لطفية الدليميحالنا - نحن الكتّاب والأدباء -   في بلادنا ، حال  تراجيدية بامتياز إلا فيما ندر من المصادفات ، حين ينال أحدنا حظوة أو حين تجد أعمال بعضنا طريقها للقراء بجهدنا الفردي ومثابرتنا وإصرارنا على تقديم نص يثير شهية القراء، وتختلف حالنا -بالتأكيد- عن حال كتاب وأدباء الغرب والشرق المحظوظين، فنحن نؤسس تاريخنا الأدبي بأيدٍ عارية ونحفر صخر التقاليد الصلد ونتحايل على التابوهات ودهاليز القمع،
 ونفاوض الناشرين ونتخلى عن حقوقنا ونعتاش من وظائف أو أعمال صحفية لتظهر أعمالنا الأدبية للنور غير آبهين بمردود أو جائزة، نجازف بالحياة مرات من أجل عبارة أو مفردة تخضعها الرقابات المتعددة للتأويل، ونتخطى حواجز المنع والتحريم دون نصير أو سند إلا إرادتنا  وحلمنا  .. كلنا نعرف عمل الناشر في بلادنا العربية، وهو عمل تقليدي متعارف عليه ينحصر بينه وبين الكاتب وينظم بعقد أو بكلمة شرف، قد يجري الإخلال بها غالبا، ولكن ليس بيننا إلا القلة ممن يعتمدون على الوكيل الأدبي، بخاصة اولئك الكتّاب العرب الذين يعيشون في الغرب أو تترجم أعمالهم أو أنهم يكتبون بلغات أخرى في بلدان المهجر، ثمة سحر يكمن في عمل الوكيل الأدبي يؤهله ليكون حاملا ختم النجاح للكاتب ، فما هو سرّه وسحره؟! يتحدد عمل الوكيل الأدبي في الغرب بجملة من المهمات، فيصبح الشخص المعني بالكاتب كإنسان ومبدع فهو ملاك حارس مدفوع الأجر، ليس لتحقيق الهدف التسويقي حسب، بل لأهداف إبداعية وتخطيط مستقبلي، يقوم  الوكيل  بالتدقيق في جميع العروض التي تقدمها دور النشر لصالح الكاتب، ويحضر الوكيل كل ندوة تنظم لموكله، وأي شخص او صحفي  يود الاتصال بالكاتب عليه أن يتصل بالوكيل أولا لأنه خط الدفاع الأول  للمؤلف، ويحضر أي نقاش أدبي يخص موكله، كذلك  يقترح على الكاتب الصحف التي ترغب بعمل لقاءات معه، وهو من يتفق مع التلفزة ووسائل الإعلام المختلفة على الأجر الذي يدفعونه للمؤلف عن المقابلات، وكل وكيل له أسلوبه ورؤيته لتسويق العمل والترويج له، ويصبح مكتب الوكيل مقرا للكاتب وأمام كل مشكلة يواجهها حتى في حياته الشخصية يستشير بها وكيله،  إنما ثمة أمر على قدر كبير من الأهمية، وهو أن الوكيل الأدبي يجب أن يكون ذا رؤية نقدية وحس مرهف لقراءة العمل الأدبي.. فيتوجب عليه أحيانا أن يعمل على تحسين العمل الأدبي وإعطائه لعدد من المحررين المحترفين في دور النشر ليجعلوا النص سلعة رائجة، باقتراح إضافات يكتبها المؤلف أو لحذف مقاطع محددة، وهناك محررون يعملون مع المؤلف عاما أو اثنين، بخاصة مع الكتّاب الجدد، ليصبح نصهم صالحا للعرض على عدد من دور النشر، وعندما تعرض دار نشر ثمنا للمخطوطة يكون الوكيل قد أعطى المخطوطة لعدد من دور النشر، فيعمد إلى إقامة مزاد بين دور النشر الراغبة بنشر المخطوطة ويرفع هذا الإجراء من قيمة الكتاب الذي تتنافس عليه دور النشر، وعندها تبدأ مفاوضات الوكيل للحصول على أعلى العروض وأفضلها.. إنها عملية تجارية بحتة تخدم العمل الأدبي، بينما تضيع في بلداننا آلاف النصوص والأعمال المتقنة  الراقية لأننا لا نملك  تقاليد نشر ولا نملك وكلاء أدبيين يؤازرون جهدنا الإبداعي بثمن يتقاضونه من الناشرين.. صديقة شاعرة تقيم في أميركا منذ سنوات، اتفقت مع مكتب للوكلاء الأدبيين ليرتبوا أوضاعها الإبداعية وقضايا النشر والترجمة لضمان حقوقها ورواج كتبها، فنظموا لها رحلات ثقافية ومحاضرات وقراءات شعرية في جامعات أجنبية في الصين وغيرها،ورشحوها للجوائز  ودفعت الجهات الداعية تكاليف الرحلات والإقامة، فضلا عن المكافآت التي تقدمها للوكالة والشاعرة، كما اتفق الوكيل مع الجامعات والمؤسسات الثقافية في الولايات المتحدة،ووضع خطة سنوية للنشاطات والقراءات الشعرية والندوات  مقابل مبالغ يستوفي الوكيل نسبته منها.. ترى أين شعراؤنا وكتابنا من هذا الترف الذي يستحقه كل مبدع؟ وأنىّ للكتّاب العرب ان يلتفتوا للحياة ويتمتعوا بالعطلات وهم عاكفون على كتابة روايات ومجموعات شعرية وقصصية وكتب نقدية وسواها طوال سني أعمارهم دون توقف  ودون مقابل في الغالب من أجل أن تبلغ كلماتهم وأفكارهم القراء الذين تدنت أعدادهم في العقود الأخيرة، بناء على ما ورد في تقرير مؤسسة الفكر العربي الرابع من إحصائيات عن تردي حال الثقافة والقراءة في عالمنا العربي وشيوع   الابتذال الذي تبثه الفضائيات  العربية والعالمية..