وديع غزوانفي تاريخ العراق السياسي الحديث، ساد تقليد لدى الأحزاب السياسية، التقدمية منها و الرجعية ،خاصة عند من سنحت له الظروف بتبوؤ مواقع المسؤولية، مفاده التطير من النقد وتنزيه أعضائها من أي خطأ قد يرتكبونه. هذا الموقف جر العراق منذ 1958 حتى الآن الى مواقف، أصبح فيها المنصب الحكومي، هدفاً بحد ذاته وليس وسيلة يفترض ان يعتمدها هذا الحزب أو ذاك لتطبيق مبادئه.
وكانت النتيجة ان دفعنا نحن المواطنين، ثمناً باهظاً لشعارات رنانة ومبادئ تغنينا بها وعشنا أحلامها، ثم اصطدمنا انها لم تجد لها سبيلاً الى التطبيق.ونحسب ان هذه العقلية ما زالت تعشش في مخيلة بعض نخبنا السياسية وظلت تحكم تصرفاتهم بعد 2003، لذا وتحت عباءة ومظلة بعض الأحزاب ارتكب البعض خطايا وليست أخطاء، عرقلت عملية تقدم العملية السياسية، بل شوهتها، فكان ان استشرى الفساد وهربت الكفاءات وساءت الخدمات وتعطلت عمليات البناء والتطور في كل شيء.لا نريد ان نتجنى على احد، ولكن هذا هو الواقع الذي يجب ان لا نتهرب من الاعتراف بما شابه من أخطاء من دون إغفال ما تحقق من ايجابيات او الظروف المعقدة التي أحاطت بالعملية السياسية، لان ما مر من زمن ليس بالقليل، خاصة ونحن ما زلنا نراوح مكاننا في قضية ما يسمى بأزمة تشكيل الحكومة.وبصراحة فإن ما جاء بالخبر الذي نشر على موقع الإعلام المركزي للاتحاد الوطني الكردستاني الذي يشير فيه الى بحث المكتب السياسي للاتحاد الوطني ( ملف بعض المسؤولين الذين وردت أسماؤهم في تقارير صحفية تحدثت عن قيامهم باستغلال مناصبهم لتنفيذ اعمال غير قانونية) جعلنا نتوقف كثيرا لمراجعة مستوى ما وصلت إليه الأحزاب الكردستانية من قناعات وايمان بالمبادئ والمفاهيم الديمقراطية، وتحويل الشعارات الى واقع يلمسه المواطن في حياته. وبغض النظر عمّا تحمله بعض التقارير الصحفية من مبالغات ومعلومات غير موثقة وأهداف سياسية، فإن طلب المكتب السياسي (بصورة رسمية من رئيس حكومة إقليم كردستان تشكيل لجنة تحقيقية لمتابعة هذا الملف وان تتم معالجته بصورة قانونية) قد يكون درساً لبعض الكتل السياسية في التعامل بمسؤولية وشفافية إزاء ما ينشر، وعدم التطير من النقد مهما كان قاسياً ما دام هدفه نبيلاً.ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها شخصيات حزبية مسؤولة من الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستانيين إلى مثل هذه المواقف،لكنهما، وفي كل الحالات تعاملا مع الأمر على وفق ما يمليه واجب ترسيخ المفاهيم الديمقراطية في المجتمع، حتى صار إقليم كردستان وبشهادة العديد من المنظمات والشخصيات الدولية نموذجاً استقطب اهتمام الكثير من الباحثين.ظروف الأحزاب الكردستانية وخاصة الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستانيين، لم تكن في يوم ما أفضل من غيرها من الأحزاب، بل لا نبالغ اذا قلنا انها أصعب وأقسى، لكنها استفادت من مرارة وصراعات الماضي لوضع لبنات مستقبل واعد وتطوير التجربة الكردستانية وترسيخ قواعدها.ولكي لا نتهم بالانحياز، رغم مشروعيته، الى تجربة العمل السياسي في الإقليم، فإننا لم ندع يوماً بان ما يجري خال من الأخطاء، سواء في بعض الممارسات من قبل الجهات الحكومية أم المعارضة ، غير اننا نظن ان استمرار ممارسة النقد من أعلى مواقع المسؤولية وبشكل علني وواضح، وما تمارسه المعارضة من دور في برلمان كردستان وحرية الإعلام، صمام أمان لمسيرة التطبيق الديمقراطي في كردستان، التي نتمنى ان تستفيد منها بقية الكتل السياسية في العراق .ويكفينا ما ضاع من فرص كان سببها الأول التحزب الأعمى الذي جر بعض الكتل السياسية الى التخندق خلف مواقف ضيقة وآنية، أبعدتنا عن هدفنا الكبير ببناء عراق يشعر الجميع فيه بالأمان.موقف المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني فيه درس وعظة . فهل نستفيد، منهما؟!
كردستانيات: نموذج ديمقراطي
نشر في: 22 أغسطس, 2010: 08:16 م