اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > د. حبيب ظاهر العباس: الصناعة والعزف والموهبة أسهمت في إبراز وتميز ودور الة العود في العراق

د. حبيب ظاهر العباس: الصناعة والعزف والموهبة أسهمت في إبراز وتميز ودور الة العود في العراق

نشر في: 23 أكتوبر, 2023: 09:32 م

يرى أن أبرز المشكلات التي تواجه الباحث عند تناوله الموسيقى العراقية هي الحاجة لتوثيق تاريخها

حاوره: علاء المفرجي

- 2 -

د. حبيب ظاهر العباس يحمل شهادة الدكتوراه في الموسيقى من جامعة القاهرة، و له مؤلفات كثيرة في الموسيقى،

كما انه عمل مديرا عاما لديوان وزارة الثقافة العراقية، وهو عضو المجلس التنفيذي ثم رئيسا للمجمع العربي الموسيقي، كما عمل مديرا عاما لدار الشؤون الموسيقية . لم يكن هناك أشمل وأفضل تقديم لهذه الشخصية الموسيقية العراقية والعربية، مما كتبه قارئ المقام الكبير حسين الأعظمي، بحق العباس، في يومياته التي نقتطع منها ما يأتي:

لم تتوطد علاقتي بأخي العزيز وصديقي العتيد حبيب ظاهر العباس المحياوي الا في مطلع الثمانينات من القرن العشرين رغم تعارفنا سابقاً في مطلع سبعينات القرن العشرين..! حيث كان حبيب من طلبة الدورة الاولى عند تأسيس معهدنا الاثير (معهد الدراسات النغمية العراقي) والعام الدراسي الاول (1970-1971).والذي قدِّر لهذا الاخ والصديق العزيز حبيب ظاهر العباس ان يلعب دورا كبيرا في مسيرة هذا المعهد منذ ثمانينات القرن العشرين..!

كما قلت سابقا، فقد انتميتُ الى المعهد اعتبارا من دورته الرابعة، وبتُّ طالبا من طلبة المعهد قبل انتصاف العقد السبعيني. ومن هنا بدأتْ علاقتي بأخي حبيب تأخذ مجراها الطبيعي رويدا رويدا ونحن لم نزل طلبة في المعهد..! حتى استقرت بمجرى أكثر قرباً وصداقة وعمقاً عندما نُـقلتْ خدماته الوظيفية في السنوات الاولى من عقد الثمانينات الى دائرتنا الموسيقية (دائرة الفنون الموسيقية) التي يرأسها الموسيقار الراحل منير بشير. فقد تخرج الاستاذ حبيب ظاهر العباس من المعهد في العام الدراسي (1976-1977) وهو يعمل في هذه الاثناء في النشاط المدرسي بوزارة التربية. حتى استقر به المقام في دائرة الفنون الموسيقية ناقلا خدماته اليها وعلى الملاك الدائم فيها منذ النصف الاول من عقد الثمانينات. وخلال كل هذه الفترة من ثمانينات القرن العشرين حتى نهاية المطاف بنا والظروف المختلفة التي مرت ببلدنا العراق، ومن ثم تقاعدي مبكرا وتقاعده بعدئذ، لعب أخي حبيب ظاهر العباس دورا كبيرا ومهما في مسيرة المعهد والدائرة على حد سواء..! فقد شغل عدة مواقع ادارية في اقسام دائرة الفنون الموسيقية، لعل اهمها ادارة معهد الدراسات الموسيقية اكثر من مرة. وقد عاصر ذلك وجود الفنان الراحل الاستاذ حسين قدوري الذي عمل مع الموسيقار الراحل منير بشير في الادارة والانتاج الموسيقي منذ سنوات عودة منير بشير الى العراق مطلع السبعينات..! وكان الاستاذ حسين قدوري قد تعاون كثيرا مع حبيبنا حبيب ظاهر العباس وتناوب معه اكثر من مرة ادارة بعض اقسام الدائرة واهمها كما قلت ادارة معهد الدراسات النغمية العراقي، اللذيْنِ سارا بالمعهد الى بر الامان..!

منذ مطلع التسعينات من القرن العشرين وبدء الحصار الظالم على بلدنا الذي فرضه المعتدون الغادرون على بلدنا العراق وحتى احتلاله عام 2003. كان الاستاذ حبيب موجود بقوة في مسيرة دائرة الفنون الموسيقية بين ادارة قسم من اقسامها والاشراف على الاعمال الفنية التي تنتجها الدائرة..! وفي ظروف صعبة للغاية واكثر صعوبة من ذي قبل..! قدِّر لاخي وصديقي حبيب ظاهر العباس ان يشغل الادارة العامة لدائرة الفنون الموسيقية في سنوات ما بعد احتلال بلدنا العزيز العراق عام 2003. لفترتين قصيرتين جداً. حيث تناوب على ادارة دائرة اخرى من دوائر وزارة الثقافة الى ان احيل على التقاعد لبلوغه السن القانوني للتقاعد..! ولكنه رغم تقدمه في العمر وخلال الفترة قبل تقاعده، استطاع ان يحصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه من جامعة القاهرة بجهود رائعة وجبارة.

باستثناء مدرسة الموسيقى والباليه، فأن دراسة الموسيقى تنعدم ابتداء من الدراسة الأولية حتى الوصول إلى الجامعة، باستثناء اقسام الموسيقى في كليات الفنون؟ ألا تجد أنه آن الأوان في أن تكون الموسيقى، درسا مقررا في جميع الفصول الدراسية.. من خلال وضع خطة متكاملة من قبل وزارة التربية لذلك؟

كنت قد عالجت في رسالتي الموسومة (واقع التربية الموسيقية في المداس الابتدائية وسبل النهوض بها) التي تقدمت بها للحصول على درجة الماجستير في جامعة بغداد/كلية الفنون الجميلة، مضاف إلى هذا تجربتي في تدريس الموسيقى بوصفي مديرا للنشاط المدرسي في ثمانينيات القرن الماضي. الإخفاقات التي تلاحق درس الموسيقى ابتداء من الدراسة الأولية وصول إلى الدراسة الجامعة، إذ إن درس الموسيقى يعد مكملاً للدروس المنهجية التي يدرسها الطالب وبهذا فان مفهوم التعليم المتكامل والمتعارف عليه عالمياً يكمن في اعطاء الاهمية والرعاية لدرس الموسيقى وهو ما اجمع عليه العالم كله، فالمسرح والتشكيل والموسيقى والانشاد تندرج في صلب التعليم الأساس، على العكس من ان البعض يعتقد ان درس الموسيقى ما هو إلا وسيلة من وسائل اللهو واللعب تقوم المدرسة به للتنفيس عن بعض الغرائز المكبوتة لدى الطلاب ولقضاء وقت الفراغ ، لكن الواقع عكس ذلك إذ انه يعد احد الوسائل التربوية لتحقيق الكثير من اهداف التربية الحديثة التي تكمن في تحقيق النمو الطبيعي للتلميذ من النواحي العقلية والنفسية والمعرفية والحسية والجمالية. ومما يذكر ان تاريخ درس الموسيقى لم يكن وليد القرون الحديثة، وانما يمتد إلى مدة ابعد من ذلك بكثير، اذ تؤكد لنا المصادر على ان معظم النشاطات المدرسية كانت تمارس في عصر الاغريق والرومان، وتعدّ جزءاً اساسياً من المنهج الدراسي اذ كان الفتيان يمارسونها باعتبارها واجباً وطنياً ودينياً . وقد دعا بعض علماء المسلمين إلى ضرورة اعطاء الفتيان الحرية التامة لممارسة انواع النشاطات بعد الانتهاء من تعليمهم، اذ اشار الامام الغزالي إلى ذلك بقوله (ينبغي ان يؤذن للصبي بعد الانصراف من الكتابة ان يمارس نشاطات يستريح اليها من تعب المكتب، فأن منع الصبي من ممارسة هواياته فقد يميت قلبه ويبطل ذكاؤه)

كنت من الوجبات الأولى التي تخرجت من معهد الدراسات الموسيقية، وكان لك دور كبير في مسيرة هذا المعهد منذ ثمانينات القرن العشرين، إداريا وتدريسيا فيه.. ما مدى تأثير هذا المعهد في الموسيقى العراقية الحديثة؟

قبل هذا وذاك دعني سيدي اقف عند بداية تأسيس المعهد : بعد مشاركة العراق في مؤتمر الموسيقى العربية الاول عام 1932 بالقاهرة من خلال وفد برئاسة رائد المقام العراقي الفنان (محمد القبنجي) والفرقة الموسيقية المصاحبة له، وللنتائج الطيبة التي حققتها هذه المشاركة ، فكرت الحكومة العراقية آنذاك بتأسيس معهد للغناء بهدف الحفاظ على هذا النمط من الغناء العراقي "المقام العراقي" ، وفعلا تم تأسيس معهد الفنون الجميلة الذي ولد عاجزاً عن تحقيق ما تطمح اليه الحكومة ورجالها الذين يعشقون المقام العراقي، وذلك لأسباب كثيرة لامجال لذكرها هنا. واستمرت الرغبة قائمة في تأسيس كيان فني تربوي يعنى بالتراث الغنائي العراقي، ومن هنا عزمت الحكومة العراقية أنذاك، اذ تبنت وزارة الارشاد عام 1969 تقديم مشروع باتجاه تعليم وتوثيق التراث الغنائي العراقي وذلك بتأسيس اول معهد من نوعه في الوطن العربي يعنى بهذا الشأن، بعد ان برز لهذه المهمة نخبة من رواد الموسيقى والغناء في العراق ليتحملوا عبء هذه المهمة الشاقة، وتمخضت توصياتهم في عام 1970عن تأسيس معهد الغناء العراقي مرتبطاً بوزارة الثقافة والاعلام، وبعد مضي سنة من وضع هذا النظام تغير اسم المعهد إلى معهد الدراسات النغمية العراقي، الذي يهدف إلى العناية بتدريس الغناء العراقي على اسس علمية مدروسة. وعلى ضوء ما تقدم نستطيع ان نوجز تأثير المعهد في الموسيقى العراقية الحديثة على وفق ما يلي:

اولا: اعداد عناصر مؤهلة في ممارسة الموسيقى والغناء العراقيين بأنواعهما وصيغهما كافة عزفاً وغناءً وتوجيه عنايتهما إلى المحافظة على التراث الموسيقي والغنائي وتطويرهما.

ثانياَ : تمكين العدد المناسب من العناصر الموسيقية فيه من القيام بالبحوث والدراسات الموسيقية في التراث الموسيقي العراقي والعربي .

ثالثاً : اعداد المدرسين للمعهد من بين خريجيه بموجب دورات متخصصة.

رابعاً : عداد جيل مثقف ثقافة فنية ومتخصص بهذا الفن بعد تهيئة الوسائل الكفيلة لاحتراف خريجي المعهد عن طريق الاستفادة من مواهبهم في العمل لدى المؤسسات التابعة لوزارة الاعلام.

خامساً : الاهتمام بتدريس الآلات الموسيقية والتي تشمل " الجوزة، السنطور، العود، القانون، الناي، الكمان، وبعض الدروس النظرية وهي: المقام العراقي، نظريات الموسيقى العربية، نظريات الموسيقى الغربية، الصولفيج، الايقاع، تاريخ الموسيقى العربية، اللغة العربية، اللغة الانكليزية، العروض.

ألا ترى ان الوسط الموسيقي العراقي يكاد يخلو من النقد والنقاد، وإن كان هناك البعض من مارس النقد، فهو لم يستمر إلى الحد الذي يكون فيه متخصصا في ذلك؟

من اللافت للنظر ان الحركة الموسيقية العراقية عبر مسيرتها الطويلة قد عجزت عن ولادة ناقد موسيقي متكامل الأدوات له القدرة على مجاراة العمل الموسيقي والوقوف عند تفاصيله العلمية وما يطرح على طاولة الدراسة والبحث والتقييم، وفي ظل هذا النقص الحاد في النقد الموسيقي اصاب الموسيقى العراقية اوهام واخطاء واشكاليات إذ يشير لنا المشهد الموسيقي في العراق إلى الاخفاقات والالتباسات التي وردت فيه في ظل غياب الناقد الموسيقي الذي يعاني من نقص حاد في ادواته التحليلية الملائمة . وفي ظل هذا النقص الظاهر لامست الحركة الموسيقية انصاف النقاد في مفاصلها بسبب العوز الظاهر في ثقافتهم الموسيقية السبب الذي سلك البعض منهم مسالك مزاجية وخطابات سطحية ابتعدت بعض الشيْ عن الفحوى والجانب العلمي الذي هو بحاجة إلى الدخول في تفاصيله العلمية . وللوقوف عند هوية الموسيقى العراقية تبقى الحاجة الماسة قائمة إلى الناقد الموسيقي الذي يمتلك القدرة على رصد التشوهات التي اعترت الموسيقى العراقية عبر تاريخها الطويل بعد ان تعرضت لها محاولات من التفريس والتتريك، والتي تبدو واضحة في مفرداتها التي اغرقت انغام وعناوين مقاماتها (الدوكاه، السيكاه، الجهاركاه،... الخ) ، وقد يبدو في هذا غضاضة واوهام ومسالك بعيدة عن القيم العلمية التي تدور في فلك الموسيقى العراقية ولا اريد ان ادخل في تفاصيل هذا العناء الثقيل اذ سيظل القصور عن الاحاطة بكل تلك المواضيع قائما.

هل لك ان تحدثنا عن علاقتك برواد الموسيقى العراقية في المعهد أو خارجه؟

في العقد الثامن من القرن الماضي أوكلت لي مهمة مدير النشاط المدرسي وكان بصحبتي ابرز الفنانين

أولئك الذين تجمعني واياهم مودة واحترم ، لعلي اذكر منهم : فاضل عواد، سعدون جابر، كمال السيد، رضا علي، محمد جواد اموري، زامل سعيد فتاح، معاذ يوسف، محمود حمد، عدنان محمد صالح، شوقيه العطار، وطالب القره غولي الذي توطدت علاقتي به من خلال العمل المشترك بيننا، و بمرور الايام، استمرت مودة بيننا وامتنان مني لم ينقطع على مر السنين، وبقيت علاقتنا على عمقها حتى بعد مغادرته العراق. وللوقوف عند شخصية القره غولي وبعض الخصال التي يتمثل بها، كان عذب الكلام لطيف الطباع يلفظ كلماته بلهجة جنوبية مثلما عرف عنه حسن السجايا مليح الثنايا، تغمره روح تزخر بالأمل والتفاؤل. فكانت تجمعني واياه جلسات فنية بشكل مستمر، وبعد أن عقدت صداقتنا أواصرها، وفي إحدى هذه الجلسات كنت قد طلبت منه أن يدوّن مذكراته، وبعد سجال طويل، أجابني بهدوء قاسٍ وهو يكظم أوجاعه وقال: لقد كنت على وعي بهذا، ولكن كما تعلم وترى يا صديقي، لا وقت الآن للسفر مع الذات والمراجعة بعد أن صارت الخيبة هي الحقيقة التي تعيش في أعماقي وتعتري ذاكرتي التي نهشتها الأحداث وتسلل لمحتواها الضعف والنسيان وكأنها صندوقاً اسود لطائرة سقطت في أعماق المحيط. فضلاً على الأمراض التي تقافزت على جسدي المعلول، وانطلاقاً من هذا الحال والأحوال الأخرى، اعتقد جازماً انك أولى بهذه المهمة وأهلاً لها بحكم رفقتنا وصداقتنا التي امتدت على فرشة زمنية لأكثر من أربعة عقود، تلك التي اعتقد أنها أنتجت لك معرفة عميقة ودراية بما أنا فيه، ، وأنك لا تحتاج إلى كسر الزجاجة أبداً لكي ترى ما في داخلها، وكما يقول المثل الشعبي (أنت تعرف البير وغطاه)، وعليه أنت أجدر واقرب واصدق وأنبل من يكتب عني، وفي كل الأحوال أنت تقوم بوفاء لصديق رافقته قرابة أربعين عاماً... حقاً أبكاني كلامه. وبعد أن أحسست بثقل ألأمانة التي أودعني إياها، عقدت العزم وشددت الرحال بجهد ناشط للتجوال في رحلة سحت بها في رحاب سيرته ومنجره الفني الذي اتسم بصهيل روائعه التي تلقفتها الذائقات والتقطتها المسامع ورددتها الألسن، تلك التي تكون مادة لكتابي الموسوم (طالب القره غولي) .

وعلى صعيد الدراسة والتدريس؟،

لعلي اقف عند استاذي روحي الخماس ، في معهد الفنون الجميلة، وزميلي في معهد الدراسات الموسيقية، هذا الفنان بعبقريته الاستثنائية أشبه بظاهرة نادرة من الظواهر الكونية التي يصعب تكرارها، وبلا مغالاة كان الود والاحترام بيننا امثله، فكان يكن لي الود ويكيل لي المدح والثناء، لسبب انني كنت مواظباً مجتهداً في تحضير دروسي، وعلى وفق هذا بذل من العناية بتعليمي وتدريبي ما أنا عن شكره ووفائه عاجز، وتلك فرصة ملأتني يومذاك نشوة، فايقظت في ذهني الحرص والمتابعة ودفعت بي للحضور في الوقت المحدد للدربة على انجاز دروسي، وهو إلى جانب هذا كان يسير بتواضع ويعمل بتأنَّ، ولا يؤذي نفساً او يجرح حساً بايِّ شكل من الأشكال. بعيداً عن الغلظة والشدة...غرست في نفسه أجمل الشمائل وأغناها، كما تهيأ لي أن ألمس بنفسي تلك الخصال الكريمة لديه مثلما لمسها كل من حالفه الحظ في التعرف اليه. وحينها كنت أحد القلائل الذين نالوا شرف صداقته التي اعدها كما يعدها غيري من اجمل واجل الصداقات التي لا يرقى الشك في مصداقيتها وحقيقتها،. وقبل وفاته بأيام طلب مني (هو الاخر) ان ارشف حياته وادون مؤلفاته، وفعلاً قمت بتأليف كتابي الموسوم (الموسيقار روحي الخماش وتأثيره في الموسيقى العراقية) وبعد حين ولاهمية هذا الكتاب تم ترجمة إلى اللغة الإنكليزية. بهذا القدر اكتفي ولا يسع المقام هنا لتسليط الضوء اكثر من هذا على علاقاتي مع ابرز الرموز الموسيقية التي عملت معها.

ألا ترى أن الاعلام الفضائي، أعني به ما يصدر عن الفضائيات بعد انشارها، بشكل خاص قد أسهم في إفساد ذائقة الكثير لاحتضانه وبثه للكثير مما يسئ للموسيقى؟

مرَّ العراق بحقب تاريخية وظروف وعلاقات إنسانية مختلفة ومتغايرة، وفرضت عليه ثقافات ونقلت إليه مفاهيم متباينة، منها ما يتفق مع أيدلوجيته ومنها ما يتنافر معها. والشعب العراقي كغيره من الشعوب الحية، يحفل بكنوز موسيقية متعددة الزوايا، فإلى جانب الحكاية والقصة والأمثال الشعبية، نجد أن الموسيقى بوصفها احد الفروع الرئيسية للتراث الشعبي، تعلن عن حاجتها للكشف عن القيم الجمالية التي تتبدى عِبر مفاصلها، بوصفها فناً لا يستغني عن الجمال كميدان من ميادينه. وفي أثر ذلك وبخصوص وسائل الإعلام المتمثلة بكل وسائله تلك التي قدمتها التكنولوجيا ، بدءاً بالمقروءة ومروراً بالمسموعة وانتهاء بالمرئية، وبغض النظر عن تفاوت دورها الإعلامي في الوطن العربي، الا أنها تعد الشريان الفاعل في تأصيل الوعي المعرفي للموسيقي لدى المستمع أو المشاهد على مدى العصور، وتأسيساً على ذلك، وبعد استقراء المهمات التي يجب ان تنهض بها هذه المؤسسات الإعلامية التي لا سلطان عليها ولا رقيب في ظل تعدد مشاربها وتنوع مصادرها وتوسع نوافذها، وبالرغم من كل الجهود التي باءت في الفشل، بات من الصعب السيطرة على توجيه عناية برامجها باتجاه الحفاظ على التراث. ولكل هذا وذاك علينا أن لا نترك الحبل على الغارب، وأن نسعى بجهود مضنية كلما سنحت لدينا الفرصة في مؤتمراتنا صوب العناية والتأكيد على بث ما يمكن بثه من التراث الموسيقي العربي عبر برامجها التي أسرفت في بث كل ما هو يفسد الذوق العام.

وبالتوازي مع هذا المعطى لعلنا نقف أمام فريقين يحملان وجهات نظر على طرفي نقيض، الأول منهما يعلن محاربة التجديد والمحافظة على القديم والإمساك به بكل قوة، وكما استمع إليه وكما أدركته ذاكرته أو كما وصلت إليه، والتي ظلت دائمة النبض بعد أن شبّت فيها أسس معرفية يصعب القفز عليها. في حين ينطلق الفريق الثاني من أن لكل حادث حديث، فالموسيقى التراثية نشأت ونمت في ظروف غير الظروف التي نحن فيها الآن، وبهذا باتت عاجزة عن مواكبة العصر وتطوراته ولابد من التحرر من قيود الماضي الذي أكل الدهر عليه وشرب، مؤكدين بذلك على مواكبة العالم المتحضر صوب التغير، مؤكدين بذلك، ان الدعوة إلى الانفتاح هي حالة ضرورية ولا بد منها، وقد يكون خاطئاً من يعتقد ان تجاهل تكنولوجيا المعلومات أمر يسير، وعلينا أن ندرك اليوم أننا طائعون أمام تلك الإغراءات وانبهارها التي يصعب تجاهلها بل لا مناص من مواجهتها، وصار الأمر يعدّ حتميا لكل من رام التوصل إلى مواكبة العصر والاستفادة من صناعته,إرضاء لرغبة الشباب واستقطابهم ، وخلاصة القول وفي ضوء معطيات هذا المفهوم ومخرجات وظائفه، نرى أن التوفيق بين الاتجاهين من أنجع الخيارات وأسلمها، وعلينا ان نمسك العصا من الوسط، وهو أن نأخذ من أصالة التراث وما يحمل من هوية أساسا لموسيقانا، مقابل ان ننهل من الحداثة كل مامن شأنه أن لا يمس بهوية موسيقانا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram