نوزاد حسن
قبل ثلاثة اعوام كتبت مقالا عن جمعة يوسف زيدان,وقد اقام بيت المدى له جلسة في يوم الجمعة,كتبت المقال دون ان افسد لحظة احساسي بانني اشبه ما اكون بشخص فقد ذاكرته.كان المقال قصيرا لكنه يشبه لسعة نار لاصبع طفل صغير.وفي الجمعة الماضية خسرت قوة التجربة حين ضيف بيت المدى المترجم الدكتور بسام البزاز.خسرت التجربة لاسباب تبدو عبثية لكن قانونها لا يمكن خرقه.
لكني تخيلت كل شيء كما لو اني اراه,وندمت لانني اعرف جيدا مدى الصدق في كلام يقوله مترجم بارع كالبزاز.
في احيان كثيرة يعتقد الناس ان كتابة قصيدة,او رواية,او رسم لوحة او ترجمة كتاب يعتمد على حرفة او اسلوب يتعلمه الفنان.هذا المعتقد من اسوأ المعتقدات في حياتنا.اذ لا يمكن ان تكون التقنية ومراعاة القواعد سببا في اعطاء الفن بطاقة تاثيره في الناس.اظن القضية اكبر من حدود الارقام والحسابات.القضية اكبر بكثير لانها تتعلق بفردية الانسان,ومدى احساسه بروحه.
واحدة من سمات حياتنا ان هناك نسيانا للروح الى درجة مخيفة.انا لا اعني بالروح ذلك المعنى الديني الضيق.الروح تعني الاحساس بابسط الاشياء دون ان يكون هناك اي اثر للمتعة الحسية.
مثلا الاستمتاع بكلام شخص والايمان به,او قراءة جملة تهز جمود عقولنا,او الجلوس على ضفة نهر والنظر الى هناك,دون سماع صوت العقل.عند هذه اللحظة نحصل على وقت روحي.
حين قال الدكتور البزاز ان للمدى فضلا عليه فهذا يعني شيئا مهما جدا يعني بكل تاكيد ان ميزان المتعة الحسية لن يستطيع ان يزن تلك العلاقة التي تربط المدى بمترجم كبير كالبزاز,هذه العلاقة التي تشبه الصلة التي كانت تربط كامو بالناشر الفرنسي غاليمار.
البزاز كما اعرفه هو الكل في واحد,اعني هو المترجم وهو المصحح وهو المحرر وهو المتذوق وهو الناقد ايضا.ويصرح دائما بان لديه هوس في المراجعة والتدقيق في كل شيء بدءا من اللغة الى تنظيم الصفحة بنقطها وفوارزها وغير ذلك.كل هذا هو نشاط الروح في اعلى متعها.وما يميز تجربة كهذه اننا نستطيع الاحساس بها بصورة مباشرة.
لم تكن جمعة عادية تلك التي انتهت وسجلت في دفتر الزمن.لكني احس بخسارة كبيرة جدا لا يمكنني تعويضها..الا اني احيي المدى هذه المؤسسة العريقة التي اعطتنا افضل ما يمكن ان تعطيه دار نشر للقراء.