TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > أطفال غزة..ضحايا الحاضر والمستقبل!

أطفال غزة..ضحايا الحاضر والمستقبل!

نشر في: 28 أكتوبر, 2023: 10:05 م

د. قاسم حسين صالح

بعد عودة الجنود الأمريكيين من حرب فيتنام ( 1945- 1946) ظهرت اعراض لصدمات نفسية (درامية) بعد عشرات السنين من زمن وقوع الحرب! اطلق عليها الدليل الأمريكي لتشخيص الأمراض النفسية مصطلح (ضطراب ضغوط ما بعد الصدمة )..وحصل ايضا للجنود الأميركان العائدين من حرب الخليج (عاصفة ))،وهناك من يؤكد ان بينهم من يعاني الآن ! من هذا الأضطراب!.

ومع ان هذا الأضطراب الذي اكدته دراسات علمية موثقة، أصاب كبارا وجنودا خبروا الحروب ،فاننا نرى بوصفنا سيكولوجيين، أن اكثر المتضررين نفسيا وعقليا وسلوكيا من الحروب..هم الأطفال الذين يشكلون 50% من شريحة المدنيين المتضررين من الحروب في العالم. وننبه هنا الى ان اخطر ما ستحدثه حرب الأبادة الجماعية التي تشنها اسرائيل هو تاثيرها المدمر على الصحة العقلية للأطفال بعمر سنتين الى 18 عاما ،وتحديدا..اصابتهم بـ(اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة) الذي يبقى يلازمهم طوال حياتهم ولو بلغوا التسعين. فهم سيرون في يقضتهم وكوابيس احلامهم..مقتل والديهم ومحبيهم وهم مضرجون بالدماء ، و يرون يدا هنا ورأسا هناك كما لو كانت موثقة بفلم سينمائي. ويستعيد آخرون كيف اجبروا على الهروب والنزوح والتشريد فرارا من رصاص قاتل او صاروخ يدفنهم تحت الأنقاض.

و لا تقتصر تبعات الحرب الأليمة على الأطفال في آثارها النفسية والعقلية فحسب، بل تشمل مجموعة واسعة ومتعددة الأوجه من التبعات التي تضر بالعلاقات الأسرية ،وعلاقات الطفل بأصدقائه ودائرة الشخصيات التي يتأثر بها، و أداءه المدرسي وتطور ونضج شخصيته، و نظرته السوداوية للحياة.

ففي بحث نشرته مجلة World Psychiatry للصحة النفسية عام 2018، اتضح أن هناك دليلاً كبيراً على وجود علاقة بين نسبة التعرض للحرب وتبعاتها، وكمية الضغوطات التي يعاني منها الأطفال وتعيقهم في مجالات التكيُّف المختلفة على مدار حياتهم بما في ذلك قابلية صحتهم العقلية والجسدية ، وقدراتهم الشخصية، سواء على التحصيل الأكاديمي أو في بناء العلاقات الاجتماعية والحفاظ عليها. بمعنى ان الطفل الولد والطفلة البنت اذا بلغا الثلاثين من العمر ، فأنهما سيواجهان صعوبات في تأمين حياة زواجية مستقرة ،واداء وظيفي يرضي مؤسسته التي يعمل فيها ،وحياة اجتماعية قائمة على المحبة والتعاون

وتشير منظمة الأمم المتحدة للطفولة UNICEF إلى أن التعرض للعنف المنظّم والأمراض النفسية والعقلية المترتبة عليه يعمل بمثابة محفز للعنف المنزلي وسوء معاملة الأطفال. إذ قد تساهم أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، مثل التهيج والاندفاع والغضب، في ارتفاع مستويات إساءة معاملة الأطفال وضربهم.

وتسهم كل هذه الصعوبات في جعل الأطفال المصابين بصدمات الحروب أكثر صعوبة في التعامل مع والديهم وفي عملية التربية، وذلك في الوقت الذي يقوم فيه الآباء أنفسهم بتطبيق استراتيجيات أبوية أكثر عنفاً وإكراهاً بسبب تجربتهم المؤلمة في خوض الحرب. تؤكد ذلك دراسة حديثة وجدت أن أطفال أسر الناجين من الحروب في سريلانكا تعرضوا أكثر من غيرهم لصدمات جماعية وأمراض عقلية تتسبب بدورها في ممارسة الأسرة مزيداً من العنف وسوء المعاملة بحقهم، حتى بعد منح الآباء الاستشارة والخدمة النفسية اللازمة لعلاج صدمات الحرب لديهم. فكيف سيكون الحال لدى مئات آلاف الأطفال في غزة الذين تعرضوا وما زالوا يتعرضون الى ابادة جماعية في حرب همجية انتقامية لم يشهد مثلها التاريخ المعاصر!

اننا ندعو،من خلال جريدة المدى العراقية، مؤسسة العلوم التربوية والنفسية العربية التي تضم معظم علماء النفس والأطباء النفسيين العرب ، والمنظمات والجمعيات النفسية العربية الى التعاون فيما بينها في الوصول الى اعتماد استراتيجية تشمل المؤسسات التخصصية ذات العلاقة ،بصيغة تحتضن اطفال غزة نفسيا وانسانيا بما يؤمن ان لا يكون أحبتنا اطفال غزة في المستقبل..ضحايا ابديون.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: الغرق في الشعارات

العمودالثامن: رواتب نواب جزر القمر

العمودالثامن: ألف نكتة ونكتة عن النزاهة!!

قانون الأحوال الشخصية.. في مواجهة الامتثال إلى الماضي

العمودالثامن: مثقفون مزيفون

 علي حسين في هذا المكان كتبت عن ظاهرة مركز الرافدين وعن صاحبه زيد الطالقاني .. وقد كنت أشاهد مجموعة أطلق عليهم زوراً لقب مثقف يشاركون في فعاليات مركز الرافدين ، والبعض منهم أصبح...
علي حسين

قناديل: لحافٌ يا مجلس المحافظة؟

 لطفية الدليمي أحسبُ أنّ معظمنا رأى المشهد الهزيل عبر الصور المنشورة في وسائل التواصل الاجتماعي: رئيس وأعضاء مجلس محافظة المثنى يقدّمون لطالبة متفوقة في السادس الاعدادي هدية تفوقها وهي (لحاف)، لحاف وحسب. ترى...
لطفية الدليمي

قناطر: الواقع الصحي بين البصرة والكويت وأيمن حسين

طالب عبد العزيز صورة القطاع الصحي في العراق لا تسر، وسمعة الطبيب العراقي على علميته وكفاءته مشوشة في ذهن المريض والمتابع والمواطن السليم أيضاً، وحال المستشفيات في البصرة وغيرها من المحافظات لا ترقى الى...
طالب عبد العزيز

السينما بين الفن والسياسة:فيلم "حياة الماعز" أنموذجاً

د. طلال ناظم الزهيري تاريخ السينما هو مسيرة حافلة تعكس التقدم التكنولوجي والإبداعي في صناعة الأفلام. حيث بدأت السينما في أواخر القرن التاسع عشر تزامنا مع اختراع آلات العرض الأولى مثل جهاز "الماسكوب" الذي...
د. طلال ناظم الزهيري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram