د.فاطمة الثابت
ثمة سؤال ذو أهمية يطرح حول فاعلية السوسيلوجيا في تحليل الظواهر الاجتماعية المعاصرة، و مدى أنسجامها مع التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية وحتى التكنلوجية؟
ففي الوقت الذي يعيش فيه المجتمع تأزماته، وهو يناظر علم الاجتماع كعلم مهم في فهم هذه التأزمات، للأسف يصارع علم الاجتماع في العراق إنحداره من خلال تقييده برؤى ونزعات علموية تقليدية في حين يهتم باحثون اجتماعيون في العالم بالوقائع الاجتماعية التي كانت تُعتبر حكائية وتقليدية، فشهد علم الاجتماع في العالم قفزات نوعية أشبه بثورة معرفية أنتقلت به من المايكروي إلى لميكروي...إذن ماذا بعد؟
يقول ميشيل مافيزولي "نحن نجد الجوهر الحقيقي للمعرفة الإبداعية التي تكتشف مسارات جديدة في البحث وتساعد في الأقتراب من البانوراما الهاربة للحياة الاجتماعية... "
ومن غمار سوسيولوجيا الحياة اليومية كمفهوم وإطار تنظيري سوسيلوجي معاصر وليد مابعد الحداثة الذي أستبغت به السوسيلوجيا الفرنسية والاوربية بشكل عام، تفتح لنا رائدة السوسيلوجيا في العراق د.لاهاي عبد الحسين الدعمي أفاقاً أكثر عمقاً من خلال علم أجتماع الحياة العامة، مجموعة مقالات تنفرد بتفاصيل أجتماعية مرت سريعاً أو ببطئ لكنها شكلت جزءاً من معرفتنا السائدة وباتت تستقر في تمثلاتنا..
من المرأة العراقية التي تنفرد بمواجهة أوضاع غير مسبوقة، وكيف تسير تفاصيل كينونتها وسط تلاطمات السياسة والمجتمع ووسائل التواصل الأجتماعي، إلى كورونا مرحلة مهمة عشناها لكن لم نستوعب وقعها وتبعاتها فتصور د.لاهاي جوانب اجتماعية للحجر المنزلي، من تهاوي المؤسساتية إلى بروز دقائق الأمور الفردية تفاصيل صغيرة شكلت حياتنا أنذاك وربما رافقتنا حتى بعد إنتهاء الأزمة.
وإضافة إلى حديث الساعة (الدراما العراقية) فكان للسوسيلوجيا رأيها عن لسان حال الكاتبة وكيف بلأمكان أن تجسد الدراما دورها الاجتماعي من خلال نقل معاناة الأبرياء وتصوير الوعي والاحساس.
إضافة إلى تلقفها للمواضيع السياسية وإنعكاساتها فهي ليست مجرد نشرات أخبار بائسة نستطيع بضغطة زر تغييرها بل باتت ترسم واقعنا ومستقبلنا ونحن نتهاوى كل يوم بتخبطاتها.
وكثير من المفاهيم الاجتماعية التي تقدمها د.لاهاي على طبق من التأطير والتشخيص السوسيولوجي الدقيق للبحث فيها، والخروج من عنق الزجاجة فلازال طلبتنا وباحثينا يحاورون دوركهايم وكارل ماركس، وهم يلوذون حول مواضيع دراستهم بسؤالهم المعتاد (أريد عنوان رسالة أو أطروحة)، لازالت المناهج في علم الأجتماع تتكلم عن الضبط الاجتماعي والمؤسسات الاجتماعية، في حين هناك مطالبات لقانون المعلوماتية وقانون ضبط المحتوى الرقمي...إضافة إلى حراك تشرين وتمظهراته التي كشفت عن وعي شبابي مهم قد يخمد لكن لاينطفئ، وعلى ذكر ذلك تطرح د.لاهاي أزمة المثقف والاكاديمي والمتخصص بوصف دقيق جداً لإدوارهم، ومن هنا أرى رد أعتبار للكتابة فمهما تماهت التخصصات هناك ميدان يرتبط بتخصص معين وعلم الأجتماع اليوم له كلمته في الخوض بضمار تصدعات الواقع الاجتماعي وانعكاساته وفق رؤية معاصرة....
تقدم د.لاهاي الدعمي في هذا الكتاب مايقارب (١٤٨) مقالة تتناول موضوعات هامة تشكل حياتنا العامة لكنها في الوقت نفسه جزء من ثقافتنا وتصوراتنا الاجتماعية..