هادي عزيز علي
لم تتضمن معاهدة 1930 الموقعة بين العراق وبريطانيا قطعا احكاما تتعلق باستقلال العراق كما لم ترد فيها كلمة (استقلال) الا مرة واحدة عند وصف نوري السعيد بانه رئيس الوزراء ووزير الخارجية حامل وسامي النهضة والاستقلال...
هكذا والمعاهدة هذه نزعت نحو تنظيم جديد للعلاقة بين المحتل والسلطة العراقية بدلا من اتفاقية 1922 المعدلة باتفاقية 1926 والاتفاقيات المتفرعة كافة وكلما يتعلق باحكام الانتداب الاخرى، و فضلا عما تقدم فانها تعد وعدا للعراق لدخول عصبة الامم حسبما جاء في مقدمتها، واذا كان الانتداب قد فرض شروطه المتعسفة على العراق بالارادة المنفردة للمحتل فان هذه المعاهدة ادخلت السلطة العراقية شريكا وابرمتها من دون مفاوضات بل على وفق املاءات بريطانية يتضح ذلك من خلال الصيغ القانونية للمعاهدة ومن حيث النتيجة فهي تجديد لمضمون معاهدة 1922وتعديلها قد جاءت بسبب اكتشافات حقول النفط وبموجبها يكون للبريطانيين اليد الطولى في العراق بعدما يحصل على استقلاله، اذ بموجبها اعطت المعاهد الحقوق الكاملة للقوات المسلحةالبريطانية للتدخل في الشؤون العراقية فضلا عن الحقوق التجارية المطلقة لها.
هي اذن ليست معاهدة لمنح الاستقلال خلافا لما يروج له البعض، بل صيغة جديدة للتعامل مع العراق لاسبابها المعلنة وغير المعلنة ومما يؤكد هذا طرحنا ما قاله الملك فيصل ضمن الاحاديث المفضية لصدور المعاهدة تلك اذ قال: (ان الشعب العراقي يرغب في التحالف واذا لم يمنح هذا فأنه يطلب معاهدة صداقة تضمن له الاستقلال التام) ثم طرح سؤالا في ذات الحيثيات على المندوب السامي البربطاني قائلا: (اذا كانت هذه المعاهدة ستصبح نافذة المفعول بعد دخول العراق عصبة الأمم في العام 1932 فما الذي سيحدث في حالة عدم استطاعة بريطانيا انجاز ذلك). فاجاب المندوب السامي البريطاني: (ان المعاهدة لا تاخذ صفتها الرسمية الا بعد دخول العراق عصبة الامم، وقبل ذلك فان بريطانيا ستحتفظ بصفتها الانتدابية باعتبارها مسؤولة امام عصبة الامم) هذه النصوص نهديها لمن يهلل للمعاهدة او هلل من دون قراءتها. اذن فطرح الملك فيصل الذكور في اعلاه هو لتعزيز التحالف مع بريطانيا وبخلافه يصار الى معاهدة صداقة معها ويكون التفكير بعد ذلك بموضوع الاستقلال التام للعراق.
وللمحتفلين بعيدهم الوطني هذا نضع امامهم المعاهدة بكافة مواضيعها واحكامها فهي متكونة من احدى عشرة مادة رسمت علاقة التحالف بين المحتل والسلطة العراقية وكبلت العراق بمزيد من الالتزامات والواجبات وترسيخ مبدأ التبعية المذلة التي تنضح بها النصوص، اذ نصت المادة الخامسة منها على تعهد جلالة ملك العراق بان يمنح صاحب الجلالة البريطانية موقعين لقاعدتين جويتين في البصرة او في جوارها وقاعدة اخرى في غرب الفرات ويأذن ملك العراق لصاحب الجلالة البريطانية ان يقيم قوات في الاراضي العراقية في الاماكن انفة الذكر وفقا لملحق المعاهدةذاتها على ان لا يكون مفهوما ان وجود هذه القوات يعد بأي وجه من الوجوه احتلالا! فضلا عن ان الملحق يعد جزءا لا يتجزأ من المعاهدة بحسب ما نصت على ذلك المادة السادسة منها. ولم يكتف المحتل بمتن الاتفاقية بل اضاف للمتن ملحقا تضمن سبع فقرات صنفت مواضيعها الى ثلاثة اصناف الاول العسكري والثاني المالي والثالث القضائي وهي نصوص كانت قاسية على العراق ولا تقل قسوة عن قسوة الانتداب ذاته ندرج في ادناه مضامينها:
1. الملحق العسكري تضمن المواضيع الاتية: أ - اقامة قوات بريطانية في الهنيدي (معسكر الرشيد) والموصل لمدة خمس سنوات. ب - الاعفاء من الضرائب. ج - يقدم العراق التسهيلات لنقل القوات البريطانية وتدريبها. د - يلزم العراق بحماية القواعد الجوية العراقية. هـ - توحيد الجيشين العراقي والبريطاني في السلاح والعتاد واللباس. و- شراء العراق الاسلحة من بريطانيا ولزوم وجود الضباط البريطانيين كمستشارين في الجيش العراقي. ز - يكون للقوات البريطانية الحق في استعمال طرق العراق البرية وسككه الحديدية وطرقه المائية والسماح للسفن البريطانية في زيارة شط العرب.
2. الملحق المالي:
أ – الزام الحكومة العراقية بشراء مخلفات الجيش البريطاني (الذي سيتركها في معسكري الموصل والهنيدي خلال خمسة اعوام من تنفيذ المعاهدة) بقيمة ثلث كلفتها. ب – ان بريطانيا لا تدفع بدل ايجار عن المطارات التي تستعملها في العراق متى ما كانت اراضيها اميرية. ج – ان تعفى تلك الاراضي من جميع الرسوم والضرائب.د – ان تعقد اتفاقيات خاصة بين العراق وبريطانية بشأن السكك والميناء، حيث ابقت هذين المرفقين تحت السيطرة البريطانية بصورة غير مباشرة.
3. الملحق القضائي – الزمت الاتفاقية القضائية العراق باستخدام عدد من الخيراء القانونيين البريطانيين لمدة عشر سنوات، يخولون سلطات قضائية وفقا للقوانين العراقية، ويخولون سلطات قضائية وذلك لغرض تاسيس النظم القضائية الحديثة وتطبيقها واعطاء هؤلاء الخبراء صلاحية رئاسة اي محكمة يكون فيها احد الطرفيين المتقاضيين من الرعايا البرطانيين او اية دولة غربية. هذا ومن المعلوم ان الفقرة ب من الملحق العسكري قد مكنت القوات البريطانية من الحصول على امتيازات في شؤون القضاء، ادرجناها هنا من اجل وحدة الموضوع. ويلاحظه هنا ان هذا الملحق هو خطاب موجه لمن يدعي ان المعاهدة سعت للاستقلال.
وللمحتفلين بعيدهم الوطني نقول ايضا - كان عليهم ان يحتفظوا للشعب العراقي ببعض الاحترام تجاه احتجاجاته الواسعة ومظاهراته المستمرة حينذاك على تلك المعاهدة، كونها اعطت الحقوق الكاملة للقوات البريطانية المسلحة لممارسة سلطاتها على الاراضي العراقية فضلا عن الحقوق التجارية المطلقة. ولا نريد ان نتوسع في حجم الرفض للمعاهدة وما رافق ذلك من احداث بل نكتفي بمثال نشاط الاحزاب السياسية في ذلك الوقت وتفاعل نخبة من الشباب حينذاك بالتصدي لها من خلال نشاطات متعددة افضت الى اصدار بيان موقع من قبل عزيز شريف وعبد القادر اسماعيل وحسين جميل ويونس السبعاوي وفائق السامرائي وخليل كنة وصادق كمونة ومحمد مهدي كبة يشجبون به تلك المعاهدة المذلة ويطالبون بعراق مستقل على وفق معايير الاستقلال المعترف بها دوليا والمعتمدة من قبل عصبة الامم في ذلك الوقت.
لم يتمكن العراق من ازاحة العبء البريطاني الا بثورة 14 تموز 1958 التي وقفت موقفا حازما من المحتل البريطاني وكسرت طوق حلف بغداد والخروج من الكتلة الاسترلينية وقد خرج الشعب العراقي عن بكرة ابيه للشوارع والساحات التي احتضنتهم على شكل تظاهرات غير مسبوقة بهذا العدد والحماس تأييدا للثورة وقد عدت التظاهرات تلك صيغة من صيغ الاستفتاء على النظام الجمهوري لهذ يكون من الواجب امام هذا الهدير الجماهيري ان يكون يوم اعلان الجمهورية عيدا وطنيا احتراما لارادة الشعب وتطلعاته اما اذا قيل بان هذا الطرح يمثل انحيازا لتوجه سياسي معين فدونك الاستفتاء الذي حمل دستور 2005 الى حيز التنفيذ وكان النظام الجمهوري الوارد في المادة (1) منه محل قبول وتقدير كل من ساهم في ذلك الاستفتاء الا تستحق منا ارادة الجماهير الاحترام وتكون مدعاة لتحديد العيد الوطني منسجما مع الحراك الجماهيري وتطلعاته وبما يليق بالعراقيين بدلا من الاتكاء على مرجعية استعمارية نئن من ويلاتها الى يومنا هذا غفلة.
