عبد الحليم الرهيمي
أطلقت عملية ((طوفان الأقصى)) التي شنتها (حركة حماس) في السابع من تشرين الاول / أكتوبر الحالي ضد اسرائيل، العديد من التحليلات والتوقعات حول أسباب ودوافع هذه العملية ومساراتها وتطوراتها ومآلاتها المحتملة في قادم الايام.
فمنذ اليوم الاول لوقوع هذا الحدث الخطير والمفاجئ تعددت الآراء والمواقف في وصفه وتقييمه سواء من المحللين العرب والأجانب او من الاسرائيليين أنفسهم. وقد ذهب بعض المحللين في تشبيهه بحصار القوات الاسرائيلية صيف العام 1982 للعاصمة اللبنانية بيروت انتهى بعد نحو ثلاثة اشهر باخراج قيادات ومقاتلي وكوادر منظمة التحرير الفلسطينية وسائر الفصائل المسلحة من بيروت، ومن كل لبنان استطراداً الى مناطق شتات جديدة كانت تونس في مقدمتها والتي اتخذت مقراً للقيادة الفلسطينية وقياداتها.. وذهب محللون آخرون الى أعتباره كـ (11 أيلول / سبتمبر) اسرائيلي، كالذي قامت به مجموعة من عناصر القاعدة بأختطاف طائرات اميركية صدمت بها برجي التجارة العالمي في نيويورك وقد راح ضحية ذلك اكثر من ثلاثة الاف ضحية وذلك عام 2001.
هذه المحاكاة او المقارنة بين حدثين خطيرين وقعا في العقود الماضية مع حدث (طوفان الاقصى) انما هدفت الى الاشارة لخطورة هذا الحدث واحتمالات القضاء تماماً على (حماس) كما جاء ذلك بتصريحات معظم القادة السياسيين والعسكريين الاسرائيليين.
لكن خطورة هذا الحدث هي الاكبر من الحدثين المذكورين لما لحق بالاسرائيليين من خسائر وقتلى لم تحصل لهم من قبل فضلا"ً عن أصابتهم بالصدمة النفسية والسياسية الموجعة لهم ولشعبهم الامر الذي دفعهم ويدفعهم للثأر والانتقام واستعادة قدر من الروح المعنوية والفجيعة الداخلية التي لحقت بهم، وهو ما يعني مواصلة المعركة، وربما توسيعها لتشمل الضفة الغربية الفلسطينية ولبنان وخاصة جنوبه وسوريا وغيرها.
وبينما تحاول اسرائيل ومعها واشنطن حصر المعركة في غزة وتلتزم بعض الاطراف الاقليمية مثل ايران والجماعات المسلحة الموالية لها في عدد من البلدان العربية، سياسة الحذر والترقب دون الانخراط مباشرة في الصراع، لكن ذلك ربما لا يصمد طويلاً خاصة أذا ما اقدمت اسرائيل على ارتكاب جريمة الاجتياح البري لاحتلال غزة وأرغام سكانها المدنيين على النزوح الى جنوبها ومحاصرتهم هناك، بما سيزيد من معاناتهم الانسانية ومن المعارك التي سيزيد من المآسي الصحية والامنية والمجاعة.. وغير ذلك من اثار الحروب القذرة.
لذلك اذا ما واصلت اسرائيل مخططها لتدمير غزة ومد المعارك الى مناطق اخرى، فان ذلك سيكون بمثابة (طوفان للمنطقة) بالعنف والمعارك والدماء الامر الذي سيدفع جميع الاطراف او معظمها الداخلة في هذا الصراع الى اعادة النظر بمواقفها، وخاصة اسرائيل ذاتها التي ستخشى ربما من الغرق في طوفان العنف وكذلك واشنطن التي ربما تتحول من سياسة الدعم المطلق لاسرائيل الى الحد من هذا الدعم لمصلتحهما معاً خشية ان يخرج الصراع الدموي وطوفانه عن السيطرة، وهذا سيدفع الدول العربية المعنية والمؤثرة كالسعودية ومصر والاردن والامارات وقطر والبحرين الى تكثيف جهودهم الدبلوماسية عبر جهود دبلوماسية مكثفة مع واشنطن والدول الاوربية وحتى الصين لوقف طوفان العنف واقناع او ارغام اسرائيل على القبول بحلول وتسويات ممكنة يكون الطرف الفلسطيني فيها ممثلاً بالسلطة الشرعية لمنظمة التحرير ورئيسها محمود عباس (ابو مازن). واذا كانت اسرائيل وبعض القوى الفلسطينية مثل (حماس) معارضة لحل الدولتين (دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية الى جانب اسرائيل) الذي أقرته القمة العربية الرابعة عشر التي عقدت ببيروت في (آذار /2002) فربما يكون أثر المعارك وطوفان العنف وحرارة الدماء المسفوحة من كل الاطراف تشجع قوى الاعتدال الفلسطيني – العربي وتقنع الوسطاء الدوليين بالضغط على اسرائيل لقبولها الحل المناسب، لكل من الفلسطينيين والاسرائيليين والذي اهمل او تمت عرقلته طيلة العقدين المنصرمين.. والحكمة تقول ان ما يعقب الحروب تكون التسويات والحلول الممكنة لاحلال السلام لمصلحة الجميع.