عبدالله السكوتيفي بداية سبعينيات القرن المنصرم، جاء حزب البعث آنذاك بمصطلح جديد، اعتبره طفرة نوعية في عالم التنظير للافكار الثورية، وبدأ يملأ به الدنيا ويشغل الناس تنظيرا لهذا المصطلح الاوهو النقد والنقد الذاتي، وبدأ الجميع يتكلم عن كيفية، نقد الكادر الحزبي ذاته، او ربما الحزب بكامله على اعتباره (برسترويكا جديدة)،
ومن سوء حظ اعضاء الحزب آنذاك، ان لا احد يستطيع ان يتكلم عن مجلس قيادة الثورة والحزب، فالامر مليء بالنقاط الحمراء، ودائرة الامن العام بقيادة ناظم كزار تعمل على الجميع، الحزب وغير الحزب، مايعني ان هذا المنهج كان شعارا من ضمن شعارات كثيرة، ويعلم من عاصر تلك الحقبة ان حزب البعث كان يأتي باغلب كوادره عن طريق القوة، وجلّهم من الناس البسطاء الذين (يتجفون الشر). وفي احد اجتماعات الحزب، نام احد الاعضاء من المؤيدين بعد يوم مرهق كان يعمل فيه في البناء، فايقظه المسؤول وقال له:(رفيق عليمن جنّه نحجي)، فقال الرجل:(رفيقي آنه تعبان توني اجيت من العمّاله)، فرد عليه الرفيق المسؤول ان المحاضرة قيّمة، وهي تتعلق بموضوع الساعة، النقد والنقد الذاتي، وشرح له كيفية ان يحاسب البعثي ذاته ويقوّم عمله الحزبي، وما اليه من كلمات لاتعني الرجل في شيء، وبعد قليل، عاد ثانية الى النوم، عندها انّبه مسؤوله الحزبي قائلا: رفيق نحن في اجتماع وامام اوضاع خطرة تتكالب علينا فيها الهجمات الاستعمارية والرياح الصفراء، وكلها تريد ان تنال من ثورتنا المجيدة، فردّعليه المسكين الذي لم يفهم اي شيء مما قاله: (رفيقي آنه اريد انقد روحي اتخلّوني)، فشجعه الرفيق على هذا التصرف المسؤول لكنه فاجأه حين قال وضرب معها على جبهته :(امداني، امداني، امداني يوم سجلت ويّاكم) فضج المكان بالضحك وكان يوما مشهودا في احدى المدارس الابتدائية في مدينة الثورة، حيث كانت المدارس تتخذ مكانا للاجتماعات، وبعض الاحيان تتحول الى دوائر امنية. طبعا هذه حكاية من الواقع، واغلب شخوصها مايزالون على قيد الحياة، وهذا الرجل تصرف بتلقائية وبشجاعة ايضا ومارس حرية الرأي في زمن لم يكن الرأي حرا فيه، فالجميع يعلم ان السياسات التي كان يمارسها حزب البعث تعتمد مبدأ القوة والقهر والاجبار، ومصادرة الآخر، وكان يمارس هذه المبادىء التي تعتبر من صميم برنامجه ومنهاجه حتى مع المنتمين اليه. ونحن هنا لانريد اسقاط هذه الحادثة على مايحصل في وقتنا الحالي من ممارسات، تتزيا بذلك الزي القديم وتجنح الى المصادرة والتهميش، لكننا مع هذا ومع وجود ثقافات عالية ومتعددة لم نجد احدا، قد نقد ذاته واعلن ان هناك سياسات خاطئة، ولا ادري ما السبب الذي يكمن وراء ذلك ربما الراتب او المخصصات، ام انه فعلا ينطلق من منطلق خدمة المجتمع، وعدم ترك فراغ ممكن استغلاله من قبل قوى اخرى مناوئة، وعناصر تحاول التخريب او العودة بالوطن الى الخلف، ماعدا احدهم وهو من الشعب حيث عض اصبعه في سيارة الاجرة، ولولا تدخل الناس لكان قطعه، ليبدأ حديث اليوم بتقييم السياسات وتشكيل الحكومة، فكان الرجل ناقما على الوضع، لقد شعر صديقنا بالندم واللاجدوى من ذهابه الى الانتخابات لانه كما يقول حين تكلم عن نفسه، فهو لم يحصل على شيء سوى البهذلة وقلة القيمة، لاراتب لاسكن ولامستقبل وفوق كل هذا وذاك اعطيت صوتي ليتنعم به فلان وفلان، وكثيرون الان ينقدون انفسهم نقدا ذاتيا وانا واحد منهم والكلام مازال للرجل فقال:(أمداني...، أمداني...، امداني... يوم رحت انتخبت).
هواء فـي شبك: (النقد والنقد الذاتي)
نشر في: 20 أغسطس, 2010: 08:33 م