اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > تمثّلات الأزياء في السرد العراقي

تمثّلات الأزياء في السرد العراقي

نشر في: 21 أكتوبر, 2023: 10:38 م

خضير فليح الزيدي

لا يُخفى على الدارسين ما كان يُسمّى فيزيولوجيا النّص كمبحث ظاهراتي لدراسة الشخصية النصّية قديما.

ولكن بعد موجات الحداثة وما بعد الحداثة لم يعدْ لها من أهمية، بعد الانتقال إلى دراسة الشخصية من الداخل بما يعتريها من تداعيات نفسيّة تقود إلى عمق الشخصية.

هذا المبحث هو دعوة للعودة من جديد لدراسة الظاهراتية في تمثّلات الشخصية النصّية بكل تمظهراتها بما فيها الملبس والزي واختيار الألوان وغيرها، لِما لها من أهميّة قصوى في الكشف عن أبعاد سيكولوجية منطقية في نظام الحكاية. كأن بعض النصوص وضعت بها شمّاعة ملابس مهملة وغير فاعلة لا نحسّ بوجودها إلاّ خلسةً. وعملية تفعيلها تحتاج إلى وعي متقدم بوظيفة الأزياء في المدونات السردية.

لا يمكن أن نتخيّل الشخصيّة السرديّة عارية داخل المتون، كما يحصل في بعض ما تنتجه السردية العراقية. علينا أن ندثّرها ونستر عريها. أن نصنع لها زيّا ملائما بما يكسوها من الملابس كي تتمظّهر بحالتها الجديدة.

لكن السؤال الجوهري، هل هناك ما يرتقي إلى تمثّلات جوهرية في قراءة الشخصية من خلال الزي؟ أقول نعم بفصيح اللسان، لكي نكسي الشخصية من عريها الفاضح؟ فهي حتما لم تخرج من الكهوف كما في عصور ما قبل التاريخ. لها من مقومات البيئة المكانية مدنية كانت أم ريفية. إذن لمَ كل هذا الإهمال لزيّ الشخصية؟ والزي ليس غطاءً للجسدِ بقدر ما هو ملمح دالٍ ببنية جمالية إضافية لبيان الهوية.

هل كان كاتب السرد العراقي يهتمّ بقدرة الزي على تمثّل الدور لاكتمال المهمة لخلق أبعاد أخرى للشخصية السردية؟ الجواب كلا. علينا أن نعلم أن الشخصية ترتدي الزي الملائم مناخيا بصيغة عقلانية ترضي ذوق الجماعات المحيطة. فالذوق العام هو المهيمن إذن وينسحب بلا وعي الكتابة على الأدب. على هذا الأساس تجلّت شخصية النص بتناقض لشخصية الواقع. وبالتالي فأن الشخصية الحياتية غالبا ما تكشف عن هوية مخبئّة في جيب الزي، بعكس الشخصية الأدبية التي باتت عارية أو لنقل منزوعة الأزياء.

سيكشف النقاب يوما ما عن عطب التمثيل، وكذلك سيميط اللثام عمّا شابَ من إهمالٍ لأهمية دور زيّ الشخصية داخل متون النصوص. فيما لو تصورنا أن ثمة اكسسورات أخرى غائبة تلازم الشخصية الواقعية، مثل ساعة اليد وسدارة الرأس واليشماغ والعقال والجراوية والزبون والعِمّة وبدلة العمل الزرقاء وغيرها. وهي من متمّمات الزي أيضا لكنها من غير وظيفة في شخصيات النصوص السردية.

الأزياء غالبا ما ترتبط بالفضاء الزمني الذي تدور فيه الأحداث. هذا منطق لعقلانية التخيل الفنّي، ولكن هل كان الاهتمام بها مؤدّيا لوظائف العلامات الموحية؟ بالنسبة لي اشكُّ بذلك إلى مدار مفتوح من الأسئلة. والأسباب منطقية وكثيرة. أولها أن الأكاديمية العلمية التي تُعنى بالسرد أهملت كثيرا من متممات الفضاء الزمني إذا ما اعتبرنا أن الوحدة الزمنية هي واحدة من عناصر اكتمال مقومات البنية السردية في المكان/ الحدث/ الشخصية / الزمان، والأخير يرتبط ارتباطا وثيقا بمنظومة الأزياء بكل أجزائها من الموضة واللون والتقليعة. وثانيا أن هذا المبحث على حداثته يُعدُّ حقلا فطريا لم يكتمل إلاّ بالمزيد من الدراسات الناضجة.

فثمّة سدارة فيصلية تدلّ على العهد الملكي كما في رواية آلام السيد معروف لغائب طعمة فرمان. وثمة بيريه عسكرية وبسطال وبطل ثوري بقميص ابيض وبنطلون اسود يدلُّ على ثورة تموز 1958 كما في رواية الوشم لعبد الرحمن مجيد الربيعي.

إن " شخصية المعيدي" في أهوار العراق حضرت تمثيلا في السرد، ولكن من دون ملامح للزي المناسب. والفلاح في الريف أيضا والعامل في مصنعه وفتاة الجامعة ورجل الدين والرياضي مع غياب لملامح الزي لكل هؤلاء.

إن هذا الغياب ليس له ما يبرره، وهذا الإهمال حتما سيضرّ كثيرا بقدرة التبرير لملامح الشخصية السردية في الأدب العراقي المعاصر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram