TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > هواء فـي شبك: (ثلثين الدك عالمربوط)

هواء فـي شبك: (ثلثين الدك عالمربوط)

نشر في: 22 أغسطس, 2010: 10:19 م

 عبدالله السكوتييحكى ان فلاحا جاء الى مزرعته، فوجد المواشي تعبث فيها، فطار صوابه، وهجم عليها بعصاه الغليظة، ولكنها هربت قبل ان يتمكن منها، الا انه وفي شدة غضبه عمد الى ثور بعيد عن مزرعته، مربوط الى جذع شجرة، فانهال عليه بالضرب الشديد، وكان صاحب الثور قريبا منه، وقد شاهد ما صنع بثوره، فقال له: لماذا تضربه وهو مربوط في مكانه ولم يؤذ احدا، ولم يعبث بالزرع،
 فقال: ان هذا الثور لو اتيح له وقطع رباطه لما ترك عودا اخضر، فقال صاحب الثور: ليس هذا هو السبب، بل السبب انك لم تقدر على المواشي التي عاثت بزرعك ولاذت بالفرار، وقد وجدت هذا المسكين مربوطا فافرغت غضبك به فكان: (ثلثين الدك عالمربوط). وهذه الحكاية، تحكي قصة تجذر ثقافة (ثلثين الدك عالمربوط) في النفوس منذ ازمان سحيقة، فهذا زياد بن ابيه خطب الناس في البصرة حين ولاه اياها معاوية بن ابي سفيان فقال: لآخذنّ الوليّ بالولي، والمقيم بالضاعن، والمقبل بالمدبر، والمطيع بالعاصي، والصحيح منكم في نفسه بالسقيم، حتى يلقى الرجل منكم اخاه فيقول: انج سعد فقد هلك سعيد، وايّم الله ان لي فيكم لصرعى كثيرة، فليحذر كل امرىء منكم ان يكون من صرعاي.هذا ما جرى في الامس البعيد، اما الامس القريب، فنحن شهداء عليه، حين امتلأت سجون النظام السابق بالنساء والاطفال والشيوخ، وكان يرتهن الضعفاء ويساوم عليهم ابناءهم، كي يسلّموا انفسهم، وهو امتداد لما تقرأ من الاخبار والروايات عن الرؤوس المقطوعة، فرأس عمرو بن الحمق الخزاعي اول رأس طيف به في البلدان في بداية نشوء الدولة الاموية. تاريخ مليء باعمال العنف والقتل، وقطع الالسنة وسمل العيون، حتى لتصاب بالضجر حين تقلب كتابا في التاريخ، لتتقافز نحوك الصور المرعبة للتمثيل والقتل المجاني، حتى وصل الامر ان يصدر امر للسياف بمفردات مقززة: اخرج لسان فلان من قفاه، لتستمر كارثة ضرب المربوط، ومن المؤكد ان غير المربوط سيطلق ساقيه للريح، ويبقى من حمّ قضاؤه واذعنه رباطه. وبلا خجل يدونون آثارهم التي تحكي تعسفهم وجورهم، واستهتارهم بحياة الاخرين، ولا اشهر من ملك الحيرة النعمان بن المنذر في يوميه، سعده وبؤسه، ولا احقر منه حين ذبح نديميه على مجلس شراب، ليرتكب المجازر مجددا ويطلي بدماء الضحايا قبريهما، ومنها جاء اسم الغريين ؛ ولا نريد ان نكرر ما سلف، ولا ندع ميزاننا ينضوي تحت قاعدة، عين السخط وعين الرضا حيث قال الشاعر: وعين الرضا عن كل عيب كليلة             ولكنّ عين السخط تبدي المساويا والمطلوب ان تكون المسافة واحدة من الجميع والنظر بعين واحدة لهم، علّنا نخرج من ثقافة (ثلثين الدك عالمربوط) التي تجذرت في عقولنا، حين يملأنا الزهو باحاديث بعض الخلفاء وجبروتهم، وتوجيه وزراءهم ومواليهم الى ظلم العوام كما يسمّون الشعب، وللاسف مازالت هذه اللفظة مستخدمة حتى الان، وهي تعني ما تعني.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram