فاطمة الثابت
"إنها للعنة أن يعيش المرء في أزمنة مثيرة"
قد يبدو تجريد الإنسانية من المسؤولية تجاه مواقف البشر وغياب الأنا المسؤولة التي تتحكم مقابل الموضوع الآخر؛ المنفصل عن الذات الواعية، مجرد تبرير تافه، يُجردنا عن ذواتنا وعن وعينا بما يحصل.
تفاهة الشر..مفهوم تناولته حنا أرنت عام 1963 بعنوان "أيخمان في القدس: تقرير عن تفاهة الشر"، وهو عبارة عن سلسلة من المقالات كتبتها أرندت لمجلة The New Yorker، تنتقد فيها الطريقة التي حاكمت بها إسرائيل أيخمان (قائد نازي مسؤول عن قتل عدد كبير من اليهود والطريقة التي صور بها المتهم وعلى خلاف صورة الوحش القاتل المعادي للسامية التي أراد الإدعاء رسمها لأيخمان، رأت أرندت شيئاً مختلفاً، رأت نوعاً جديداً من مرتكبي المذابح الجماعية، لا تحركه دوافع خبيثة أو قاتلة، ولا يدرك خطورة أفعاله ولا يقبل تحمل مسؤوليتها بل مجرد شخص تافه.ويتولد الشرّ بحسب أرندت من فشل في التفكير، فهو يتحدى الفكر، فحين يتصدى الفكر للشر ويتقصّى أصوله، يصاب بالإرباك حين لا يجد شيئاً، وتلك هي، برأيها، "تفاهة الشرّ".
وأثار تحليلها انتقادات شديدة، خاصة من المجتمع اليهودي، الذي اتهمها بتشويه اليهوديةقد يجد القراء المعاصرون في وجهة نظرها مناقشة حول تواطؤ اليهود أنفسهم في محنتهم. "في هذه اللحظات الأخيرة، بدا أن أيخمان يلخص الدرس الذي علمنا إياه هذا الطريق الطويل من الشر البشري، درسًا مخيفًا يتحدى الكلام والفكر: درس تفاهة الشر".
بينما نشهد مشاهد الموت والمعاناة في غزة، مع سحق أرواح الأطفال وتجاهل الأحلام، يبدأ إدراك عدم أهمية إنسانيتنا. ويتضاعف الشعور بالعجز عندما نواجه سكوتنا، وفي هذا السياق تتجلى تفاهة الإنسانية، وتظهر فكرة الضمير وكأنها وهمإن الإنسانية واللغة والحضارة - وكلها مفاهيم مجردة - تفقد أهميتها مع تضاؤل الإيمان بها. ومن ثم، تنبثق العواطف من قمع العقل الباطن، مما يعزز الميل إلى الابتعاد عن الحقائق القاسية المحيطة بناإن الاعتقاد بعدم أهمية كل شي حولنا يصبح حقيقة مقلقة.....
ولا تزال القدس، مكان المحاكمة في زمن أرندت،و مسرحًا للجريمة حتى اليومهل هناك تعبير أعمق عن عدم أهمية الإنسان من هذا؟