مهدي حمودي الانصاري برائحة التوابل والهيل والبخور يختلط عبق بغداد الاصيل ويشدك الى اعماق التاريخ حيث الماضي الجميل المليء بطقوس البغداديين وهم يتبضعون من اعرق اسواقهم واشهرها .. فهذا السوق القديم الذي كان اسمه وقت انشائه خلال العصر العباسي المتأخر (سوق الرياحين) ثم استبدل الى (سوق العطارين) ، اختلف المؤرخون في اصل تسميته الاحدث ..
فالشيخ جلال الحنفي يقول ان الكلمة منحدرة من كلمة (شوركاه) التركية اي محل الشورة او (الماء المالح) اذ كانت محلة الشورجة قديما بئراً او بركة ماء فحرّفت إلى الشورجة ، فيما يقول الباحث الاستاذ سالم الالوسي ان اصل الكلمة جاءت من (الشبرج) وهو دهن السمسم حيث كانت في السوق معاصر خاصة للسمسم يديرها يهود محترفون ، والاسم ينسب إلى الشبرجة او الشرجة التي حُرفت إلى الشورجة ، لكن الرحالة التركي (اولياجلين) يعتقد غير ذلك فهو يقول أن اسم الشورجة هو من اسماء بغداد.الا ان هنالك من يقول ان هذا المكان كان عبارة عن مستنقع قبل 400 عام وكما يعتقد بعض تجارها .. لأن اسم الشورجة جاء نسبة أو اشتقاقاً من كلمة (سيرجة) التي تعني النهر أو المستنقع فضلا عن ما أكده المرحوم الشيخ جلال الحنفي - الذي يعد من أهم أعلام العراق - اذ يقول :"الشورجة نهر مالح باللغة الفارسية ونفي ان يكون الاسم مشتقاً من اسم "شيرج" التي تعني دهن السمسم .ويرى العلامة الدكتور حسين علي محفوظ ان الشورجة نشأت في محلة الفراشة وعلى اطراف احد ازقتها ، ومن اهم معالمها في الثلاثينيات هي قهوة الحنطة وخان الدجاج وحمام الشورجة والسوق الصغير وسوق البقالين وسوق المناضل وسوق التمّارة وسوق الفاكهة وسوق العطارين.ويقع على مقربة من سوق الشورجة جامع سوق الغزل وتحت التكية وخان مخزوم ومقام بنات الحسن ومرقد الحسين بن روح . وفي العصر العثماني كانت الشورجة تقع بين سوق العطارين وسوق البقالين ، وتوسعت في عهد الوالي العثماني ناظم باشا عام 1910 لتضم هذين السوقين ، فيما يرى بعض المؤرخين ان اصل سوق الشورجة كان سوقاً للعطارين ايضاً.ويجمع المعمرون على ان هذا السوق المتعارف عليه الان باسم الشورجة هو ليس الشورجة وانما الشورجة هي التي تبدأ من شارع الملك غازي (الكفاح حالياً) حتى مدخلها في شارع الرشيد عند جامع مرجان.وعند البغداديين ، تعدّ الشورجة سوقاً تراثية وشعبية على حد سواء ، فاغلب ربات البيوت البغدادية يسعين اليها للتبضع فيها خصوصا قبل حلول شهر رمضان الكريم بأكثر من أسبوع، اذ ليس هناك بيت بغدادي لا يغرف من هذا السوق المواد الغذائية الخاصة بالأكلات الرمضانية ، وكذلك التبضع في المناسبات والاعياد حيث تكثر الشموع ومستلزمات الاعراس والافراح.ويشتهر السوق ببيع ما يصنعه العطارون والتوابل والسكر والشاي والبهارات والحبوب وأنواع الحلويات والرز وأنواع عديدة من العصائر والسكريات.ويضم سوق الشورجة اسواقاً متخصصة تزيد على (19) سوقاً منها سوق الصابون وسوق التوابل وسوق القرطاسية واخر للزجاجيات والفرفوري ( الخزفيات ) والفافون ( الألمنيوم ) إلى غير ذلك.. وله من الخانات ( محلات )13 منها (خان لاله الصغير)، و (خان جني مراد) ، وقيل ان سبب تسمية الخان الاخير هو انه عند احتراق الخان وانهيار بعض جدرانه ظهر وراءها بناء فتخيل الناس ان البناء الذي ظهر هو من عمل الجن ، ثم (خان الامين) و (خان الاغا الكبير) ، ومن الجوامع اربعة منها جامع النخلة وجامع النوبجي. ومن الحمامات حمام السيد يحيى وحمام البقال خانه. اما المقاهي فقد كان هناك اثنان ، (مقهى المعلكة) اي المعلقة ذلك لانها تقع على سطح احدى العلاوي، وقهوة قدوري التي كان يرتادها قراء المقام، وفيها قرأ المقام عبد الرزاق القبانجي والد الفنان الكبير محمد القبانجي. ومن الاحداث والمفارقات التي شهدها سوق الشورجة انه حين لجأ شاه ايران الراحل محمد رضا بهلوي الى العراق بعد انقلاب مصدق في العام 1952 ، خرجت تظاهرة من ابواب الشورجة مطالبة بمغادرة الشاه ارض العراق ، وعندما سقطت قبة جامع سوق الغزل في الاربعينيات من القرن الماضي تناقل الناس في حينها ان سقوط القبة دليل على قرب قيام الساعة !وفي عام 1912 ابان حكم الوالي العثماني جمال باشا والي بغداد اندلع حريق كبير ـ غير مفتعل ـ في احد الخانات كما يشير المؤرخون ، واتسعت النيران لتشمل سوق العطارين وجامع مرجان ، وكان الحريق بسبب تراكم البضائع التي تقبل الاشتعال وتم اخماده بجهود مضنية بعد ان ظل مشتعلاً سبعة ايام ، ولم تحدث وفيات تذكر او جرحى. ويعيد التاريخ نفسه في القرن الواحد والعشرين ، ولكن هذه المرة بعد الغزو الاميركي للعراق عام 2003، فالحرائق المفتعلة التي قيدت ضد مجهول ، تكررت في هذا السوق فيما كان للحرائق الناجمة عن انفجار السيارات المفخخة تأثير مدمر على حركته.ان من يزور أسواق الشورجة يجدها وكأنها إحدى أسواق التاريخ وهذا ما يحفز الذاكرة على تخيل عقود انطوت من تاريخ بغداد وذلك من خلال تشابك محالها وأسواقها وازقتها بل حتى بعض معروضاتها وخاصة الاعشاب والتوابل منها فضلا عن تاريخ بناء بعض محالها والتي جاوزت عقوداً كثيرة .. وهذه المئات بل الآلاف من المحال تشد كل من يدخل السوق إلى التبضع حتى الذين جاءوا لزيارتها أو رؤيتها فقط ... كما&
الشورجة في كتابات مؤرخي بغداد
نشر في: 22 أغسطس, 2010: 06:34 م