اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الصدمة، والتغير السياسي في المنطقة

الصدمة، والتغير السياسي في المنطقة

نشر في: 1 نوفمبر, 2023: 09:26 م

نبيل عبدالفتاح

ستؤدى عملية "طوفان الأقصى" إلى تغيرات عديدة فى الإقليم، لأنها كشفت عن المفاجأة، وخيال عسكرى، وذكاء فى التخطيط، والأعداد، والتنفيذ، على نحو محكم نزع بعض من أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر! بوصفه واحدًا من أهم واقوي جيوش العالم،

من حيث أنماط الأسلحة الأكثر تطورًا، والخبرات القتالية، والتكنولوجيات العسكرية، ويمتلك أجهزة مخابرات ذات كفاءة عالية، من الاستخبارات الخارجية (الموساد)، والاستخبارات العسكرية (أمان)، والشاباك (الأمن الداخلى) وفشلهم فى تقييم بعض المعلومات حول استعدادات حماس، والجهاد الإسلامى، فى القيام بعملية عسكرية تم وصفها بأنها لا تعدو أن تكون قصف صاروخى ككل الحالات السابقة فى أفضل الأحوال! وهو ما يكشف عن خطورة تنميط الأفكار حول المقاومة الفلسطينية، وإنها تعيد إنتاج ذات العمليات السابقة، والتفكير والتخطيط!

هذا الفشل هو ما سيفتح الباب أمام نهاية عدد من القادة الكبار فى الجيش، والاستخبارات، وأيضا رئيس الوزراء، وعدد من الوزارات الغلاة، وسيكون ذلك جزءًا من التحقيقات التى ستتم عندما تسكت المدافع، وإزيز الطائرات، ودمار قطاع غزة، وقتل الآلاف الأطفال، والنساء، والشيوخ من المدنيين.

الحرب الحالية كشفت عن بعض الأساطير المهيمنة أيضا فى العالم، وازدواج المعايير فى التعامل مع الفلسطينيين، والعالم العربى، وعلى رأسها:

1. اللامبالاة بالقانون الدولى العام، وقانون الحرب، والقانون الدولى الأنسانى واتفاقيات جينيف داخله التى تحدد السلوك الواجب من المحتل، على الأراضى، وحقوق المدنيين والمحتلين، والأخطر أن الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا يستخدمون العضوية الدائمة فى المجلس فى وقف، إصدار أية قرارات إزاء العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، واستهداف المدنيين من الأطفال، والنساء، والشيوخ، وتدمير 40 بالمائة من مبانى قطاع غزة حتى هذه اللحظة. فى ظل إغفال قواعد الحرب، قامت هذه الدول الكبرى باستخدام الأوصاف الأخلاقية فى وصم حماس، والجهاد الإسلامى، وفصائل المقاومة بالإرهاب، وهو مفهوم واسع وغامض فى الأدبيات ونصوص المعاهدات الدولية التى وقعت عليها هذه الدول، وذلك لتبرير سلوكها السياسى فى دعم اسرائيل سياسيا، وعسكريا، واقتصاديا. ثمة ازدواجية فى النظر إلى العمليات العسكرية من طرفى الحرب، بالدفاع عن المدنيين، والقتلى من الإسرائيليين والأسرى، ونسيان آلاف الأسرى الفلسطيني فى السجون الإسرائيلية، وأيضا ارتفاع عدد الشهداء فى غزة الذى وصل إلى 8306 بينهم 3457 من الأطفال، ووفاة طفل صغير كل ربع ساعة حتى آلآن، فى ظل عقاب جماعى، وقطع للاتصالات، والكهرباء، والطاقة، وضرب وتدمير جوى لمحيط المستشفيات، فى ظل انهيار النظام الصحى كاملًا!

2. أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية الوحشية الى انكشاف "ثقافة السلام"، التى حاولت إسرائيل، والولايات المتحدة والدول الغربية، ترويجها بين بعض النخب السياسية والثقافية فى المنطقة العربية،وذلك من خلال الربط بين السلام، والتطبيع قبل حل الدولتين، وتمدد الاستيطان الإسرائيلى المسلح على الأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية، وحول حزام قطاع غزة. الأخطر الربط بين ترويج ثقافة السلام، وبين تنشيط تطلعات بعضهم، بالترويج لهم فى هذه البلدان عن طريق المؤتمرات المشتركة، والندوات، والبحوث، وترجمة كتب بعضهم إلى اللغات الأوروبية. حاول هؤلاء منذ كامب ديفيد وحتى الآن، الترويج لنموذج التقدم الإسرائيلى، والإمكانيات الاقتصادية التى تتاح لبعض دول العسر العربية من خلال الانخراط فى عملية السلام! مع نسيان المسألة الفلسطينية، والاستيطان،وغياب أية أفاق بعد أوسلو لحل الدولتين، والعاصمة القدس الشرقية للدولة الفلسطينية التى تحولت إلى حلم لا يتحقق فى ظل السياسة الاستيطانية، ودخول عرب النفط فى علاقات تطبيع، وتبادل السفراء مع إسرائيل –الأمارات والبحرين،- وعلاقات مع المغرب، وغير رسمية مع السعودية.

لاشك أن ميراث ثقافة السلام الهشة انكشفت، وتبددت بعد عمليتى طوفان القدس التى أعادت المسألة الفلسطينية إلى واجهة الأحداث السياسية فى المنطقة، والعالم كأولوية مركزية للاستقرار فى الشرق الأوسط.

3. أدت وحشية عملية السيوف الحديدية الإسرائيلية إلى مظاهرات واسعة النطاق، فى بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، ودول عديدة، على نحو أظهر التمايز بين خطاب الإدارات السياسية الأمريكية والغربية، وبين خطاب بعض الجماعات مثل الخضر والدفاع عن البيئة، وبعض اليسار، والدفاع عن حقوق المرأة والطفل... إلخ.

هذا التمايز كاشف أيضا عن سطحية بعض النظرات العربية للغرب ككتلة سياسية، واجتماعية واحدة، تمثلها الحكومات المنحازة إلى إسرائيل. هذه الوجهة من النظر على هشاشتها، وطابعها اللاعلمى، حاولت استغلال المذابح الإسرائيلية، والدعم السياسى والعسكرى والاقتصادى لإسرائيل فى ركوب موجات الغضب الواسعة فى العالم العربى، وبعض الدول الإسلامية، لترويج الكراهية للنماذج والقيم الغربية، وازدواجية المعايير إزاء الفلسطينيين، والعرب. هذه النظرات توظف موجات الغضب المتفاقمة، فى الترويج للإيديولوجيات الأصولية الإسلامية، من خلال التظاهرات، أو مواقع التواصل الاجتماعى، وخاصة منشورات الفيسبوك قبل ضبطها من إدارته المنحازة لإسرائيل!

4. ساهمت عمليتى طوفان الاقصى، والسيوف الحديدة فى يقظة نسبية للفكرة العربية الجامعة، وخاصة البُعد العروبى الذى ساهمت الأنظمة العربية فى إضعافها فى ظل سياساتها الداخلية التى رمت إلى تشكيل هويات وطنية كجزء من عمليات بناء مفهوم الدولة الوطنية، فى ظل مجتمعات انقسامية تعانى من التفكك الداخلى بين مكوناتها الدينية والمذهبية، والعرقية، واللغوية، والمناطقية، والقبالية، والعشائرية من خلال التركيز على المصلحة الوطنية لكل بلد و إعطاءها الأولوية على المشاكل الكبرى للإقليم العربى، وهو ما أدى إلى حالة من اللامبالاة بالعروبة، وأيضا بالقضية الفلسطينية، التى تراجعت علي قوائم اهتمامات هذه السلطات العربية فى دول اليسر، ودول العسر!

أدت عملية طوفان الأقصى، إلى يقظة فى أوساط الجماهير العربية لفكرة التضامن العربى، ودعم القضية الفلسطينية، فى ظل سياسات الصمت لبعض الحكومات عن الفعل السياسى إزاء العدوان الإسرائيلى مع بعض الاستثناءات المحددة فى دول المنطقة المعسورة اقتصاديا، والدور المصرى والقطرى فى محاولة التفاوض حول مسألة تحرير الأسرى، بين الفلسطينيين، والإسرائيليين، وفتح معبر رفح للمساعدات الإنسانية الطبية، والغذائية... إلخ.

5. عودة الروح العربية فى دول العسر، إلى النزعة الراديكالية حول ضرورة تحرير الأراضى المحتلة، فى مواجه نزعات التسوية، وإقامة دولة على بعض الأراضى التى احتلتها إسرائيل بعد هزيمة يونيو 1967، ومنزوعة السلاح، وإعطاء الفلسطينيين اقل من 40% من هذه الأراضى وتوسيع نطاق أراضى القدس الإدارية لإقامة عاصمة للدولة المحتلة المجزأة، فى ظل اتفاق أوسلو وقيادة ياسرً عرفات لمنظمة التحرير الفلسطينية.

6. بروز حماس والفصائل الفلسطينية فى قطاع غزة كممثل للشعب الفلسطينى، وانكشاف شامل لضعف،وهشاشة السلطة الفلسطينية –من كبار السن من قادة منظمة التحرير الفلسطينية، وعجزهم عن " إتمام عملية السلام "، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. هذا التغير في حال استكمال الغزو الإسرائيلي الكامل للقطاع وعدم قدرة المعتدي الغاصب القضاء علي حماس وغالب قادتها! ومقاومتهم الباسلة للعدوان سيؤدي ذلك إلي بروز نسبي وجزئي لبعض من المعتدلين داخل تنظيم حماس، اومن عناصر قريبة من توجههم في اعتدال ليقبلوا كجزء من مكونات الفاعل السياسي الجديد في التفاوض حول الحل النهائي، وإقامة الدولة لأن عديدين في الغرب ضد حماس كتنظيم أيديولوجي متشدد في القطاع، وهناك بعض من النقد سيطال قادة حماس بعد الاف القتلى والشهداء وتدمير القطاع علي نحو استثنائي! . أن عملية طوفان الأقصى كانت كاشفة عن تبدد أوهام سادت المنطقة، وفي ذات الوقت ستفتح الأبواب أمام تغيرات سياسية جديدة في الأقليم.

· عن صحيفة الاهرام

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

العمودالثامن: إنهم يصفقون !!

 علي حسين كان الشاعر الزهاوي معروف بحبه للفكاهة والظرافة، وقد اعتاد أن يأخذ من زوجته صباح كل يوم نقوداً قبل أن يذهب إلى المقهى، ويحرص على أن تكون النقود "خردة" تضعها له الزوجة...
علي حسين

باليت المدى: على أريكة المتحف

 ستار كاووش ساعات النهار تمضي وسط قاعات متحف قصر الفنون في مدينة ليل، وأنا أتنقل بين اللوحات الملونة كمن يتنقل بين حدائق مليئة بالزهور، حتى وصلتُ الى صالة زاخرة بأعمال فناني القرن التاسع...
ستار كاووش

ماذا وراء التعجيل بإعلان " خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!!

د. كاظم المقدادي (3)ميزانية بائسةبعد جهود مضنية، دامت عامين، خصص مجلس الوزراء مبلغاً بائساً لتنفيذ البرنامج الوطني لإزالة التلوث الإشعاعي في عموم البلاد، وقال مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع في اَذار2023 إن وزارة...
د. كاظم المقدادي

السيستاني والقوائم الانتخابية.. ردٌ على افتراء

غالب حسن الشابندر منذ أن بدأت لعبة الديمقراطية في العراق بعد التغيير الحاصل سنة 2003 على يد قوات التحالف الدولي حيث أطيح بديكتاتورية صدام حسين ومكتب سماحة المرجع يؤكد مراراُ وتكراراً إن المرجع مع...
غالب حسن الشابندر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram