صلاح حسنيبدو إن الشعر العربي الجديد ممثلا بالشعراء الشباب الذين لم يتجاوزوا سن الأربعين ينعطف عائدا إلى الرومانسية بقوة جارفة، مديرا ظهره لمعطيات الحداثة وما بعدها وملتصقا بالأشياء الصغيرة القريبة ولكن الواضحة من اليومي والمألوف، يشكل الهم الشخصي لهؤلاء الشعراء
مادة أساسية في الكتابة الشعرية إلى درجة تشابه الموضوعة الشعرية واللغة والمناخات بشكل عام كما لو إن هناك اتفاقا غير معلن عنه يجمع هؤلاء الشعراء . في العراق على سبيل المثال هناك جيل التسعينيات اصدر أكثر من شاعر فيه ما يشبه البيانات الشعرية في الدفاع عن القصيدة اليومية كما لو إن هناك موجة ضد هذه القصيدة . لا يشذ الديوان الجديد للشاعر المغربي عبد الرحيم الخصار "نيران صديقة" الصادر عن دار النهضة  العربية بمناسبة بيروت عاصمة عالمية للكتاب عن هذه الأجواء سوى انه مغرق في رومانسية مفرطة برغم نصوصه الطويلة.جرت العادة أن تكون القصيدة اليومية قصيرة ومباشرة وخالية من البلاغة وحتى من الصور الشعرية المركبة، غير إن بين يدينا هذا الديوان الذي يحتوي على أربعة نصوص فقط يحتل النص الأول فيها عشرين صفحة من أصل الديوان كله الذي يمتد إلى اثنتين وسبعين صفحة.   وهناك النص الأخير المكتوب على شكل اسطر كاملة، ما يجعلنا نتساءل إن كان الشاعر يعي هذا الشكل الكتابي وما هي شروطه، أم انه ميل لمجاورة شعراء كبار كتبوا فيه؟أربعة نصوص طويلة عن الحب أن لم نقل في رثاء الرجل الذي يظن انه عاشق، رثاء الحب القروي الرخو الذي ليس له جذور والذي يتهاوى أمام أول ريح، لكنه يبقى على أية حال تعبيرا عن مشاعر صغيرة مغدورة ومهشمة يحاول الشاعر ترميمها بكلمات وعوالم قريبة من عالمه الخاص لأنه غير معني بالعالم وتشظيه.. (سوف أستعيدك الليلة / كي تجلسي بجانبي على الأريكة التي تقادمت/ وتخبريني لماذا زرعنا ورودا كثيرة في الليل/ ثم استيقظنا على حقل شوك).في هذا المقطع الصغير من القصيدة الأولى "كأننا نخوض معركة دون أن نبرح السرير" دعونا أولا نناقش عنوان القصيدة الطويل نسبيا والذي لا يلائم هذا الشكل الكتابي، اعني القصيدة اليومية التي لا تحتمل المزيد من الإضافات لأنها تجعل القصيدة مترهلة . نحن نعتقد إن هذا العنوان ينبغي أن يكون في المتن لأنه نص إخباري وخال من الإيحاء خصوصا وانه طويل مثل شبه جملة او جملة اسمية، بالرغم من التشديد الذي يظنه البعض ضرورة لبداية قصيدة النثر المتحللة من القواعد اللغوية. يحاول الشاعر في هذا المقطع القصير وبلغة سردية استعادة مقطع جانبي من حياة مضت يجمعه مع حبيبته التي لا نعرف أي شيء عن مصيرها مع إن عنوان الديوان هو "نيران صديقة" حيث الحرب التي لا تحضر إلا في اللغة، ولكنها على كل حال، اعني الحبيبة، حاضرة بقوة في كل صفحة من صفحات الكتاب. في الصفحات المتبقية من القصيدة يصف الشاعر من خلال ذاكرته المحتشدة بالصور التفاصيل الصغيرة للغاية في غرفته أو غرفة حبيبته ويقوم أحيانا بأنسنة أشيائها حتى لتبدو أشياء شخصية تماماً.. (أعزيك أيضاً بالنوافذ/ وفي الستائر الوردية للنوافذ/ في المكتب، وفي أدراج المكتب / في الدولاب / وفي المشجب الذي كان على مقربة من الدولاب/ في الاباجور، وفي المصباح الخافت للاباجور). هذه النثرية لا تكون دائما في خدمة النص إن لم تكن جملها متوترة ومشدودة، بل قد تكون وبالا عليه إن هي تكررت في أكثر من موضع، وكان يمكن تطعيم هذه الجمل الطويلة بشذرات شعرية قصيرة وحادة تعيد إلى المقطع برمته وهجا يعيده إلى طريق الشعر.القصيدة الأخيرة في الديون مكتوبة بطريقة الأسطر الكاملة كما قلنا والشاعر كتبها عن أصدقاء له هم في الغالب شعراء مثله لكن لغتها لا تختلف عن لغة القصائد الأخرى ولا المضمون كذلك فلماذا هذا الشكل الذي يختاره شعراء يوصفون بأنهم يكتبون "نصاً مفتوحاً" يحتمل أكثر من شكل كتابي وأكثر من تقنية كالرسم والسينما والصورة الفوتوغرافية؟على أية حال هناك مسألة في غاية الأهمية نود أن يكون الشاعر منتبها لها وهي إن الديوان يضم قصائد عن الحب فقط وليس تجميعا لقصائد حول مواضيع مختلفة، وهذا يعني إن الشاعر كان قد فكر بما نسميه المشروع الشعري الذي لا يمكن لشاعر جيد أن يكون دون التفكير فيه كلما خطط لإصدار ديوان جديد.سبق للشاعر المغربي عبد الرحيم الخصار المولود في العام 1975  ان اصدر ديوانين شعريين هما أخيرا وصل الشتاء في العام 2004 عن منشورات وزارة الثقافة المغربية وانظر واكتفي بالنظر عن دار الحرف للنشر والتوزيع عام 2007 ويعد من الأسماء الجديدة التي تقدم نصوصا مغايرة عن سائد الشعر المغربي.