TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > من وحي رمضان

من وحي رمضان

نشر في: 22 أغسطس, 2010: 06:41 م

محمد الكعبي إن شهر رمضان يعتبر دورة تدريبية لممارسة العمل الصالح، فيتدرب الصائم فيها على الصيام والقيام والإنفاق والإحسان والبذل والعطاء ونحو ذلك من السلوكيات المفيدة للمجتمع، ويتدرب أيضا على ترك كثير من الممارسات الضارة اجتماعيا،
والتي يحض الدين على النفور منها والابتعاد عن ممارستها، من مثل الكذب واستغابة الاخر وكف اللسان عن السب والشتم وغير ذلك من الرذائل التي تهدم اكثر مما تبني، حتى إذا ما انتهى شهر رمضان يكون قد عود نفسه على آليات فعل الخير وصنع ما يدعم مكانته الاجتماعية في قلوب الناس، وطبع نفسه على أخلاق الفضيلة والعمل الصالح. لكن الذي يؤلم القلب أن كثيراً من الصائمين لا يستغلون هذه الفرصة، ويستفيدون منها بالتعود على السلوك الخير، بل تراه إذا ما انتهى رمضان، انتهت علاقته بالعمل الصالح، وكأن الخلق القويم لايصلح فعله الا في ايام رمضان. إن أصحاب العبادات الموسمية هؤلاء قد لا تنفعهم عبادتهم التي تكون بسبب موسميتها بالذات عبادة على ما فيها من مظاهر التقوى والايمان، فيها الكثير من الزيف والنفاق سرعان ما يفتضحان.إن هذا الصنف من الناس دخل عليهم رمضان وخرج ما بين أكل وشرب، وسهر ونوم، ولهو ولعب، وانتهى رمضان دون أن يحصلوا منه على المعاني التي شرع من أجلها الصوم، ثم ما قيمة من يعمل صالحاً ثم يعقبه بما يخالفه، إن مثل هؤلاء كقول الشاعر:وتهدم ما تبني بكفك جاهداً *** فأنت مدى الأيام تبني وتهدمإن مما يحزن القلب أن كثيراً من الناس فهموا رمضان على غير المراد منه، فهموه بغير الطريقة التي أرادها الله منهم، فبدلاً من أن يكون شهر جوع ومعاناة وتعب وصبر، أصبح عندهم شهر التفنن في صنع المأكولات النادرة وتعدد الأنواع الفاخرة، حتى صار شهر التخمة والسمنة، وأمراض المعدة، وانقلب عندهم أيضا شهر رمضان من شهر الإحساس بالجوعى والفقراء والمساكين ومواساتهم، إلى شهر الانغماس في الملذات والشهوات حتى الثمالة، فتجدهم قرب حلول رمضان يتوجهون إلى الأسواق ويملؤون بيوتهم بشتى أنواع الأطعمة، بل إن بعضهم قد يشتري أكثر من حاجته ويشتري أكثر مما كان يشتريه في الأشهر السابقة وكأنهم طوال السنة جوعى ولا يأكلون إلا في رمضان، فجعلوا هذا الشهر الفاضل موسماً للأكل والشرب وملء البطون، بينما هو في الأصل شهر الصوم الذي شرع من أجل أن يشعر الإنسان بمرارة الجوع، ولذعة الألم، فيحس فيه بإخوانه الفقراء والجوعى من ابناء شعبه، الذين يموتون جوعاً ويصومون إجباراً طوال العام، ولا يعرفون من الطعام إلا إسمه، ولا يذوقون منه إلا رسمه، ونحن بكلامنا هذا لا ننهى عن الأكل والشرب مطلقاً كلا - لأن الجسم بحاجة إلى الأكل والشرب ولا غنى له عن ذلك - ولكننا نقول يجب أن يكون ذلك بحدود المعقول، دون شره مفرط ودون إسراف وتبذير، لأن المشاهد أيام رمضان أن أغلب ما يصنع من الأطعمة لا يؤكل، بل يؤكل جزء قليل منه ويرمى الباقي في المزابل، وهذا العمل نوع من السلوك غير المتوازن انسانيا واجتماعيا، وان دل على شيء فأنما يدل على ان من يمارسه لديه من الشره وعدم الاكتفاء الروحي الكثير.ومن المفاهيم الخاطئة لرمضان أيضاً أن البعض من الناس فهمه على أنه شهر السهر واللعب، واللهو والعبث، فتجد البعض منهم إذا أقبل رمضان طفق يستعد لإعداد الملاعب لتنظيم المسابقات وإقامة المباريات، ومنهم من يستعد لإعداد الأماكن للعب الورق، واستماع ومشاهدة ما يعرض من بعض التفاهات في التلفاز أو عبر القنوات الفضائية، إلى غير ذلك من الأمور التي يقضى فيها على هذه الليالي الفاضلة، فانقلبت ليالي هذا الشهر الكريم عند هؤلاء المساكين المحرومين إلى ليالي ميتة تملأ بأنواع اللهو والعبث، وتحول نهار هذا الشهر الكريم أيضاً عندهم إلى شهر النوم والكسل والخمول وإضاعة الوقت بما لايفيد وينفع، وهكذا تقتل أيام رمضان ولياليه الفاضلة عند كثير من الناس دون أي استشعار لعظمة هذه الأيام والليالي وفضلها..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram