إعداد/ كاظم الجماسيلم تكن كربلاء في العهد القديم قبل الفتح الإسلامي بلدة تستحق الذكر ، ولم يرد ذكرها في التاريخ إلاّ نادراً ، وأكثر ذلك في عرض الكلام عما كان يقع في الحيرة وقرية الطف من الوقائع ـ بل كانت هي قرية بسيطة عليها مزارع وضياع لدهاقين الفرس ، وكان سكانها أهل حراثة وزراعة .
وأورد عند ذكر الكوفة عن السبب الذي بعث على اتخاذ موقعها معسكراً ، قال : على أثر الفشل الذي مني به القائد الاعلى سعد بن أبي وقاص والموفقية التي حازها خالد بن عرفطة في فتح ساباط أولا ، ثم استتبعه فتح بقية المدائن عاصمة الدولة الساسانية ، وتكلل فوز المسلمين بأكاليل النصر ، وتم لهم الغلبة ، أرغم يزدجرد الملك بالانسحاب والتقهقر مقهورا الى اصطخر ، فارس ، عطفوا عندها باتخاذ قاعدة تكون معسكرا لهم على تخوم الجزيرة ، فاختاروا كربلاء ولتمنع ساكنيها من التسليم والخضوع لارادتهم قصدهم خالد بن عرطفة وفتح كربلاء عنوة وسبى أهلها ، وقسم سعد أرباضها بين أصحابه ، ونزل كل قوم في الناحية التي خرج سهمه بها ، فأحيوها . فلا طلاق لفظ كربلا على مدن عامرة عند الفتح ، لابد من أن يكون جاهلي الأصل وبزعم مجوس دور الفهلوية ومعتقدهم كان بيت نار ، على ما ذكره مؤلف ( دبستان المذاهب ) يطلقون لفظة بـ ( كار بالا ) ومعناه : الفعل العلوي ، فعرب بكربلاء . ولم يعد يحدثنا التأريخ عن كربلاء، الا بعد مرور ربع قرن من الزمان ولكن هذه المرة بحديث ذي شجون عن أعظم مأساة في تأريخ البشرية . ألا وهي الحادثة الشهيرة بواقعة الطف أو يوم عاشوراء في يوم الجمعة العاشر من محرم الحرام لسنة 61 هجرية التي استشهد فيها سبط الرسول وحبيب البتول الامام الحسين بن علي سلام الله عليهما وجمع من أصحابه رضوان ألله عليهم، هذا ولم تكن كربلاء عامرة يوم ورود الحسين ـ ع ـ لها وهو على ظهر جواده على شفير ذلك الوادي الا بعض قرى تحف أطرافها كشفيه والغاضريات ونينوى وماريه، والعقر التي بقيت آخر أثر للبابليين لا يزال قائماً . ومن ذلك الحين ذاع صيت هذه الآفاق وانتشر في الأقطار . وقد جاء ذكرها في أشعار العرب ودواوينهم. ومع هذا لم تكن كربلاء في القرن الأول الهجري عامرة ، مع ما كان في أنفس الهاشميين وشيعتهم من شوق ولهفة في مجاورة قبر سيد الشهداء لم يتمكنوا من اتخاذ الدور واقامة العمران خوفا من سلطان بني أمية . وقد أخذت بالتقدم في أوائل الدولة العباسية ، ورجعت القهقري في أيام الرشيد. وقد ازداد خرابها في أيام المتوكل لأنه هدم قبر الحسين ( ع ) فرحل عنها سكانها . ثم أخذ الشيعة في أيام المنتصر يتوافدون الى كربلاء ويعمرونها . ( وكان أول علوي سكنها هو تاج الدين ابراهيم المجاب حفيد الامام موسى بن جعفر عليهما السلام ، وقد وردها في حدود سنة 247 هجرية ).واتخذت الدور عند رمسه ، وقامت القصور والأسواق حوله ولم يمض قرن أو بعض قرن ، الا وحول قبره الشريف مدينة صغيرة بها آلاف النفوس .وطوال الحقب التاريخية المختلفة، عانت كربلاء الكثير من الويلات المتأتية من الحكام المستبدين، والحروب الطاحنة، وقد هدمت ابنيتها وتساوت بالأرض مرات عدة، وفني أهلها كذلك، ولكنها كانت تعود كل مرة من جديد بحلة أخرى. حتى مجيء الاحتلال الانجليزي، حيث استولوا على مركزها شأنها شأن المدن العراقية الأخرى. وفي سنة 1920 م ثارت البلاد بثورتها الدامية المعروفة وخاصة جهة الفرات فيها ، كان أول ما اندلع لسان الثورة من كربلاء. وكان يوم ورود الشعرات الشريفة الى كربلاء من الأيام المشهورة إذ هرع الأهلون رجالاً ونساء حتى الأطفال للاستقبال واحتفلوا به أشد واعظم احتفال ، لم يشاهد مثله حتى أوصلوه إلى الحفرة الشريفة ووضعوه في محله . وتأخذ كربلاء قداستها من احتوائها على أضرحة الإمام الحسين بن علي وأخيه أبي الفضل العباس وعدد من أبناء الحسين وأبناء عمومته وصحبه ممن استشهد معه في واقعة الطف الشهيرة، عليهم السلام أجمعين. ولذا فهي تشكل اليوم واحدا من المراكز الدينية والعلمية والثقافية البارزة ليس بالنسبة للعراقيين وحدهم بل لمختلف شعوب العالم الإسلامي في كل بقاع الأرض.
مدن مقدسة.. كربلاء.. الشهادة وشموخ التاريخ
نشر في: 21 أغسطس, 2010: 06:29 م