د. فالح الحمـراني
فيما تستبعد روسيا بشدة احتمال استعمالها الأسلحة النوية في العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، وحددت اللجوء للسلاح المدمر بشرط تعرض وجود روسيا كدولة لخطر الفناء، يعرب العديد من السياسيين ووسائل الإعلام والخبراء في الغرب عن قلقهم من أن موسكو، وعلى خلفية تكثيف الغرب ضخ كييف بأنواع ذات نوعية جديدة من الأسلحة، تجعل النزاع يدخل في مرحلة خطيرة ومهددة، قد يدفعها لاستخدام الأسلحة النووية لتعزيز قوتها القتالية وحل مهامها.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد قال: إن روسيا قد تستخدم الأسلحة النووية في حال نشوء تهديد لوحدة أراضي البلاد واستقلالها وسيادتها، ووجودها كدولة. وأشار الرئيس بوتين إلى هذا الشرط خلال خطاب ألقاه في منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي، موضحا "يتم إنتاج الأسلحة النووية من أجل ضمان أمننا بالمعنى الأوسع للكلمة ووجود الدولة الروسية. لكننا، أولا، لا حاجة لنا في هذا. وثانيا، حقيقة التفكير في هذا الموضوع تقلل بالفعل من إمكانية خفض عتبة استخدام الأسلحة "، وأضاف أن روسيا لديها مثل هذه الأسلحة أكثر من دول الناتو. وفي الوقت نفسه، أشار بوتين إلى أنه" يتخذ موقفا سلبيا من فكرة استخدام الأسلحة النووية التكتيكية كعنصر من عناصر الردع النووي."
وبالنسبة لروسيا، فإن امتلاك الأسلحة النووية، كما أوضحت وزارة الخارجية الروسية، في هذه المرحلة التاريخية هو الرد الوحيد الممكن على التهديدات الخارجية الملموسة الآخذة في التزايد فقط. وترى: إن الوضع الأمني يتدهور نتيجة المحاولات المدمرة التي تقوم بها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لتأمين التفوق العسكري. ويتجلى التعبير عن ذلك، بما في ذلك، حسب الوزارة: في النهج الذي اختطوه للاستغلال العسكري - السياسي والعسكري - التقني لفضاء ما بعد الإتحاد السوفيتي مع تحويل أوكرانيا إلى نقطة انطلاق معادية لروسيا. "ويتفاقم الوضع إضافيا بسبب الخطوات اللاحقة التي اتخذتها الدول الغربية للدخول في مواجهة عسكرية مع روسيا، في محاولة لإلحاق "هزيمة استراتيجية" ببلدنا".
وقالت من شأن التخلي الفوري عن الأسلحة النووية وفي ظل هذه الظروف، أن يضعف بحدة موثوقية ردعنا الاستراتيجي، وبالتالي أمننا الوطني. علاوة على ذلك، فإن مثل هذه الخطوة ستكون قادرة على إثارة المزيد من التصعيد للأزمة الحالية حتى نشوب صدام عسكري مباشر تشارك فيه القوى الكبرى في العالم. "وعلى هذه الخلفية، يحتفظ الردع النووي حتما بدور هام في مبادئنا التوجيهية العقائدية". في الوقت نفسه، حددت بدقة الظروف التي تحتفظ فيها روسيا بالحق في الرد النووي، مثل استخدام الأسلحة النووية وأنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل ضدها وضد حلفائها، وكذلك عدوان واسع النطاق يهدد وجود الدولة.
وأعربت الخارجية الروسية عن الثقة بثبات الفرضية القائلة بأنه لا يمكن أن يكون هناك منتصرون في حرب نووية ولا ينبغي إطلاقها، وهذا ما أكده زعماء الدول النووية الخمس في كانون الثاني/ يناير 2022 في بيان مشترك ذي صلة. ومن المهم للغاية أن تظهر بصورة عملية التزامها بالبيان بكامله. ومن الضروري الحيلولة دون نشوب أي نزاع مسلح بين البلدان الحائزة للأسلحة النووية، ويجب حل الخلافات بينهما في الوقت المناسب، عن طريق حوار بناء وقائم على الاحترام المتبادل، يهدف إلى منع حدوث سباق تسلح والحد من المخاطر الاستراتيجية.
وقالت إن قرار روسيا بتعليق معاهدة الأسلحة الاستراتيجية الهجومية يرجع في المقام الأول إلى سياسة الولايات المتحدة الثابتة المتواصلة لخنق روسيا سياسيا - اقتصاديا والهادفة لإضعاف أمنها. وعلى هذه الشاكلة، هناك تغيير جذري للظروف وتقويض واشنطن للمبادئ والتفاهمات الأساسية التي تقوم عليها معاهدة الأسلحة الاستراتيجية الهجومية. وفي الوقت نفسه، تواصل الولايات المتحدة تجاهل بتحد العلاقة بين الأسلحة الاستراتيجية الهجومية والدفاعية المنصوص عليه في المعاهدة، كما تنتهك القيود الكمية المفروضة على الأسلحة الهجومية الاستراتيجية للأطراف في المعاهدة، التي تتسم بأهمية أساسية لتجسيد هدفها وأهدافها. وتمثلت الضربة الخطيرة للمعاهدة في مساعدة الولايات المتحد نظام كييف لشن هجمات على المنشآت الاستراتيجية الروسية المذكورة في معاهدة الأسلحة الاستراتيجية الهجومية.
في غضون ذلك ثمة أصوات غير رسمية تدعو الى التلويح بالسلاح النووي "لإعادة الغرب العدواني الى رشده". وفي هذا السياق نشر الأكاديمي المقرب من الكرملين سيرجي كاراجانوف مقالاً بعنوان: "قرار صعب، ولكنه ضروري". يرى فيه ضرورة اللجوء إلى خيار صعب لصالح ضربة نووية وقائية على دولة من دول الناتو في أوروبا الشرقية. ويوضح كاراجانوف أن الأزمة الأوكرانية والعلاقات مع الغرب هي "جرح نازف" عميق لروسيا. جعلت الأرواح البشرية والموارد المادية تختفي في الرمال، مما صرف روسيا عن بناء علاقات واعدة مع الأغلبية العالمية. ويرى انه حتى النصر العسكري في النزاع الأوكراني لن يحل المشكلة. "سيستمر الغرب في كبح جماح روسيا بقوة، والسعي إلى استنفادها المادي وتهيئة الظروف للاضطرابات الثورية".
ويقول: إننا نشهد اليوم مرحلة حادة من تفاقم التناقضات التي لم تحل بنهاية الحرب الباردة والتي ساءت بعدها. وتدهورت العلاقات بين روسيا والغرب ببطء منذ منتصف عام 1990، مع إن موسكو بذلت عدة مرات محاولات لتصحيحها وتحقيق حل وسط. ولاحظ بانه " ولطالما قللت روسيا من تصور بلدنا في الغرب كقوة باهتة لا تستحق علاقات متساوية. وقللوا في الغرب من تصميم القيادة الروسية على اتخاذ تدابير حازمة لإجبارا أطراف الأخرى على الاستماع إلى موقفهم". وبرأيه: أن الحريق الأوكراني هو نتيجة متأخرة للأخطاء والتناقضات التي تراكمت منذ أكثر من ثلاثين عاما. لقد حفز الصراع العسكري المفتوح وأخرج من عمليات الظل التدابير التي كانت تزحف في السابق: توسع الناتو، وعسكرة الحلف، وتوسيع الوجود العسكري والسياسي في أوكرانيا ومحيط ما بعد الاتحاد السوفيتي على مدى ثلاثة عقود، وكانت هذه العمليات بطيئة. وبعد اندلاع النزاع المباشر، حققوا قفزة ووصلوا إلى مستوى جديد نوعيا منذ نهاية الحرب الباردة. ليس هناك شك في عدم الرجوع عنها الآن. وبنفس القدر من الدراماتيكية خلال العام ونصف العام الماضيين، كانت روسيا تعيد توجيه قواتها وتتجه نحو الأغلبية العالمية من حيث التعاون الاقتصادي والإنساني. وما كان يسير ببطء وعلى مضض منذ عهد يفغيني بريماكوف قد تسارع بالضرورة بعد فبراير 2022. والكلام لكاراغانوف.
وهناك قلق متزايد في الغرب بشأن احتمال استخدام روسيا للأسلحة النووية خلال عملية عسكرية خاصة. وذكرت وسائل الإعلام الأجنبية أن الحكومة البريطانية نظرت في هذه المسألة في وثيقة بعنوان" حول عواقب استخدام الأسلحة النووية التكتيكية من قبل الاتحاد الروسي في أوكرانيا للأمن في أوروبا " بناء على طلب أحد أعضاء مجلس اللوردات. وفي اليوم التالي، أثار الرئيس الفنلندي سولي نينيستو هذا الموضوع أيضا، مشيرا إلى الخطر" الهائل "لاستخدام الأسلحة النووية مشيرا إلى أنه" في أي لحظة قد يتغير الوضع إلى الأسوأ نحو التصعيد."
وروجت وسائل الإعلام والمتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي للتصعيد المحتمل للنزاع في أوكرانيا. وربط سيناريو مماثل بإمكانية إمداد كييف بصواريخ أتاكامس بعيدة المدى، مشيرا إلى أن هذا قد يهدد الأمن القومي للولايات المتحدة. ولم يشرح كيربي كيف يمكن أن يؤثر نقل أتاكامس على الساحة، ومن المحتمل أنه كان يشير إلى تصرفات روسيا الانتقامية.