مهجور.

حتى وصف العمل بـ (( الشبيه بالحلم)) هو غير ملائم تماما: يبقي رويز على التوكيدات الطبيعية للجو العام، على التوجيه المعتاد فيما يتعلق بالكيفية التي ينبغي بها أن نحس بكل شيء يتحرك عبْر الشاشة. هو ومصوره اندريه زانكووسكي يستنبطان، على نحو مدهش، أوضاعا غير مألوفة للكاميرا، وتكنيكهما الفائق الأكثر وضوحا للعيان تجلى ببساطة في النزوع الى إستخدام الكثير من لقطات الكلوز- آب. هناك بعض الشخصيات التي تشاهَد في لقطات بعيدة، تقريبا كل الوقت: نحن لا نعرف بالضبط ماذا يشبهون.

في واحدة من اللحظات المتميّزة في بداية الفلم، يصغي بدرو الى حديث طفل يسير بجانبه ــ ترافقهما الكاميرا، من اليمين الى اليسار ــ ثم يومئ الصبي بصوت خال من التعبير الى رجل يعرّفه بانه اباه، الذي كان في تلك اللحظة يعلق على المشنقة في ساحة عامة، أمام جمهرة لا مبالية من الناس. هل ينبغي أن نحسّ بالإنشداه؟ بالرعب؟ بالشفقة؟ أو هل هذا هو ببسطة جزء آخر من اللغز المتشابك، المبهم والناقص، الذي يعبّر عن حياة الشاب المسكين بدرو؟

ثمة العديد من اللمسات الغريبة في الفلم. يُلمَح عراك صاخب في الشارع بشكل غير كامل، من خلف عربة الأب دينيس، حيث يظهر القس نفسه بصورة جانبية، محدقا على نحو يقظ الى الأمام مباشرة. لدى رويز الكثيرمن " حزمة " مشاهد، فيها النبلاء ذووي الشعور المستعارة ومساحيق الوجه يثرثرون وينهمكون في النميمة ويكيدون: إنها مصدر لدراما عهد، لكن أشياء غريب تحدث هنا. في واحدة من اللقطات المتتابعة، سيدة تشهق فيغمى عليها ساقطة على الأرض، حدث يحث على صمت مضطرب بين اي جمع اخر من الناس، لكن هنا، الناس المحيطون بها يضحكون بإنسجام غريب وفجائية وكأنما على مزحة ما. في مشهد آخر، تنسلّ الشخصيات، المصوَّرة من لقطة عالية مائلة، بنعومة واضحة وعلى نحو مضحك، كما لو انهم يسيرون على مزلجة، أو يشبهون حقا شخصيات مقتطعة من مسرح دمى بدرو.

يمكن ان يكون لرويز شيئا من العلاقة الهجائية مع أدواته، بحيث إنه أخذ تعقيدها المناف للعقل وبنى منها لحظات تأمل في عشوائية القدر والعجز عن معرفة الماضي. أو ربما أنه فقط وجد فيها قاعدة مثالية لعرض بهيّ، ساحر، وبدفء إنساني كبير. في كلي الحالين، تقدم سينما رويز، لاولئك ذوي الأذهان المتفتحة، متعة فائقة وفريدة.

عن صحيفة الغارديان

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

أفضل عشرة أفلام هروب من السجن

النجم غالب جواد لـ (المدى) : الست وهيبة جعلتني حذراً باختياراتي

أفضل عشرة أفلام هروب من السجن

معاهد متخصصة فـي بغداد تستقبل عشرات الطامحين لتعلم اللغة

متى تخاف المرأة من الرجل؟

مقالات ذات صلة

حين تتستر الإيدلوجيا الثورية بقبعة راعي البقر!
سينما

حين تتستر الإيدلوجيا الثورية بقبعة راعي البقر!

يوسف أبو الفوزصدر للكاتب الروائي السوري، المبدع حنا مينا (1924- 2018)، الذي يعتبر كاتب الكفاح والتفاؤل الانسانيين، في بيروت، عن دار الآداب للنشر والتوزيع، عام 1978، كتاب بعنوان (ناظم حكمت: السجن… المرأة.. الحياة)، يورد...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram