علاء المفرجيلم يتعرض معلم معماري وفني في العراق، لمثل ما تعرض له نصب الحرية احد أهم منجزات الفنان العراقي الكبير جواد سليم، والشاخص في قلب بغداد، من استهداف لقيمته الجمالية والفكرية، والقراءة الخاطئة لدلالاته.. حتى وصل الأمر بعيد الانقلاب الدموي عام 1963، إلى إطلاق الرصاص عليه والذي ما زالت واجهته المرمرية تحمل آثاره.
والأصوات التي تعالت اخيرا عبر عدد من المواقع الالكترونية، والمطالبة بـ (إعادة النظر) بمفردات هذه التحفة الفنية والمعمارية من خلال استبدال رمز الجندي العراقي بسجين سياسي (كذا!!).. بدعوى ان رمز الجندي يمثل تمجيداً للانقلابات العسكرية المتعاقبة.. وكأن مطلقي هذه الدعوة قد اتخموا بالتداول السلمي للسلطة، حتى لم يبق إلا أن يغيروا على جزء مهم من ذاكرة هذا الشعب تشويهاً وإلغاءً بحجة انها تذكرهم بماّسي الانقلابات.. ومثل هذه الأصوات بفهمها المسطح والقاصر لاهمية هذا الاثر الفني، هي جزء من حملات التشويه التي تعرض لها هذا النصب على مدى أكثر من أربعة عقود. ومثل هذه الحملات كانت قد بدأت حتى قبل أن يزين هذا النصب وسط عاصمتنا الحبيبة، وفي حياة مبدعه عندما رفض الفنان الكبير جواد سليم بحس الفنان المرهف، الاملاءات التي ذهبت إلى مقترح استبدال رمز الجندي العراقي الذي يحطم أسوار السجن برمز الزعيم عبد الكريم قاسم، ثم امتدت إلى إطلاق الرصاص عليه من قبل انقلابيي شباط.. مرورا الى الزعم بالبعد الوثني لرموزه والمطالبة برفعه نهائيا.. وليس انتهاءً ما اشيع عن طاقة السحر الكامنة فيه والتي جلبت البلاء وعدم الاستقرار لهذا البلد!!وبدلا من ان ينتبه من يعنيهم الأمر إلى ما آل إليه النصب من تشويه للفضاء المحيط به.. وإهمال في صيانته بسبب الأضرار التي لحقت به، والتي تهدد بانهياره مما يستدعي العمل على اعادة تأهيله بما يسهم في تأكيد حضوره الفني المهم، فان البعض ما زال يضيق الخناق عليه بالتأويل المبتسر، والفهم الخاطئ لدلالاته ورموزه، والاهم للقيمة الحضارية التي يمثلها هذا النصب، الذي يعد بنظر النحات الانكليزي الأشهر (أرميتاج) من أهم النصب التي شيدت في العالم خلال القرن الماضي.نصب الحرية ياسادتي ليس مجرد عمل فني.. انه توثيق لسيرة شعب وجزء من ذاكرة وهوية بلد، فليس من الصواب ان يرتهن بأمزجة من يحاولون أن يمحوا ذاكرة هذا الشعب، ويستهينوا برموزه لأسباب تتعلق بضيق الأفق، بل الجهل بأهمية هذه الرموز. وليس من الصواب أيضاً ان نقف مكتوفي الأيدي أمام مثل هذه الدعوات لنرى مصير تحفة جواد سليم، كمصير تمثالي بوذا في أفغانستان على أيدي ظلاميي طالبان، أو مصير جدارية الفنان المكسيكي ريفييرا في نيويورك على يد روكفلر.
فــــارزة: لكنه نصب الحرية!
نشر في: 22 أغسطس, 2010: 10:22 م